أمجد إسماعيل الأغا يكتب: مقاربة الأزمة الروسية – الأوكرانية وفق المنظور التركي.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 4 أكتوبر 2022, 6:51:56 ص
  • eye 696
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تنظر تركيا إلى مجتمع تتار القرم، كأحد أهم العوامل، التي تنطلق منها تركيا، لجهة المقاربات التي تعتمدها حيال سياستها تُجاه الأزمة الأوكرانية، حيث يعيش ما يقارب من 4-5 ملايين من أحفاد تتار القرم في البلاد، الأمر الذي جعل العديد من القوى في تركيا، تتجه لاستغلال مجمل الازمات في تلك المنطقة، وتوظيفها في سياق التوسع بشكل أكثر نشاطًا في القوقاز، وشبه جزيرة القرم ومنطقة الفولغا وآسيا الوسطى، الذين لا ينظرون إلى روسيا كشريك، ولكن كمنافس جيوسياسي؛ من هنا يبدو واضحاً، أنه ليس مصادفة أن يبرر أردوغان مبادرته للعمل كوسيط بين موسكو وكييف، وهذا مؤشر إلى مدى أهمية أن ترى تركيا، منطقة البحر الأسود ككل حلاً إيجابياً لقضية تتار القرم.

في الواقع، فإن تركيا تستخدم أوكرانيا كمعادلة للتعبير عن استيائها من الموقف الروسي، بشأن قضايا السياسة الخارجية الأُخرى، الأمر الذي تترجمه زيارة أردوغان إلى كييف في وقت سابق، ولقاءه بأعضاء من منظمة شعب تتار القرم، وهي منظمة محظورة في روسيا، بالتزامن مع الذكرى الـ 28 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وأوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفيتي، ومن الجدير بالذكر، أن تركيا وقعت مؤخراً، اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع أوكرانيا، والتي شملت اتفاقيات للتجارة الحرة وبناء مصنع لإنتاج الطائرات بدون طيار، الأمر الذي يطرح أسئلة عديدة عن مستقبل منطقة البحر الأسود، وتأثير الوجود التركي فيها، والتهديد الذي يمثله هذا الوجود بالنسبة لروسيا؛ خاصة في ظل الأزمة الدولية الحالية بين روسيا وأوكرانيا والغرب.

وبالحديث عن الفرص والتحديات، لجهة الوجود التركي المتزايد في جنوب القوقاز، فإنه من الواضح، أن توسيع التعاون متعدد الأوجه بين تركيا أوكرانيا، يُمثل أحد أكثر النتائج وضوحًا لتوغل تركيا في الاتحاد السوفيتي السابق، إذ يبدو واضحاً، أن جملة الأسس التي ارتكز عليها رجب طيب اردوغان، في علاقته مع أوكرانيا، ومن خلال الانخراط المتزايد عسكريا وسياسيا في شؤون دول الاتحاد السوفيتي السابق؛ تنطلق من محددات يراها أردوغان ضرورية ليصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في اللعبة الأوكرانية، بحيث تكون أي اصطفافات جدية لإعادة تشكيل التحالفات في منطقة البحر الأسود بدون تركيا غير محتملة؛ إن لم تكن مستحيلة.

في جانب ذي صلة، لابد من الإشارة إلى الدور التركي في حرب قره باغ الثانية، والتي نقلت العلاقات الإستراتيجية بين تركيا وأذربيجان إلى مستوى آخر من القوة والمتانة؛ حيث وسعت الفرص المتاحة لكلا البلدين لممارسة ضغوط جماعية على أرمينيا عسكريًّا وسياسيًّا ودبلوماسيًّا، وكذا جورجيا، من حيث التعاون الاقتصادي، ومن ثَمَّ تحدي هيمنة روسيا في جنوب القوقاز، وفي الوقت نفسه؛ فقد خلقت إستراتيجية تركيا المبنية على تعزيز مواقفها في منطقة أوراسيا توترات إضافية في علاقاتها مع حلفائها في الناتو، ومع إيران.

في ذات الإطار، فقد فتح الوجود التركي المتزايد في جنوب القوقاز فرصًا لأنقرة لبناء نفوذ سياسي واقتصادي في البحر الأسود، ويعد توسيع التعاون مع أوكرانيا، أحد أكثر النتائج وضوحًا لتوغل تركيا في الاتحاد السوفيتي السابق، وهو ما يعبر عنه ترويج أردوغان المستمر لفكرة أن تكون تركيا وسيطًا بين روسيا وأوكرانيا، رغم أنه ثابت على تبني الأفكار والممارسات التي لا تقبلها موسكو؛ فلم يُخف أردوغان حقيقة أنه لا يعترف بالولاية القضائية الروسية على شبه جزيرة القرم، وهي القضية التي تعتبرها موسكو "مغلقة".

كل ما سبق، يأخذنا مباشرة إلى حالة الصدمة التركية، الناتجة عن تحرك عسكري كبير من جانب روسيا، الأمر الذي سيثير تساؤلات جمة في أنقرة، فقد كانت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان تتمتع بلعبة الحرب الباردة المتمثلة في التلاعب بالقوى العظمى، ومع ذلك، تتمتع تركيا بعلاقة قوية مع أوكرانيا وقد كانت الوحيدة التي قدمت لكييف أسلحة هجومية هامة؛ وكعضو في الناتو، لن تستفيد أنقرة من عسكرة البحر الأسود وشرق البحر المتوسط، لكن قد تدفع الإجراءات والسياسات الروسية، تركيا إلى الوراء تُجاه الولايات المتحدة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إحداث شرخ بين أنقرة وموسكو.

السيناريو السابق بطبيعة الحال، سيكون مفيداً لحلف الناتو، كما أنه سيفتح إمكانيات أكبر للشراكة الأمريكية التركية في الشرق الأوسط، وبدلاً من أن تكون تركيا مصدر إزعاج لأوروبا، يمكن أن تتحول تركيا إلى حليف قوي يُعتمد عليه.

ختاماً، بات واضحاً أن تركيا توظف ورقة تتار القرم، وجُملة مواقفها من شبه الجزيرة، وكذا عناوين الأزمة الروسية الأوكرانية، للضغط والمساومة في مواجهة روسيا، إذ تقوم الحسابات التركيّة على أن تدخلها لصالح تتار القرم، قد يجبر روسيا على تقديم التنازلات لصالح تركيا في ساحات وملفات أُخرى، من سوريا، إلى أذربيجان، وصولاً إلى ليبيا.

التعليقات (0)