إسماعيل جمعه الريماوي يكتب: التطبيع السعودي الإسرائيلي والمخطط الأمريكي

profile
  • clock 15 سبتمبر 2023, 12:49:57 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بعد شهور من الدبلوماسية المكوكية بين واشنطن والرياض، بدأ يظهر شكل خطة إدارة جون بايدن الضخمة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، وبذلك يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة. غير أن التقارير تقول إن هناك “شروطا معقدة”، أما الجهود فمستمرة وربما تقيم السعودية علاقات رسمية مع إسرائيل، مما يعزز الآمال في أن تحذو حذوها دول إسلامية أخرى. ومن بين الشروط هذه أن المملكة “تريد أن تقدم إسرائيل تنازلات بشأن تطلعات الفلسطينيين لإقامة دولة”.
إذا نجحت هذه الصفقة ستكون إحدى أهم الصفقات في التاريخ الجيوسياسي الحديث في الشرق الأوسط، حيث تحصل إسرائيل على جائزة العلاقات الدبلوماسية مع واحدة من قيادات العالم الإسلامي السني والوصي على أقدس موقعين في الإسلام علاوة على ذلك صاحبة المبادرة العربية المعروفة التي أقرها العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آنذاك في عام 2000.
بالنسبة لبايدن سيشكل هذا انتصارا هاما في السياسة الخارجية بينما يكثف محاولاته لإعادة انتخابه العام المقبل، وسوف يرضي طموحا استراتيجيا للولايات المتحدة في ظل تعاملها مع أولويات في أماكن أخرى. كما أنها ستشكل إضافة إلى ما توصف بالاتفاقيات الأبراهيمية التي بدأها دونالد ترامب، بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
لكن سيكون من الصعب على الولايات المتحدة التفاوض بشأن المطالب السعودية وستحتاج أيضا إلى موافقة الكونغرس المتشكك، وفي نفس الوقت قد تكون إسرائيل غير مستعدة لتقديم أي تنازلات، كما تصفها، للفلسطينيين التي قد تسعى الرياض إليها. ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، تعتقد الأطراف الثلاثة أن نافذة التوصل إلى اتفاق ستغلق في غضون ستة إلى تسعة أشهر، وفقا لأشخاص مطلعين على المناقشات.
وفي ظل حكومة يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو تحكم إسرائيل دفعت بأحزاب اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحاكم باتجاه توسيع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية وممارسة ضغوط أكبر على الشعب الفلسطيني ما أدى إلى تصاعد وتيرة التوتر في الضفة الغربية والقدس.
ولكن في ظل انشغال إسرائيل بمشاكلها الداخلية تواصلت في المنطقة سلسلة التغييرات التي تشهدها بطرق غير متوقعة، فقد اتفقت السعودية وإيران، بوساطة الصين، على إعادة فتح سفارتيهما واتخاذ خطوات إضافية من أجل تخفيف حدة التوترات بينهما إضافة إلى أن الولايات المتحدة وإيران منخرطتان في محادثات غير مباشرة لمعالجة قضايا متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. ولكن ما زالت السعودية والولايات المتحدة تناقشان احتمال تحقيق تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، استمرارا للاتفاقيات الأبراهيمية السابقة كذلك في دول الجوار اتخذت دول متخاصمة أخرى في المنطقة، مثل تركيا ومصر، والإمارات وقطر، ومصر وإيران، سلسلة من الإجراءات لطي صفحة خلافات طال أمدها.

دور سعودي متنامٍ

ولا يزال من غير الواضح ما ستكون دلالة هذه التطورات، لكن التفاعل القائم بين هذه الأحداث يشير إلى دور سعودي متنامٍ ومحوري في السياسات الإقليمية، وتنافر في إسرائيل بين الأولويات المتنافسة الداخلية والخارجية.
لطالما أدت السعودية دورا بارزا في الاقتصاد العالمي نظرا إلى غناها بموارد الطاقة وموقعها القيادي في منظمة الدول المصدرة للنفط لكن، على مستوى السياسات الإقليمية، حرصت المملكة على صياغة سياساتها في إطار “الإجماع العربي” وفي ظل الغطاء الأمني الأمريكي، بما معناه أنها لم تكن تمارس دور القيادة بقدر ما كانت تكتفي باللحاق بالركب في هذا الميدان.
وعلى وقع تسلم ولي العهد محمد بن سلمان زمام السلطة بدأ نمط التفكير السعودي يتغير على مدى العقد الماضي فقد أصبحت السعودية بقيادة بن سلمان أكثر حزما حيال قضايا السياسة الخارجية وأقل اعتمادا على الولايات المتحدة، إضافة إلى ما اعتبرته السعودية استجابة أمريكية ضعيفة على الهجمات التي نفذها الحوثيون على منشآت نفطية تابعة لشركة النفط الوطنية السعودية أرامكو. كل ذلك زاد من رغبة بن سلمان في البحث عن خيارات أخرى لعلاقات بلاده الدولية والأمنية، ومن ضمنها إقامة علاقات مقربة أكثر مع الصين التي أصبحت الوجهة الأولى للصادرات النفطية السعودية. صحيح أن الولايات المتحدة ما زالت حليفا أساسيا للسعوديين ولاسيما في القضايا المتعلقة بأمن منطقة الخليج، لكن يبدو أن بن سلمان يسعى إلى تحقيق توازن أكبر في السياسة الخارجية السعودية.
في إطار رغبة بن سلمان في النظر في خيارات جديدة، أبدى مسؤولون سعوديون استعدادا للانفتاح على إمكانية التطبيع مع إسرائيل، لكن ضمن شروط محددة. وقد تقاطع الحزم السعودي في هذه المسألة مع المصالح الأمريكية، واغتنم الرئيس جو بايدن فرصة ترميم العلاقات مع السعودية، وتوسيع نطاق قبول إسرائيل في المنطقة، ومواجهة النفوذ الصيني. وعلى مدى الشهرين الماضيين أطلقت الولايات المتحدة سلسلة من الاتصالات على المستوى الرفيع لإحراز تقدم نحو تحقيق هذه الأهداف، من بينها زيارتان أجراهما كل من مستشار الأمن القومي جاك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى السعودية. وأوردت تقارير صحافية أن الشروط السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل شملت ضمانات أمنية من الولايات المتحدة شبيهة بتلك التي تربط دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإمكانية الحصول على أنظمة الأسلحة المتطورة الأمريكية، والموافقة على امتلاك تكنولوجيا نووية مدنية، فضلا عن التزام إسرائيلي بعملية تؤدي إلى تحقيق حل الدولتين مع الفلسطينيين. صحيح أن لائحة الشروط هذه تبدو متشعبة للغاية، إلا أن الفكرة هي أن الطرفين على ما يبدو يساومان على ثمن تطبيع العلاقات، ولا يتساءلان على الأرجح حول مدى حكمة اتخاذ خطوة مماثلة.
يبدو أن إسرائيل المنهمكة بمشاكلها الداخلية قد تبنت في سياستها الخارجية النهج السعودي القديم المتمثل في اللحاق بالركب بدلا من تولي دفة القيادة. ففي القضيتين الأساسيتين اللتين تقعان في صلب أولويات سياسة نتنياهو الخارجية، تقبع إسرائيل على الهامش فيما تتفاوض الولايات المتحدة بصورة مباشرة مع السعودية حول تطبيع العلاقات، وبصورة غير مباشرة مع إيران حول القضايا النووية.

مساعي دبلوماسية

وتخيم على كل هذه المساعي الدبلوماسية العلاقة الصعبة التي تجمع بين نتنياهو وبايدن، فقد واصلت الولايات المتحدة رفع الصوت عاليا حول الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، ولا سيما أنشطة الاستيطان، وأهمية الحفاظ على هدف حل الدولتين الطويل الأمد، مهما بدت هذه الفكرة خيالية. إن السعي المحموم لسياسي اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو الحاكم لتطبيق مشروع “الإصلاحات القضائية” أثار أيضا ردود فعل صاخبة من الإدارة الأمريكية وقطاعات واسعة من المجتمع اليهودي الأمريكي. وقد دفع هذا الشرخ المتنامي بين الولايات المتحدة وإسرائيل الرئيس الأمريكي إلى الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى زيارة واشنطن، ما يعد تطورا كبيرا نظرا للعلاقات الوطيدة التي تربط بين إسرائيل والولايات المتحدة تاريخيا.
في المقابل، كان رد نتنياهو حذرا، حتى إنه كتم معارضته لأي اتفاق جديد محتمل بين الولايات المتحدة وإيران. فقد شدد على أن اتفاقا مماثلا لن يكون ملزما بالنسبة إلى إسرائيل، لكنه تجنب المعارضة الكاملة والصريحة التي طبعت نهجه حيال الاتفاق النووي الأساسي الذي تفاوض بشأنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في العام 2015. مع ذلك، سيتبين أن معالجة تحديات البلاد الخارجية والمحلية هي مهمة صعبة لنتنياهو، نظرا إلى تركيبة ائتلافه اليميني. فالمتطرفون داخل الحكومة يواصلون السير قدما في الأجندة الداخلية، ما يضع نتنياهو في موقف غير مريح، إذ إن السياسات التي ينتهجها شركاؤه في الائتلاف تقوّض مساره نحو تحقيق أهداف سياسته الخارجية، وتضفي جملة من التعقيدات على العلاقات مع الولايات المتحدة.
في الواقع أكد مسؤولون أمريكيون لنظرائهم الإسرائيليين مرارا بأن الممارسات الإسرائيلية الراهنة في الضفة الغربية والقدس ستقوض جهود التطبيع مع السعودية. صحيح أن هذا التجاذب بين السياسات المحلية والخارجية ليس أمرا جديدا في إسرائيل، لكن لم يسبق أن كانت الحكومة متطرفة إلى هذه الدرجة وكانت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الائتلاف مصرة إلى هذه الدرجة أيضا على دفع أهدافها قدما بغض النظر عن حجم التكاليف الخارجية التي قد تتكبدها.
ربما يكون النقاش الدائر حول احتمال تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل هو المسألة الرئيسة التي ينبغي ترقبها فيما تتوالى الأحداث فصولا، ففي حال تم تطبيع العلاقات، سيعزز ذلك الأهمية المحورية للدور السعودي الأنشط في المنطقة، وسيزيد قبول إسرائيل في العالم العربي، وسيدعم الوجود الأمريكي في المنطقة على حساب الدور الصيني المتنامي أو حتى على حساب الحق الفلسطيني الذي يدفع دائما ثمن التطبيع والتخاذل العربي.

كاتب فلسطيني

كلمات دليلية
التعليقات (0)