أسامة الغول يكتب : غزة .. ما بعد المعركة!!!

profile
أسامة الغول كاتب صحفي فلسطيني
  • clock 11 أغسطس 2022, 12:58:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هي غزة التي نعرفها جميعاً .. حامية الحمى .. ورأس الحربة .. وأمل الفسطينيين بالتحرير.. في غزة مقاومة تعد العدة وتشحذ الهمة، تبنى قوة ليوم الفصل مع المحتل .. غزة بكل ما فيها من بؤس وفقر وقهر وبطالة وظلم .. هي ذاتها غزة الصامدة في وجه الغزاة كل يوم وكل حين .. على أعين العرب والمسلمين.. الذين يكتفون بالتغريد في الفضاء الرقمي والشجب والاستنكار الذي يعتبر خطوة متقدمة اذا ما أخذنا بعين الاعتبار تطبيعاً عربياً يصفق للمحتل يؤازره ويدين الحق الفلسطيني وينكره ويتهمه!!.

وحيدة غزة .. وقد كُتبَ عليها أن تروي فلسطين وترابها بدماء الشهداء والنساء والأطفال  كل حين.. وحيدة غزة التي تُنتهك ويُفرض عليها ضريبة الحرية والوقوف في وجه محتل يصدح صباح مساء "الموت للعرب"، و"محمد مات ..خلف بنات"، وحيدة غزة وهي حاضنة المقاومة والطلقة والبندقية التي لا تعرف الا المحتل عدواً،  وحيدة غزة قبل الحرب وأثناء الحرب وبعدها حين تجد نفسها محاصرة من ذوي القربى، وحيدة غزة التي تعج ببطالة الخريجين والممنوعين من السفر .. وحيدة غزة التي تعد أفقر بقاع الدنيا وأكثرها عزة .. وحيدة غزة بأهلها وناسها وبحرها الذي يلم فرحتها ومتنفسها وآلامها وآمالها..

غزة بعد الحرب .. غزة بعد الألم والعذاب والرعب .. غزة بعد أشلاء الضحايا والأطفال والنساء .. غزة بعد تسوية بيوتها بالأرض واختفاء عوائل فيها من السجل المدني .. صامدة شامخة .. مرفوعة الرأس كما عرفناها ..غزة الوحيدة في المنطقة العربية التي تقاوم من سمى نفسه بالجيش الذي لا يقهر .. غزة الفقيرة الا من ايمانها وعدالة قضيتها قهرت هذا الجيش مرات ومرات وكانت عصية على الانكسار..  

ولكن..  الى متى تكون هي الذي يضحي بالروح والمهج؟ الى متى وهي تستمر في إعادة الأمل للأمة !!! الى متى وهي تتحمل أخطاءنا واجتهاداتنا؟ الى متى وهي التي تعيش بؤسا بعد بؤس بفعل الحصار؟ لا نذكر غزة الا عند كل حرب طاحنة!! ماذا عن أهلها؟ شبابها ؟ نسائها ؟ اطفالها؟ ماذا عن مستقبلها؟ ماذا بعد كل ذلك؟ هلا نراجع حساباتنا ربحاً وخسارة !!! ؟ وهل يُعقل أن نكون نحن أصحاب الأرض عبئاً على غزة؟ هل يمكن أن نشارك في معاناتها ونزيد الهم همين او ثلاثة!!!

نعم، صدت المقاومة عدواناً جديداً ونجحت في إيلام العدو وتعزيز وتثبيت المعادلة القديمة الجديدة بأن تكلفة الاعتداء على غزة مكلفة وغالية.. وأن تكلفة قتل وإغتيال القادة والشهداء لها ثمن يجب أن يدفعه العدو.. ولا ضير في ذلك .. بل هذا واجب شرعي ووطني وأخلاقي يجب القيام به..ولكن .. بعيداً عن جلد الذات .. هل يحق لنا اجتراح الألم في غزة في كل عملية تحد مع المحتل؟ أليست الضفة محتلة؟ أوليست الار ض المحتلة عام ٤٨ محتلة؟ لماذا نريد غزة دوماً في الواجهة؟ دعوها تبني قليلاً .. دعوها تتنفس قليلاً .. دعوها تضمد جراحها وآلامها قليلا لمعركة فاصلة لا نشك في ميعادها .. هل ضحايانا اليوم في غزة تستحق ما توصلنا اليه مع المحتل من وقف لاطلاق النار يقضي بالمطالبة  باطلاق سراح قيادي ومعالجة أسير حر مضرب عن الطعام؟ ٤٥ شهيداً منهم ١٥ طفلاً شهيداً و٤ سيدات شهيدات.. و ٣٥٩ مصاباً.. وعشرات البيوت المهدمة وعشرات العائلات المهجرة بعد التهجير..  أتستحق غزة هذا الثمن من الضحايا مقابل ذلك؟!!!

هل يعقل ان يَسوق البعض غزة الى مواجهة يسقط فيها الشهداء لمطالبته بإطلاق سراح قائد تم اعتقاله في الضفة وأسير مضرب عن الطعام من ذات الفصيل؟ لماذا هذا القائد تحديداً؟ ولماذا هذا الأسير الحر المضرب عن الطعام؟ ما الجديد في هذه التجربة؟ كم من القادة هم معتقلون ومنذ زمن في سجون الاحتلال؟ ماذا عن اسراكم الذي قضوا ما يزيد عن ثلاثين عاماً في الاعتقال؟ ماذا عن أسرى استشهدوا تحت التعذيب؟ هل خضنا بغزة مواجهة لأن فصيلاً قرر الانتصار لقائده المعتقل؟ هل خضنا بغزة مواجهة لأجل اسير مضرب عن الطعام من هذا الفصيل؟ ماذا لو كان الأسير المضرب عن الطعام ليس من ذاك الفصيل؟ هل يخوض هذا الفصيل حرباً في غزة من أجله؟ أسئلة محيرة ما بعد الحرب في غزة ..!!

يسألونك لماذا لم يكن الرد موحداً من غرفة العمليات المشتركة كما جرت العادة؟!! وأن فصيلاً واحداً خاض المعركة البطولية ضد المحتل المعتدي!! والجواب أن مقدمات خوض هذه الحرب غير واضحة وغير مفهومة وغير منطقية!!!.. فلا يحق لأي فصيل وقتما شاء ان يفتعل معركة مع المحتل لأنه رأى أنه يجب الانتصار لقائد مهما علا شأنه دون وحدة الموقف .. نعم العدو بدأ الهجوم والاعتداء، وكان الرد لازماً .. ولكن نحن من خلقنا معادلات فصائلية مكلفة لشعبنا!! كان وقودها الحاضنة الشعبية في غزة المهملة بفعل الحصار وضيق الحال والأحوال.. أليس هناك من مراجعة لما جرى؟  تصرفت قيادة المقاومة بحكمة وحنكة فحافظت رغم كل ذلك على وحدة الصف والموقف في المعركة.. الا ان ما هو مطلوب منها اكثر من ذلك بكثير.. مطلوب منها أن تضبط المشهد أكثر رغم تعقيداته.. مطلوب منها أن لا تكون الحاضنة الشعبية وقوداً لكل من ارتجل في شأن فصائلي.. مطلوب منها أن تحكم إيقاع الفصائل بقرار واحد..  مطلوب منها أن تدخر الجهد والدم لمعركة مفصلية قادمة وتجنيب شعبنا الويلات والحروب الطاحنة في غير موعدها.. مطلوب أن يكون الاهتمام بالحاضنة الشعبية للمقاومة أولوية .. وأن لا تشعر هذه الحاضنة بالظلم والتمييز بين قائد وجندي ومواطن ومسؤول.. مطلوب أن تشعر الحاضنة أن مصلحتها مقدمة على مصالح القادة والفصائل والمسؤولين .. مطلوب ان تشعر الحاضنة ان معاناتها جزء من كل وليست وحدها وقود المعركة .. فهل وصلت رسالتهم!!!


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)