الروائي إبراهيم القاضي يكتب :سارح في الملكوت

profile
  • clock 8 مايو 2021, 12:01:54 ص
  • eye 1106
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

وددت لو اكون قارئًا للقرآن، يجلس مستربعًا بجبته وقفطانه  فوق مقعد وثير، أعلى وأفخم  من مقاعد المستمعين الجالسين في خشوع،

 ينتظرون قارئهم، يصعد بهم إلى السموات العلا، وما أن يتنحنح ويضع يده فوق شحمة أذنه، حتى تسكت الأصوات وتتعلق الأنظار  والأفئدة به.. 

يأملون من شيخهم، أن ينتشلهم من بؤسهم، فهم أبناء الدنيا المخلصين، رغم صفعاتها المؤلمة لهم، لقد تقطعت بهم السبل، وانهارت أحلامهم لغد..

وجاؤوا إلى سيدنا وأعينهم معلقة بالسماء، ينتظرون عدلها ورحمتها ووعدها بالجنة، التي أعدت للمساكين، وهم المنسحقون المظلمون، الرابضون في سعير الأرض..

يعلم سيدنا تعلق الناس به، ويدرك فن الصنعة، يبدأ بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذه رسالة أن مولانا، قد ربط الأحزمة،

 وعلى وشك التحليق.. يطير "بقرار" خافت، ويرقب بطرف عينيه مستمعيه، الذين هم في عجلة من أمرهم، وينشدون جواب الجواب.. 

ومن أصول الصنعة، أن لا يمنح مولانا مستمعيه، كل ما يطلبون على الفور، حتى لو استحلفه بعضهم باكيًا،

 بحياة النبي وسيدنا الحسن والحسين وستنا فاطمة وستنا زينب والأولياء الصالحين..

مولانا يبدو بخيلًا، يمنح بالقطارة، بينما أجساد مستمعيه ترتجف و الدموع تترقرق في أعينهم حين يتلو آيات العذاب والوعيد،

 وتهتز رؤوسهم وتبتسم ثغورهم المرهقة، حين يذكرهم بالجنان، وما أعده الله لأبناءه الفقراء في الآخرة، وما ينتظر الظالمين الذين ساقوهم العسف في الدنيا من عذاب،

 وتند عنهم لا شعوريا "الله"، تخرج من قلوبهم، ويقف بعضهم مقبلًا يد ورأس سيدنا، ويناشدونه بحق الليلة المفترجة،

 أن يظل محلقًا بهم في فضاءات من النور، ولا يعود بهم إلى الأرض أبدًا، هم أتوا إليك، ووضعوا قلوبهم بين يديك، لتصنع بها تلاوتك ما تريد، لقد سئموا حياة الأرض يا سيدنا..

مولانا مثل غيره من البشر، يطوق أن يرى أثر ما يصنع عند غيره، وأن تتعلق به القلوب،

 وتردد أحاديث الثناء والشكر والتقدير والتقديس لشخصه، وإن بدا معرضًا، فشموخه وثقته في نفسه، أحد أصول صنعته..

بيد أن سيدنا الذي حلق في الآفاق رويدًا رويدًا، حتى وصل بهم إلى الذروة، سوف يهبط بهم بحكم الزمن، وقوانين الجاذبية ثانية إلى الأرض..

فلكل متعة نهاية..

التعليقات (0)