احمد عزالدين : كسر الإرادة

profile
  • clock 12 أبريل 2021, 11:01:45 م
  • eye 755
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كتب الكاتب الصحفي والخبر الاستراتيجي المتخصص في شئون الأمن القومي على صفحته على فيس بوك مقالا طويلا طالب فيه الحرص على عدم كسر ارادة المصريين وأكد على مجموعة من الأفكار الخاصة بالتعامل مع سد النهضة القضية التي تشغل كل المصريين في هذه اللحظة.. وقال عز في البوست المكتوب على فيس بوك



(1)

تلك هي قمة الإنقلاب الإستراتيجي في الإقليم ، ولذلك هي في الوقت نفسه قمة المبارزة الإستراتيجية الكبرى بين مصر وبين أعدائها وخصومها ، ونفر ممن حسبهم البعض أصدقاء لها ، وهي مبارزة ستصب نتائجها أيا كانت في المصير الوطني بامتداده ، والمصير الإقليمي كله لعقود طويلة .

لكننا في مواجهة خطاب إعلامي تم استنباته خارج تربة الأمن القومي ، فهو يطل علينا بوجه رخو متخاذل ، وصوت منكسر ، وكأنه يوزع أسلحة الاستسلام مقدما على الشعب ، رغم أن المطلوب من الخطاب الوطني العام ، بكل مفرداته وخطوطه ووجوهه ، أن يكون صلبا مصقولا كـ (سنكيّ) في رأس بندقية ، موجها إلى هذا التهديد الوجودي الحال ، الذي يسعى إلى أن يحفر قبرا على مقاس مصر ، بينما يبدو منتشيا بأنه لم يبق أمامه إلا أن يزيحها إليه ، وأن يهيل على وجودها وحضورها ومستقبلها ، تراب هذا الزمن .

لذلك ، لا التعلل بآثار ثورة 25 يناير سيقدم عذرا أو اعتذارا ، ولا التوقف عند إعلان المبادئ وتحميله مغبة اللحظة الراهنة سيقدم حلا ، ولا النظر إلى الوراء في غضب ، أو إلى الأمام في خوف ، سوف يطفئ ما في صدور المصريين من نار موقدة ، فكل ذلك يبدو من قبيل ( تنفيس الأزمة ) بالتجوال من حولها ، أو بنشر رايات خادعة تزيغ الأبصار ، فضلا عما تشيعه من وهن وطني ، ومن انقسامات يمكن أن تتحول إلى شروخ قد تكون فوق الطاقة والاحتمال .

(2) 

أحسب لهذا أن علينا أن نقف في مواجهة اللحظة الراهنة بذاتها ، لا فيما استبقها أو أدى إليها ، وأن نبدأ من حيث يمكن أن يصطف التوافق الوطني ، في إطار حقائق ناصعة ، وهي :

الحقيقة الأولى : أن هناك بعد كل ما ظهر من باطن مشروع السد والمواقف الأمريكية والغربية من حوله ، ما يمثل تهديدا وجوديا للكيان الوطني نفسه ، يستحيل التعايش معه أو القبول به ، أو غض البصر عن تبعاته ، أو التكيف مع آثاره ونتائجه .

الحقيقة الثانية : أن مرحلة طويلة من إستراتيجية ( دبلوماسية المُلاينة ) قد انتهت ، بعد أن قدمت كل ما في جعبتها من جهد وصبر ، وأنها لم تحقق النتائج المرجوة منها ، وحتى إذا كان رأي البعض أنها قدمت انجازا ، هو إعلان المبادئ ، فإن البعض الآخر يمكن أن يرى أن الحقيقة الصلبة القائمة تتجسد فيما تراكم فوق صدر النهر من صخور ، لا فيما احتوته الأوراق من بنود .

الحقيقة الثالثة : أن هناك إعلانا أمريكيا مستجدا ، ودورا أمريكيا نشطا ، هدفه استكمال إغلاق الدائرة التي حفرها الموقف الأثيوبي على امتداد سنوات التفاوض ، وهو هدف لا يقتصر فقط على انتزاع ما تبقى من أوراق دبلوماسية أو سياسية ، في يد مصر والسودان ، وإنما استئصال كل خيارات مصر والسودان معا ، بما في ذلك الخيار المتأخر والأخير ، وهو استخدام القوة المسلحة .

(3) 

ما العمل إذا ؟ 

إن نقطة البداية فيما أحسب تتعلق بإعادة بناء ( تقدير الموقف ) فثمة عناصر لم يتم دمجها في ( تقدير المواقف ) السابقة ، رغم أنها كانت تحوم حول الرؤوس كأنها دبابير سامة ، فلم تعد إستراتيجية المواجهة هي تخفيض منسوب الضرر الناتج عن شحة المياه ، أو فترات التحاريق ، أو ضبط أوضاع الملأ ، ولم تعد الأضرار شاخصة في تبوير ملايين الأفدنة ، أو شبح العطش أو الجوع ، الخ ، وإنما بات المطلوب من إستراتيجية المواجهة أن تتعامل مع هدف جوهري ، تكشّف في عمق الإستراتيجية المضادة لمصر ، وهو على وجه التحديد : ( كسر إرادة مصر ) وهو أمر يستحيل التغاضي عنه أو القبول به ، أو التكيف معه ؟، لأنه في حد ذاته مقدمة لما سيأتي بعده ، وما سيترتب عليه ، ويستطيع أي متابع مدقق لما يصدر عن مراكز الأبحاث الأساسية في الولايات المتحدة ، أن يلمس أفكارا ورؤى ، تمثل مقدمات خطر يتشكل حول قناة السويس ، وإذا كانت الهجمة الممتدة على شريان الحياة المصري ، تمثل الخطوة الأولى في سياق ( كسر إرادة مصر ) فإن الخطوة الثانية لن تكون بعيدة عن قناة السويس ، وربما ساعتها لن نعدم إعلاميا مأجورا يصر على أن الأمر مجرد كمين للتدخل عسكريا بغية وأد مشروعات التنمية .

(4)

إن كسر إرادة مصر ، يعني تحويلها من كائن معيق للإستراتيجية الأمريكية ، إلى كائن معاق في مواجهة نفسها ، قبل مواجهة عملية الإنقلاب الإستراتيجي الشامل في أوضاع الإقليم ، وهي حالة غير مسبوقة على امتداد التاريخ الوطني كله ، ذلك أن كل الإمبراطوريات الحاكمة في التاريخ ، وكل القوى الإستعمارية الكبرى ، التي استهدفت مصر ، لم تنجح مرة واحدة في ( كسر إرادة مصر ) وكل إنذار وجهته هذه القوى إلى مصر ، حتى وهي في أوج ضعفها ردته مصر ، وردت عليه بالتمسك بخيار القتال والمنازلة ، رغم الاختلال الهائل في موازين القوى .

حدث ذلك مع الإنذار البريطاني لاحتلال الإسكندرية عام 1882 ، الذي رفضه الجيش المصري واستبسل في معركة دفاعية مجيدة ، رغم استسلام الخديوى حاكم مصر ، وحدث ذلك مع الإنذار الثلاثي في عدوان عام 1956 الذي حولته مقاومة الجيش والشعب إلى انتصار سياسي ساحق .

إن ذلك لا يعني أن مصر لم تهزم ، ولكنها حتى في أوج الهزيمة العسكرية ، لم تسمح بأن تكون هذه الهزيمة مدخلا طبيعيا لكسر إرادتها ، ولأن هزيمة يونيو 1967 هي النموذج الذي يتم توظيفه دائما ، لاستهجان خيار الحرب ، فالوقائع تؤكد أن هذه الهزيمة الثقيلة ، بكل مردودها ونتائجها ، لم تكسر إرادة مصر ، وإلا كيف نفسر أن قوة عسكرية صغيرة بعد اقل من شهر واحد على الصدمة ، تقاتل في ظل موازين قوى مختلة ، في معركة ( رأس العش ) ، وأن تحقق أول انتصار لها على قوة إسرائيلية مهاجمة ، وأن تجبرها على التراجع ، بعد أن قتلت قائدها و13 فردا من قوتها ، وإلا كيف نفسر – أيضا – أن سلاح الطيران المصري ، الذي تم ذبح 80% من طائراته وهي تنام في العراء ، قد بدأ بعد 6 أسابيع فقط في القيام بهجمات مركزة وخاطفة على القوات الإسرائيلية المدرعة والميكانيكية على الضفة الشرقية لقناة السويس ، وإلا كيف نفسر – أيضا – كبف أمكن لزورق بحري صغير بعد 3 أشهر من الهزيمة أن يغرق مدمرة إسرائيلية هي المدمرة إيلات ، بخسائر تجاوزت 50% من قواتها ، وأن يضيف جديدا إلى إستراتيجيات المعارك البحرية ، وإلا كيف نفسر أنه بعد خمسة أيام فقط من هذه الواقعة ، تبدأ العملية ( عاصفة ) في قصف مدفعي مركز على مراكز الصواريخ الإسرائيلية ( 240مم ) التي كانت تخضع مدن القناة لسطوة نيرانها ! 

لقد هزمنا عسكريا ، نعم ، لكن إرادة مصر لم تنكسر ، لكن المطلوب في هذه المرة كسر إرادة مصر دون حرب ودون مواجهة ، ثم تعويمها كشركة خاسرة ، وإذا استسلمنا لذلك ، باسم الحفاظ على مصر ، ستضيع منا مصر ، ولن نستطيع أن نمسك بها ، ولن تمسك بنا مصر ، لأنها ستدرك أننا لا نستحقها.

(5)

إن الآثار التي ستترتب على نفي وتدمير هذا التهديد الوجودي ، أيا كان حجمها ، ستكون أقل شأنا وأقصر عمرا من الآثار التي يمكن أن تترتب على القبول به ، والقعود عن منازلته ، ولذلك إذا كان من المؤكد أنه ليس من حق شخص ، ولا مجموعة ، أن يفرض على العقل الإستراتيجي الوطني تصورا محددا لاستئصال تهديد وجودي للكيان الوطني ، فمن المؤكد أيضا أن الوظيفة الأساسية والمهمة الأولى لهذا العقل ، هي الحفاظ على الكيان الوطني وتصفية أي تهديد وجودي له ، وهي وظيفة ومهمة لا ينوب عنها ، ولا يحل بديلا لها قيامه بكافة وظائفه الحيوية الأخرى .

( 6 )

لقد تلقت مصر دعوة للانتحار ، وعليها أيا كانت حسابات التكلفة أن ترفضها .

التعليقات (0)