د.أشرف الصباغ يكتب : غلاف المسحة

profile
  • clock 2 يوليو 2021, 12:08:03 ص
  • eye 1105
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

دا غلاف الكتاب الجديد للروائي والكاتب المصري الأستاذ أشرف الخمايسي. دا الغلاف اللي من الواضح إنه هايثير اللغط طوال الفترة المقبلة. دا حتى "الجماعة الثقافية" و"النخبة الثقافية" اللي مليانين أمراض وبتسيطر عليهم روح العصابات والمافيا والتآمر ضد بعضهم وضد أعضائهم، واللي دايما يعملوا تحالفات غير مقدسة عشان يفشخوا بعض ويفشخوا كتاب مش ماشيين على السطر، مش عارفين يعملوا مع الأستاذ أشرف الخمايسي أي حاجة. 

الاتهامات لأشرف الخمايسي تتراوح بين النفي والنبذ والإعدام، مرورا بالخصام والتُقْل والمنع من دخول معرض الكتاب ومن الأماكن العامة، ونصح الدكتور خالد منتصر برفع قضية على الأستاذ أشرف. دا إضافة إلى الاتهامات المرعبة اللي تجيب إعدام حكومي رسمي... 

دا غلاف الكتاب وعليه صورة تضم رول ورق تواليت عليه صورة للدكتور خالد منتصر. أنا أول ما شفت الصورة ضحكت. وبعدين قهقهت. غلاف لطيف ومضحك، وبيفشخ أي قدسية، وبالذات قدسيات ومقدسات الشعب المصري صانع المقدسات والمعجنات. ومرة تانية أنا باكرر إن بتوع قريش مالهومش دعوة بصناعة المقدسات والمعجنات، ولا بتوع بيت لحم ولا اللي قبلهم... اللي ورَّط البشرية في المقدسات والمعجنات هم إحنا، إحنا المصريين، اللي اخترعنا وقدسنا وعجنا، ولغاية دلوقت بنعجن، وبنكيِّل بمكيالين، وملوك المعايير المزدوجة والرغي والتفاصيل التعبانة والمهاترات والنقاش البيزنطي والعصف الذهني في بحار الظلمات... 

غلاف أشرف الخمايسي بيضرب مباشر بأكثر من سهم في أكثر من اتجاه. أنا فعلا فطست من الضحك، لأنه غلاف لطيف (باقول غلاف لطيف عشان أنا لسه ما قريتش الكتاب). غلاف مضحك فعلا ودمه خفيف ولا يتضمن أي إهانة. لكن يبدو أن الفراغ مرعب والتفاهة عندما تتمكن من قوم تفشخهم فشخا مبينا وتجعلهم يفشخون بعضهم البعض. طبعا واحد هايقول لي: "يعني مش هاتزعل لو عملوا في صورتك كده؟!". ها قول له: "لأ، مش هازعل، ولو حتى حطوني أنا شخصيا في الخراء نفسه. هل يوجد خراء أكثر مما نحن فيه يا رجل؟!"..

في العدد (54) لشهر مارس من مجلة "عالم الكتاب" أنا عامل ملف لطيف بعنوان "مذبحة القرن بين المبدعين الروس". وأنا باكتب عن حاجة عاصرتها وشفتها بعيني وتابعت كل تفاصيلها مقال بمقال ورواية برواية وجايزة بجايزة. كان طرفاها الكاتب الروسي المهم الحاصل على البوكر فيكتور بليفين والناقد الأهم الحاصل على جائزة "ضد بوكر" بافل باسينيسكي. والمبدعان مهمان، ويحتلان مكانة تليق بإبداعهما على خريطة الثقافة والإبداع الروسيين، وهما من مواليد مطلع ستينيات القرن العشرين. والاثنان تمت ترجمة أعمالهما إلى لغات كثيرة، وكما قلت، يشغلان مكانا مهما على خريطة الإبداع الروسي والأوروبي، وبالذات بليفين.

عاصرت هذه المذبحة، وكتبت عنها كثيرا، في أكثر من مطبوعة مصرية وعربية منذ أكثر من عشرين عاما. وبالمناسبة هناك عبارة مشهورة بين الكتاب الأوروبيين حينما يُغضب أحدهم الآخر، أو حينما يريد أحدهم أن يحذر أحدا فيقولون: "سوف أتعامل معك كما يتعامل الكتاب الروس مع بعضهم البعض"!! وهذه الجملة تعني الكثير والكثير، وتعكس الكثير والكثير، نظرا لأن قاموس الشتائم والسباب في اللغة الروسية أغنى بحوالي أربعمائة مرة من مثيله في اللغة العربية أو أي لغة أخرى. وطبعا أنا بابقى مندهش من مثقفينا الأشاوس اللي عايشين على السمع أو قراءة المواد المضروبة، عندما يتحدثون بقدسية وتقديس عن الكتاب الروس ويصورونهم كالملائكة والرسل والأنبياء والآلهة. طبعا أنا أضحك عندما أقرأ القدسيات والعجنات التي يكتبها عنهم كتابنا، لأني أعرف مصدر معارفهم، ومن أين استقوا معلوماتهم وماذا أضافوا إليها من نفوسهم النورانية التقديسية العجينية. ونفس هؤلاء الكتاب والمثقفين لدينا ينادون بالتحرر والحرية وعدم عبادة الأصنام والابتعاد عن تقديس الأشخاص. ولكن لله في خلقه شؤون!!!

نعود إلى موضوع الأستاذ أشرف الخمايسي والدكتور خالد منتصر الذي تظهر صورته على المزقة الأخيرة من ورق التواليت، والتي يبدو أن هناك من سيقطع هذه المزقة حالا لاستخدامها. انقلب العالم الافتراضي وانبعج الفيسبووك وانفجرت الأرض فأخرجت أحشاءها، ودخل كتابنا ومثقفونا في دين الله أفواجا ليلعنوا الخمايسي مجددا، وينصحوا منتصر برفع قضايا، ثم ينصحوا وزارة الثقافة بعدم إدخاله معرض الكتاب، ثم ينصحوا وزارة الداخلية بأنه سلفي إخوانجي وهابي إرهابي، ثم تتلقف الدولة النتيجة وتقوم بإعدام أشرف أو بنفيه أو بفشخه أو بعدم الاهتمام بأي شيء، لأن الدولة تحتقر الجميع أصلا، ووزارة الداخلية تبصق على الجميع أصلا، وكل المؤسسات تتعامل مع هؤلاء "الجميع" كالقطيع فترشوهم وتلاعبهم وتفشخهم وتمسح بهم الأرض وتمنحهم عطايا تشبه مؤخراتهم، وبعد ذلك تعيد الكرة، فتكرر كل ما سبق معهم ومع غيرهم... 

غلاف لطيف وملهم، يضرب كل المقدسات الفارغة والتافهة، والأهم أنه يضرب كل الأفكار الساذجة والسطحية عن المقدس وعن التقديس وعن القدسيات. غلاف مثير للضحك والتأمل. وأتمنى أن يكون الكتاب نفسه لطيف وملهم مثل الغلاف...

التعليقات (0)