أ. هلال نصّار يكتب: القصاص تطبيق للشريعة وتحقيق للعدالة

profile
هلال نصّار كاتب وباحث فلسطيني
  • clock 3 سبتمبر 2022, 9:53:42 ص
  • eye 389
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الآونة الأخيرة انتشرت بغزة ظاهرة القتل المتعمد والتي غالباً ما تكون بدافع السرقة أو لدوافع أخرى، جُلها تصب في بوتقة الوضع الكارثي الذي يعيشه سكان قطاع غزة في ظل استفحال الحصار وتشديد الخناق على القاطنين فيه، حتى بات الإجرام جزء خطير من ثقافة البعض الذي بدا تائهاً في دوامة الحياة ومتطلبات العيش، جرائم متلاحقة تباعاً، أثارت غضب العامة من ذوى الضحايا الذين طالبوا بضرورة أخذ العدالة مجراها في معاقبة المجرم لتكون بمثابة رادع لكل من تسول له نفسه ارتكاب جرائم مشابهة لما ارتكبت قبله، هذه الأصوات طالبت بضرورة الإسراع في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق مرتكبي تلك الجرائم، حيث لوحظ أيضاً ارتفاع نسب معدل الجريمة حسب إحصائية النيابة العامة والتي جائت أغلبها على خلفيات جنائية وشجار بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة واشتداد الحصار، ولا زالت قضايا عديدة تراوح مكانها بين أروقة القضاء، دون حسم، القضية التي تؤرقنا وتؤجج مشاعر الغضب وحالة الغليان في صدورنا ليلاً ونهاراً علي ترك هؤلاء المجرمين القتلة دون تنفيذ حكم الله ثم حكم القانون فيهم، ولكن في المقابل تجدر الإشارة إلى أن عمليات البحث والتحري الدقيقة التي تقوم بها الشرطة بغزة، أدت إلى اكتشاف الجُناة مرتكبي جرائم القتل خلال مدة قياسية بسيطة عُقب وقوع الجريمة بحيث لا تتعدي الساعات وكل هذه الجرائم صُدر بحقها أحكام إعدام ولكنها لم تُنفذ لعدم وجود قرار سياسي.                                             

إصدار حكم الإعدام وتنفيذه في ضوء القانون الفلسطيني، حيث لا يوجد قانون عقوبات موحد يجمع الأراضي الفلسطينية، ففي الضفة الغربية تطبق المحاكم قانون العقوبات الأردني رقم (16) للعام 1960، وفي قطاع غزة تطبق المحاكم قانون العقوبات الانتدابي رقم (74) للعام 1936 المعدل بأمر الحاكم العسكري المصري رقم (555) للعام 1957، ويتضمن هذان القانونان أفعالًا مجرمة بالعقوبة القصوى، وهي عقوبة (الإعدام)، كما تطبق المحاكم العسكرية الفلسطينية قانون العقوبات العسكري للعام 1979 الذي كانت تطبقه منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، رغم عدم سريان هذا القانون من الناحية القانونية، ولم يحظر النظام القانوني الفلسطيني فرض عقوبة الإعدام على الأفعال الجرمية الخطرة، لكنه وضع جملة من الضمانات التي من شأنها العمل على توفير قدر أعلى من العدالة للأشخاص المعرضين للحكم عليهم بعقوبة الإعدام، فمن بين هذه الضمانات اشتراط مصادقة الرئيس الفلسطيني على أحكام الإعدام قبل تنفيذها، إذ نصت المادة (109) من القانون الأساسي المعدل على "ألا ينفذ حكم الإعدام الصادر من أية محكمة إلا بعد التصديق عليه من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية"، وكذلك أكد قانون الإجراءات الجزائية رقم (3) للعام 2001 على نفس القاعدة، وحدد إجراءات تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم، وأعطى القانون للمتهم الحق في الطعن بقرار المحكمة لدى محكمة الاستئناف خلال مدة أقصاها 15 يومًا من تاريخ صدور الحكم، قبل أن يُحال إلى الرئيس للمصادقة أو العفو، الذي يتمتع بالحق في إصدار العفو العام بموجب القانون الأساسي.
 

كما أنها لا تزال عقوبة الإعدام سارية المفعول في منظومة القوانين الفلسطينية، وذلك على الرغم من انضمام فلسطين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتوقيع رئيس السلطة على البروتوكول الاختياري الثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام، الأمر الذي يستوجب حل هذا التعارض عبر مواءمة القوانين الفلسطينية بما ينسجم مع موجبات الانضمام للبروتوكول الدولي الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام.
 

من هذا المنطلق الوطني، تقدمت شخصيات شعبية ومؤسسات مجتمعية بمطالبة رئاسة العمل الحكومي في غزة بتنفيذ الأحكام القضائية تحقيقاً لتثبيت دعائم الاستقرار المجتمعي وتحقيق العدالة وحماية المجتمع وردع المجرمين، فيما ينص القانون الفلسطيني على وجوب موافقة رئيس السلطة على أحكام الإعدام، إلا أن حقن الدماء وردع المجرمين أمر واجب تنفيذه لأنه طاعة لله وحق للعباد، والقصاص عدل، لما فيه خير كثير لتحقيق الأمن والأمان واستقرار المجتمع، وفيه زجر لمن تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم، انطلاقاً من مسؤوليات السلطات المختصة بتنفيذ الأحكام الجزائيةالباتة التي استنفدت كافة درجات التقاضي أمام المحاكم المختصة، وتحقيقاً للردع العام ولجم الجريمة، يعتبر تنفيذ كافة الأحكام الجنائية واجب قانوني لحماية النسيج المجتمعي.                      

قال الله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" وقوله ﷺ: "إقامة حد في الأرض خيرٌ من أن تمطروا أربعين يوما"، لذلك كلنا ثقة بالقضاء الفلسطيني العادل بقطاع غزة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين بجرائم قتل مروعة، بعد استيفاء كافة الإجراءات اللازمة واستنفاد درجات التقاضي أمام المحاكم المختصة، فيما يقضي القانون الفلسطيني بتوقيع عقوبة الإعدام على المدانين بجرائم التخابر مع العدو، والقتل، وتهريب المخدرات، غير أنه يُشترط مصادقة الرئيس، على الأحكام قبل تنفيذها، وهو أمر غير متوفر أثر الخلافات السياسية، فيما لجأ المجلس التشريعي بالأغلبية النيابية واستشعاراً منه بالمسؤولية المجتمعية والسياسية إلى تغييره بقرار رغم عدم توفر المسوغات القانونية اللازمة، إلا أن الأمر يعكس قرار وطني وواجب شرعي ومطلب قانوني وحق شعبي للحرص على حماية الحق العام واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ عقوبة الاعدام بهدف مكافحة الجريمة وحماية المجتمع من أي اعتداء عليه تحقيقاً للأمن والسلم المجتمعي بما يكفل حقوق كافة المواطنين، ومقارنة بالضفة فإنه  من خلال احصائيات رسمية أكدت عدم تنفيذ عقوبة الاعدام الا بحالتين فقط وهذا يدلل على ازدياد الجرائم وخصوصا القتل في محافظات الضفة في ظل غياب كامل للقانون.
الخلاصة 

إن حكم الله نافذ وحدوده واجبة التنفيذ على ولي الأمر حتى يُمكن للمشروع الاسلامي تمدده، ويحفظ حماية الجبهة الداخلية وتأمين ظهر المقاومة والعمل على مكافحة الجريمة بوحدة القرار الصائب ووحدة الصف الثابت.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)