أحمد طالب الأشقر يكتب: رجعت حليمة لعادتها القديمة

profile
أحمد طالب الأشقر كاتب وصحفي سوري
  • clock 18 مارس 2023, 2:47:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يحكى أن حليمة زوجة حاتم الطائي امرأة شديدة البخل، اقنعها زوجها بأن الكرم يطيل العمر، وقد فعلت، ثم بعد مصيبة حلّت بها كرهت الحياة وعادت إلى البخل؛ ومنه جاءت قصة المثل الشعبي "رجعت حليمة إلى عادتها القديمة".

في زمن الكورونا شاهدنا جميعنا كيف أصبحت التجارة المرتبطة بـ "جائحة الوباء" هي التجارة المتصدرة للمشهد، من إعلانات على الإعلام وعلى السوشيال ميديا لمنتجات متخصصة في مكافحة الوباء والوقاية منه كالأقنعة الطبية والقماش المتخصص بها إلى صناعة الكحول والمعقمات وغيره، وذلك بالتزامن مع أي خبر أو إحصائية تتحدث عن عدد الوفيات والإصابات؛ في خضم هذا المشهد المتلبّد، اضافة للإستغلال النفسي لمخاوف الجماهير أدى ذلك لزيادة الطلب ونقص للمواد في السوق، وقاد أيضاً إلى الجشع من جهة أخرى في احتكار المواد اللازمة في مستودعات سرية للتحكم بالسعر بالوقت المناسب.

يتكرر هذه السيناريو مرة أخرى بعد كارثة الزلزال، من شدة هولها قد تصدعت فيها القلوب، وزلزلت فيها النفوس، لقد ضُمدت الجروح على عجل بعد انسكار الثقة لنائم استفاق في قبره، وجدار ظنوا أنهم يتكئون عليه، فاتكأ عليهم، وأرض صلبة ارخوا أجسادهم المتعبة إليها فمادت بهم.

وجدت الحكومة التركية نفسها أمام صدمة أخرى غير كارثة الزلزال، صدمة الفساد العريض الذي كان يسري تحت الأرض وفوقها، حيث آلاف المشاريع الإنشائية و عشرات المناطق السكنية المقامة على بنية فنية هشة لا تتحلى بالمعايير و الإشتراطات المتوافقة مع معايير السلامة ضد الزلازل؛ فهم من نتائج الكارثة في كارثة.

مالبثت أيام قليلة لتطفو على السطح، وكعادة تجار الأزمات، تجارة المتطلبات الأولية للسكن والتدفئة والغذاء واللباس،بسوق موازية للسوق الرسمية وبأسعار جنونية وفلكية لاتراعي حرمة الموت والتشرد ورائحة الدمار.

آلآف من الإعلانات المستهدفة لشريحة المنكوبين التي تبحث عن ملاجئ التي لم يصلها الدعم الحكومي أو تأخر أو أنهم قد اهملوا لكثرة الأعداد وهول المصاب، تتحدث هذه الإعلانات عن خيام وكرفانات وبيوت مسبقة الصنع بأسعار مستفزة لكل منكوب ترك كل ماجناه تحت أسقف بيته وجدرانه المنهارة .. دعايات لسوق موازٍ يتحدث استثمارات في  مشاريع إنشائية إسكانية مضادة للزلزازل تتلاعب بمشاعر الذين شُرِدوا .. لسانُ حالهم هل خُدعنا !

على الرغم من أنّ هذه البلاد معروفة بكثرة الزلزال، كان من المفترض أن تكون صرامة تطبيق معايير السلامة أولوية قصوى؛ في حين كانت تلك البنايات والعمارات غير صالحة للسكن وتم التغاضي عنها مع وجود شبهات فساد ورشاوي دفع الناس أرواحهم ثمن لها؛ وهل هذه الإعلانات في هذا الصدد هي استثمار في عمق الألم والجراح أم هي صحوة ضمير مابعد السكرة ؟!

لماذا يجب في كل مصيبة أن نعود لنقطة الصفر في استغلال حاجة الناس بعيداً عن الرقيب الداخلي والخارجي، لماذا يقوم فئة من الشعب باستغلال حاجة باقي الفئات؟!؛ ولماذا حتى في بلد لديه قوانين ويتّبع نمط غربي في الإدارة يعاني نفس مصير دول خاضعة للدكتاتوريات!؟.

غريب المفارقات، عندما عادت حليمة عن عادة البخل لم تعد برغبتها في الجشع والطمع في الحياة بل عادت إلى إليها للفرار من هذه الحياة بزينتها بعد مصيبتها؛ عادت عن كرمها إلى بخلها زُهداً في الحياة على عكس تجار اليوم المستثمرين بمصائب الناس وحاجاتهم.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)