أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "الخطاب الإيراني الجديد".. هواجس العزلة وتحديات الاندماج.

profile
  • clock 6 يونيو 2023, 9:43:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عناوين جديدة وتوازنات ترسم حدود الأدوار الشرق أوسطية. ذلك كان ترجمة واضحة لحالة الحراك السياسي والدبلوماسي التي شهدتها المنطقة، خلال الأشهر الماضية. هو حراك وضعه البعض في إطار استقراء نتائج الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أماطت اللثام عن وجود معادلات جدية لرسم معالم المرحلة المقبلة، بما ينسجم مع توقعات وفواعل تلك الحرب، والتي سترسم "رُبما" حدود الأدوار للقوى الشرق أوسطية؛ بين هذا وذاك، فإن الاتفاق السعودي الإيراني، والذي جاء برعاية صينية، فتح شهية المتابعين للبحث عن أبعاد هذا الاتفاق وتداعياته، لجهة الدور الذي يلعبه في رسم وترتيب الملفات السياسية في المنطقة، وكذا التحديات الكامنة في الشرق الأوسط، حيال القوى الدولية المعنية بهذه المنطقة، والتي تُشكل حلقة مهمة وأساسية في نظام مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.

بهذا المعنى، فإن الاتفاق يُعد بلا ريب، نقطة ارتكاز هامة ومحورية في ديناميكيات المنطقة وتطوراتها. وبذات التوقيت، فإن ماهية الاتفاق بما تضمنه، سيُعطي إيران هامش مناورة، بُغية إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، والشروع بخطوات من شأنها إعادة تنشيط دبلوماسية الحوار والجوار، للاستفادة من المناخ الايجابي في المنطقة، وحالة الانفراج الإقليمي، والتي ستتمكن بموجبها طهران، من التواصل مع الغرب أولاً، وتعزيز شراكاتها الإقليمية ثانياً، كل ذلك يعني بأن طهران وضعت اللبنة الأولى في طريق تحقيق ما كانت تصبو إليه، من قبول إقليمي واعتراف دولي بها، كـ قوة إقليمية، لديها فواعل وتأثيرات جمّة في ملفات المنطقة.

لكن متن الاتفاق السعودي الإيراني وعناوينه الرئيسية، نصت صراحة على احترام سيادة دول المنطقة، وعدم التدخل في شؤون الدول الأُخرى، والأهم هو الكفّ عن التدخلات الأمنية والعسكرية، والتأثير في قرارات دول المنطقة. لكن في المقابل، فإن العلاقات السياسية القائمة بين الدول على أساس احترام سيادة كل دولة، تترك هامشاً لنوع من التدخل السياسي الذي يأخذ بعين الاعتبار في هذه العلاقات المصالح الوطنية والاستراتيجية لكل دولة، على أن لا تُشكل هذه السياسات تهديداً للمصالح الاستراتيجية للدولة الأخرى، بخاصة إذا ما كانت دولة مجاورة أو تشكل مجالاً حيوياً جيوستراتيجياً لها.

ضمن الواقعية السياسية، فإنه لا يُمكن إنكار طبيعة ونوعية الخطاب الإيراني، والذي تضمن أهدافاً وأفكاراً مرتبطة بمحاولات التأثير والهيمنة وفرض النفوذ، لا سيما أن طهران تنظر إلى نفسها، كـ قوة إقليمية تملك وتمتلك أدوات التأثير، وتسعى لتوظيف تلك الأدوات لتحقيق طموح الهيمنة، لكن في المقابل، فإن الاتفاق السعودي الإيراني، وضع احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها، ركيزة أساسية للبدء بمسار جديد، قوامه التهدئة وتعزيز موجبات الاستقرار في المنطقة، التي أرهقتها التجاذبات السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية.

في ذات السياق، وضمن هواجس العزلة الإيرانية، وربطاً بمفاهيم القوة السياسية، الرامية لتعزيز موقعها الإقليمي، فقد عملت طهران وعلى مدى عقود، على الاستثمار في بناء قوى وفصائل عسكرية وسياسية تعمل معها وتُطبق سياساتها، فضلاً عن الاعتماد على معادلات لتعزيز وتكريس نفوذها في المنطقة، وكان واضحاً أن إيران كانت ممسكة بسياسات بعض دول المنطقة، والتي تتماهى مع المصالح الإيرانية، ولن يكون من الصعب في هذا الإطار، الاستدلال على هذا الأمر، عبر التعمق في الساحات الإقليمية، الممتدة من اليمن مروراً بالعراق، وسوريا ولبنان، وصولاً إلى فلسطين، وغيرها من الدول التي تدخل في إطار الرؤية الاستراتيجية والجيوستراتيجية لـ إيران على امتداد منطقة غرب آسيا والقوقاز.

بعد الاتفاق بين طهران والرياض، يبدو أن الخطاب الإيراني الجديد، قد يلتزم "رُبما" بما تضمنه هذا الاتفاق، والذي من المُفترض أن يفتح أمام طهران مساراً جديداً لجهة التعامل مع دول المنطقة وساحات نفوذها في الإقليم، وتحديداً الدول العربية. لكن ضمن تحديات الاندماج، فإن المسار الجديد أمام طهران، لا يعني بالضرورة أن تتخلى عن أسلوب سياساتها الشرق أوسطية، ولا يعني أيضاً أن طهران ستتخلى عن دعم جماعاتها، التي مهدت الطريق لتثبيت إيران كلاعب مؤثر وصاحبة ثقل في المعادلات الإقليمية، ومنحته القدرة على أن تكون حاضرة في السياسات الدولية. لكن من المتوقع، أن تعتمد إيران سلوكاً مختلفاً لا يضر بمصالحها الجديدة، ولا يُهدد استثماراتها السياسية.

وبذات الإطار، فإن الجماعات التي تدعمها إيران في المنطقة، سيكون عليها الالتزام أيضاً بالخطاب الإيراني الجديد، ويتوافقوا في الجوهر والمضمون، مع نهج إيران السياسي، والانتقال للتعايش مع مفردات وعناوين الاتفاق السعودي الإيراني، والمعادلات التي سينتجها أو يفرضها على الساحة الإقليمية، والانتقال من حال الخصومة والصراع، إلى حال التعاون والحوار ومراعاة مصالح جميعالأطراف.

واقعاً، ربما ستتمكن طهران ضمن جُزئيتي هواجس العزلة وتحديات الاندماج، من الالتزام بتطبيق بنود الاتفاق السعودي الإيراني، لكن ثمة تساؤلات تتعلق بالسعودية، وإمكانية خروجها من العباءة الأمريكية، وإلى حد ما، خروجها من لغة الإملاءات، خاصة أن الترتيبات السعودية الجديدة، قد تصطدم بمعادلات النفوذ الإيراني، فضلاً عن رغبات السعودية باستحواذها على المقعد الإقليمي الفاعل والمؤثر في جُل الملفات، كما أن بين طهران والرياض، جماعات وأذرع وقوى قادرة على عرقلة التوجهات الجديدة، لا سيما أن عناوين فرض السيطرة والنفوذ، هي عناوين مُغرية سياسياً، ولها تأثيرات جمّة.

مما سبق، يبدو واضحاً أن إيران تعمل على الاستفادة القصوى من سياق الانفراج الإقليمي التي تشهده المنطقة، لتعزز دبلوماسية الحضور الفاعل والمؤثر، وتقوية شرعيتها الإقليمية، ولتستفيد اقتصادياً من التعاون مع دول المنطقة، كما تستهدف من جهة أخرى رفع العقوبات وتعزيز اندماجها على المستوى الدولي اقتصادياً وسياسياً. لكن يبقى السؤال الجوهري، هل ستقدم إيران تطمينات عبر تغيير السلوك الإقليمي لتستمر في الحصول على تلك المكاسب؟.

كلمات دليلية
التعليقات (0)