أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «تحولات إستراتيجية»... الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 12 يونيو 2023, 10:46:02 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بات واضحاً أنه من أبرز تجليات الحرب في أوكرانيا، ترسيخ فكرة "المعضلة الأمنية"، والتي تنشئ بسبب الخطوات التي تتخذها دولة ما، بُغية تعزيز وزيادة أمنها، الأمر الذي يُشعر الآخرين بأمانٍ أقل. فعندما تشعر الدولة "أ" بأنها غير آمنة، وتسعى إلى خلق تحالفات أو زيادة تسلحها، فإن ذلك يؤدي إلى انزعاج وتحسس الدولة "ب" من هذه الخطوة التي تعتبرها تهديدًا لها، ما يجعلها تتصرف بنفس النهج؛ الأمر الذي يؤدي لتعميق الشكوك، وينتهي الأمر بافتقاد الأمن بالنسبة لكلتا الدولتين. من هذا المنطلق يمكن تقديم تفسير منطقي لرغبة فنلندا والسويد، في الانضمام إلى حلف الناتو، نظرًا لمخاوفها طويلة المدى بشأن روسيا، ومن ثم يُمكن تفهم سبب اعتبار القادة الروس لهذا التطور أمرًا مقلقًا.

وضمن تساؤل تؤطره استفسارات عديدة، فإن البحث عن دوافع بعض الدول الأوروبية، لتعزيز قدراتها العسكرية، والانضمام إلى تحالف تُظلله راية الناتو، والخيمة النووية الأمريكية، يقودنا وبشكل آلي، إلى دور واشنطن في تعزيز هذه السياسات الجديدة، والغايات منها. حتى الآن وضمن سياق الحرب الروسية الأوكرانية، فقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة، وضعت مُحددين أساسيين، لِما يُمكن تسميته بإدارة النزاع الروسي الأوكراني، أحدها الرغبات الأمريكية بوضع دول الاتحاد الأوروبي، أمام الأمر الواقع، لجهة الصراع مع روسيا، ونجحت واشنطن في هذا، بوضع دول القارة الأوروبية في مواجهة مع موسكو، تحت عناوين عسكرية واقتصادية وأمنية وإنسانية. أما الثانية، فقد اعتمدت واشنطن نظرية تنمية الإحساس الأوروبي تُجاه الخطر الروسي، وضرورة التنبه لـ سياسات موسكو ونواياها التوسعية، وفي هدف أبعد، تكون جميع دول القارة الأوروبية ضمن تكتل عسكري واقتصادي، لمواجهة موسكو أولاً، والدفاع عن دول القارة الأوروبية ضد التهديدات الروسية ثانياً.

ما سبق يُمكن مقاربته ضمن سياق مُغاير، فالأوروبيين أيضاً لديهم هواجس جمّة، ترتبط بالقناعة بأن الولايات المتحدة لن تقوم بحماية دول القارة الأوروبية، ضد أي تهديدات روسية، وكذا فإن الأوربيين، ومن خلال مُجريات الحرب الروسية الأوكرانية، تعززت لديهم القناعة السابقة، والمشهد الأوكراني خير دليل.

بعُجالة، لابد من التنويه، إلى أن النظرية الواقعية على دراسات الأمن والعلاقات الدولية، هيمنت وبقوة خلال الستة عقود الماضية، حيث تسعى هذه النظرية لتفسير آلية عمل النظام الدولي وسبب حدوث الصراع ما بين الدول، وتنبثق الأصول الفكرية للواقعية التقليدية من أعمال كُتاب من أمثال إدوارد كار وهانز مورجنثاو. وتضم النظرية الواقعية عموماً عدة تيارات مختلفة تختلف حول قضايا هامة، إلا أنها تشترك في الافتراضات الرئيسية التي تميزها عن النظريات الأخرى، وهذا يعني أنها في الحقيقة لا تشكل نظرية واحدة متجانسة كلياً، بل على العكس من ذلك، فقد تطورت النظرية الواقعية لتشمل خمسة أشكال من المداخل أو التيارات الفكرية داخل هذه النظرية وهي النظرية الواقعية الكلاسيكية، الواقعية الكلاسيكية الجديدة، الواقعية الجديدة، الواقعية الهجومية، الواقعية الدفاعية. وقد تبلورت الواقعية التقليدية في الأساس في فترة الحرب الباردة، ويعتقد منظرو الواقعية الأوائل، أن الدول حالها حال الإنسان، حيث تمتلك رغبةً فطرية في السيطرة على الآخرين، وهو ما يقودها نحو التصادم والحروب، ولقد أبرز منظرين واقعيين وخصوصاً مورغنثاو مزايا نظام توازن القوى لمنع الحروب وكبح الصراعات، ويرى أيضاً أن النظام ثنائي القطبية وهو السائد فترة الحرب الباردة، يحمل العديد من المخاطر على صعيد استقرار العلاقات الدولية.

وربطاً بما سبق، فإن الخطوة المرتقبة لتوسيع حلف الناتو، عبر انضمام فنلندا والسويد، إنما يُعبر صراحة عن النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، لكن ذلك من شأنه تعقيد فصول الحرب الروسية الأوكرانية، ونقلها إلى مزيد من التوتر والتحديات، فضلاً عن إطالة أمد تلك الحرب، وقطع خطوط التفاوض بين المُتحاربين. كل ذلك من شأنه أن يُطلق العنان إلى المزيد من النزاعات، وتحديداً بين واشنطن وموسكو، واللتان لديهما مصالح وحسابات تتخطى حدود القارة الأوروبية.

وعطفاً على قرار انضمام فنلندا والسويد لـ حلف الناتو، فإن هذا القرار لا يُمكن وضعه في أطر أمنية جيوسياسية فحسب، بل هو قرار يُعبر صراحة عن تغييرات إستراتيجية عميقة، طالت واقع الأمن الدولي، وغيّرت موازين القوى، ووضعت موسكو أمام تحدٍ جديد، الأمر الذي ترجمه المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، حيث قال أن " انضمام فنلندا يمثل تهديداً مباشراً لروسيا، ولا شك بأن توسيع الأطلسي لا يجعل قارتنا أكثر استقراراً وأمناً". وأضاف من دون الخوض في تفاصيل، "من غير الممكن ألا يثير هذا أسفنا ويمثل مبرراً لردود متكافئة مماثلة من جانبنا".

التعليقات (0)