أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «معادلات روسية».. المصالحة السورية التركية والعين الأمريكية.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 17 يناير 2023, 6:53:33 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

للوهلة الأولى، يبدو أن المساعي الروسية تُجاه حلحلة المعضلة السورية، قد تُثمر توافقات سورية تركية، مع عناوين مرحلية للاستهلاك والتدوال الإعلامي، لكن كل هذه التوافقات تبقى ضمن إطار البرنامج السياسي المؤقت، دون الشروع الفعلي والحقيقي بخطوات جريئة تُفضي إلى حل سياسي شامل، لا سيما أن المساعي الروسية دائمًا ما تصطدم بالموقف الأمريكي الرافض لأي تسوية سياسية، وإنهاء الحرب في سوريا، ويكفي قراءة المشهد في شمال شرق سوريا بما فيه من تناقضات وتعقيدات، وتعدد اللاعبين الاقليمين والدوليين، لندرك حجم التحديات المُعرقلة لأيّ حل.

في ذات الإطار، لا يمكن تجاهل الخطوات المتسارعة التي تُهندسها روسيا، في سبيل وضع حد للخلافات السورية التركية، وإنجاز المصالحة بين دمشق وأنقرة. فالواضح أن موسكو تُصر على اتمام تلك "الصفقة"، بُغية إخراج الولايات المتحدة من المعادلة السورية، وبذات التوقيت، فإن التحركات الروسية تُحددها جُملة من المعطيات. هي معطيات أكدتها تقارير إعلامية، تحدثت عن مقترحات روسية خلال اجتماع تشاوري في إسطنبول، بأن تنسحب قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من مناطق منبج وعين العرب شمال سوريا، وتعمل قوات الجيش السوري على ملىء الفراغ الكردي في تلك المناطق، بما يُحقق رغبة تركيا في إقامة حزام أمني بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، ويُضعف القوات الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية، وفي الوقت نفسه يُرضي دمشق باعتباره انتصاراً لفرض سيادتها على جانب من الأراضي السورية، تحكمه إدارة ذاتية من جانب "قسد" منذ أعوام، وعلى الجانب الروسي، ستستفيد موسكو من فقدان حليف مهم لواشنطن السيطرة على مساحات من الأراضي.

رغبات روسية مستحيلة.
حقيقة الأمر، إن موسكو ومن خلال مساعيها لإنهاء ملف شمال شرق سوريا، إنما تنطلق من رؤية روسيا لجهة خروج كل الأطراف الفاعلة والمؤثرة من الجغرافية السورية، والتي تدخلت دون دعوة رسمية من دمشق، لأنها تعتبر ذلك انتهاكاً للسيادة السورية، وبذلك يمكن القول أن على الولايات المتحدة الأميركية أن تخرج إذا جرى التوافق بين تركيا ودمشق. لكن ثمة معوقات جمة تضع حداً للرؤى الروسية، أهمها أن الولايات المتحدة تستفيد من الثروات السورية، وفي العمق، فإن واشنطن يصعب عليها التخلي عن مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا، الأمر الذي سيفتح المجال لتعزيز سيطرة روسيا وكذا إيران، وهو ما لا تريده واشنطن حُكماً.

بواقعية، فإن مهمة موسكو وصفقتها في شمال شرق سوريا، تبدو وكأنها مستحيلة،  خاصة أن واشنطن بحوزتها أوراق قوة ذهبية، تُشكل عامل ضغط على عدد كبير من دول الإقليم، كما أن القوات الأمريكية تحتل قسماً مهماً جداً من سوريا، والأهم من هذا وذاك، فإن المعادلات السياسية والإقتصادية التي تجمع واشنطن وأنقرة، تجعل من التحالف الأمريكي والتركي قوياً ولا يُمكن ضعضعة بنيانه، الأمر الذي يصعب بموجبه تحقيق وحدة الأراضي السورية، لما لـ واشنطن وأنقرة من مصلحة مشتركة في استمرار الأزمة السورية.

في المقابل، فإن روسيا أيضاً لديها أوراق قوة، قد توظفها في سبيل تحقيق المصالحة السورية التركية. إذ يرى البعض أن روسيا قادرة على الضغط لإنهاء الوجود الأميركي في سوريا، لكن دون تدخل مباشر في الصراع مع واشنطن، وبالتالي، فإن موسكو تعمل على إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها، خاصة في ظل التوجهات التركية، بالنظر إلى رغبة إدارة أنقرة في محاولة التنسيق مع دمشق، وإعادة قسم من اللاجئين السوريين إلى سوريا، بغية تخفيف الضغط عن الاقتصاد التركي. وفي هدف روسي أبعد، فإن موسكو تعمل على إخراج النفوذ الأميركي أو الأوروبي من مناطق نفوذها في سوريا، وهي قادرة على أن تجعل القوات الأميركية في سوريا، تعيش أياماً صعبة من خلال هجمات  تتبناها "المقاومة السورية".

الموقف الأمريكي كان واضحاً لجهة المساعي الروسية، حيال إعادة التقارب السوري التركي، أو لجهة إعادة تعويم دمشق إقليمياً ودولياً. فـ الخارجية الأمريكية دعت دول العالم، إلى عدم تطبيع علاقاتها مع دمشق. جاء ذلك تعليقاً على اللقاء الذي جمع وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو، إذ قال متحدث الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين "نحن لا ندعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد".

التصريحات الأمريكية تؤشر صراحة إلى احتمالية توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة في حال إتمامها المصالحة مع دمشق، وهو ما يذكر بالخلاف الذي حدث بين البلدين في عهد ترامب، إذ أثرت العقوبات الأمريكية آنذاك بقوة في الاقتصاد التركي، وأجبرت أردوغان على التراجع والإفراج عن قس أميركي محتجز لدى أنقرة.

ضمن ما سبق، بات واضحاً إن الخطوات الروسية للتقارب التركي السوري تخدم موسكو بالدرجة الأولى، بخاصة في ما يتعلق بسحب البساط من تحت أقدام أميركا، لا سيما أن العلاقات الأميركية التركية تمر بالأساس بمرحلة من التوترات الواضحة بسبب سوريا، واتضح ذلك من خلال التهديدات التي وجهتها أنقرة للأكراد على الجانب السوري بشن عدد من العمليات العسكرية وسط رفض ومعارضة واشنطن، لتأتي التحركات الروسية لتؤجج الخلاف. وبذات الإطار، فقد نجحت موسكو في احتواء أنقرة وجذبها للعدول عن العملية العسكرية في سوريا، من خلال إبعاد القوات الكردية من حدودها، بجانب فتح قنوات اتصال بين تركيا وسوريا، الأمر الذي يصب مباشرة في مصلحة موسكو، بجانب تضييق الخناق على الوحدات الكردية في الشمال السوري، وهو ما تريده أنقرة بالدرجة الأولى.

مُجملاً، صحيح أن المساعي الروسية قد تصطدم بالأهداف الأمريكية، لكن الصحيح أيضاً، أن روسيا وتركيا وسوريا، لكل منهم أهدافه في الاتفاق ضد الكرد. فـ دمشق ترغب في القضاء على الكيان الذي أنشأه الكرد، وكذلك تريد دمشق السيطرة على منابع النفط، خاصة في ظل تردي الأوضاع الإقتصادية في سوريا، فيما تتمنى موسكو تحقيق انتصار "ولو وهمي" على أميركا من خلال القضاء على الحاضنة الكردية التي قبلت بوجود أميركي على أماكن سيطرتها في سوريا، أما أنقرة لديها هواجس جمة تُجاه التواجد الكردي على حدودها، وتسعى بالوسائل كافة، لتحييد خطر الكرد ووضع حد لتلك الهواجس.

كل ذلك، يبقى رهناً بما تُخبأه واشنطن في جعبتها، لجهة إعادة التقارب السوري التركي، وكذا إرباك موسكو في ملفات أُخرى، لا سيما الحرب الروسية في أوكرانيا.

التعليقات (0)