الحارث طه يكتب: الاصطدام يولد الفرز .. نحو خارطة جديدة في أوروبا(2-3)

profile
الحارث طـه صحافي سوري ، ومنتج إخباري، مقيم في هولندا
  • clock 9 سبتمبر 2023, 5:30:28 ص
  • eye 395
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يقول هنري كيسنجر في كتابه المسألة الدبلوماسية "ليس من مصلحة أمريكا أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وأن تحرك الخيوط، حسب المصلحة الأمريكية."

تعتمد سياسة الأمريكية منهجا ونظاما جديدا لمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا من خلال رسم خارطة لكل منهما حسب المصالح الأميركية. في البداية رأى جميع صناع السياسة حول العالم أن أمريكية متوجه إلى الشرق الأوسط بنظام مختلف من خلال سياساتها السابقة، لكن الربيع العربي أحدث فكرا جديدا لسياسة المنطقة.

الجميع كان يضع سياسته بحسب التحركات الأمريكية وانعكاساتها، لكن المعلن شيء والباطن شيء آخر مختلف، حيث إن الأمريكيين فاجئوا الأوروبيين أنهم كانوا من ضمن سياسة التغيير نفسها، وأنهم من ضمن خطة أعدت مسبقا وهي "الإغراق الأوروبي" من خلال إغراق هذه القارة بموجات اللجوء سواء كانت محدودة أو كبيرة حسب حاجة المصالح الأميركية وتوجهها.

شرح هنري كسينجر في كتابه العلاقة المضطربة وهو يصف نوع العلاقة مع أوروبا، وأعطى طريقة التعامل في المستقبل مع الأوربيين، وما هو المسموح به، بجانب الخطوط الحمراء فيما بينهما. كانت لدى الأمريكيين إشارات كثيرة اعتمدت عليها في علاقتهما مع الأوروبيين منها إشارات إيجابية يبنون عليها، وأخرى سلبية يتم تفاديها في المستقبل، والتعلم من أخطأ سابقة. بناء على هذا قامت السياسة أمريكية بإعادة النظر بتعاملها مع الأوروبيين. نحو أوروبا جديدة ونهج جديد على غرار الشرق الأوسط الجديد كانت البداية حين أشارت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة حول السياسة الأمريكية الجديدة وهي "إعادة النظر بالحلفاء".

جاءت الإشارة الإيجابية الأخرى في هذه الخطة هي السياسة التي وضعتها رايس في عهد بوش الابن التي اعتمدت سياسة رايس على منهج جديد مختلف تماما عن سابقتها. ظهر ملامح ذلك المشروع في إحدى جلسات الاستجواب في الكونغرس حيث قالت إن سياسة الولايات المتحدة تعتمد على إعادة النظر في الحلفاء وتقييمهم من جديد على حسب الشرق الأوسط الجديد. وكانت المفاجئة لأعضاء الكونغرس أن الحلفاء التي قصدتهم رايس هم "الحلفاء التقليديين".

كانت هناك إشارة أخرى حول تغيير السياسات الأمريكية تجاه أوروبا لكنها كانت إشارة خاطئة، خلال حرب الخليج الثانية وهي ما اتبعها كولن باول وزير الخارجية الأسبق خاصة حين ورط الأوروبيين في الفخ العراقي باعتبارهم حلفاء، تلك كانت من أكبر السقطات الأمريكية والتي تعيدنا إلى عهد نكسون وفضيحة وترجيت، حيث فبرك باول الأكاذيب حول العراق وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الجرثومية لتكون ذريعة للحرب وإنشاء تحالف دولي.

كان باول يحاول بشتى الوسائل والطرق إقناع الأوروبيين لدخول الحرب بأي ثمن، وهنا كانت إشارة خاطئة ومخادعة للأوروبيين وبريطانيا للدخول في حرب لبس لأي طرف مصلحة إلا أمريكي، وللمفارقة التاريخية كانت هذه إشارة مهمة وأساسية نحو بناء سياسية أمريكية مغايرة عن سابقتها، حيث اعتمدت خطة خماسية المراحل على التعامل مع منطقة الشرق الأوسط وحتى أوروبا بطريقة الإيحاء أي تغيب العقل وتمرير أي هدف تسعى إليه الإدارة الأمريكية دون خسائر مادية أو بشرية أو تحريك أي جندي أمريكي أو أي قطعة عسكرية، وتعلمت من الخسائر الكبيرة في حرب أفغانستان وحرب العراق.

بالعودة إلى النهج السياسي الذي صمم من قبل علماء في علم النفس والاستخبارات الذي استنبط منه علم الإيحاء الذي أسسه سقراط من خلال تجربة السم القاتل. استنكر أحد الأطباء علي الملك أن يحظى سقراط بلقب كبير الأطباء، فقال الملك له حدد الطريقة التي يمكن أن تحظى أنت باللقب بدلا منه، فأخبره الطبيب سأسقيه السم ويسقيني ومن يعالج نفسه فهو الأصلح. وحدد الملك يوم الامتحان، انهمك الطبيب بصناعة سما قاتل، وفي اليوم المحدد اسقي الطبيب لسقراط السم فاصفر وجه وانتابته الحمى، ثم عالج نفسه بالترياق الذي قام بصنعه. ثم أمر الملك أن يشرب الطبيب سم سقراط. يشرب الطبيب سم سقراط،  فشربه مات. وقف سقراط بين يد الملك وأخبره أنه سقاه ماء عذبا، وقف سقراط بين يد الملك وأخبره أنه سقاه ماء عذبا، وقام سقراط بشربه أمام لملك. تعجب الملك متسائلا كيف مات بالماء؟، قال سقراط استأجرت ثلاثة رجال أشداء، أخذوا يطرقون بالحديد علي الماء أربعين يوما، وهو كان يسمع طرقات الموت طوال الليل والنهار، قتلته بالإيحاء.

"الإيحاء" استندت الإدارة الأمريكية في سياستها للعالم على القاعدة النفسية تلك، من خلال أدوات كثيرة ومنها شبكة الإنترنت وشبكات التواصل حول العالم، فشبه المفكر والفيلسوف الأميركي نعومي تشومسكي الإنترنت بالمطرقة، وهي من أدوات الهدم، وكذلك الإنترنت الذي تم توجيه على نطاق واسع حول العالم والشرق الأوسط بالتحديد في فترة الربيع العربي لإعطاء الشعوب الأفكار والأهداف من خلال شعارات أدخلت سابقا من قبل الاستخبارات الأميركية بطريقة مخاطبة العقل الباطن وتمرير السياسات والرؤى بتوجيه غير مباشر.

لم تك أوروبا بعيدة عن ذلك، فتم استخدام الإيحاء من خلال حركة السترات الصفراء في فرنسا المظاهرات الكبيرة للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، لكنها استخدموا الشعارات نفسها التي استخدمت سابقا في الشرق الأوسط "الشعب يريد إسقاط النظام" كذلك تم استخدام نفس الشعارات والدعاية السياسية وتعميم الفوضى في انتفاضات الأطراف في باريس أو ما يسمى بانتفاضات أحزمة الفقر حول باريس.

رغم تراجع بريطانيا عن لعب دور استراتيجي في رسم سياسات العالم منذ أربعينيات القرن الماضي لصالح الولايات المتحدة الأميريكية التي سيطرت على المسرح الدولي، لكن لا تزال بريطانيا من أمهر الأنظمة وأكثرهم عبقرية في وضع السياسيات على مر التاريخ، فهم جراحون في علم المتناقضات أي السياسة التي كانوا يحركون العالم بحركة شطرنج واحدة وليس بلعبة كاملة لكن التراجع الاستراتيجي في أربعينيات القرن الماضي جعل أميركا تسيطر على المسرح الدولي وتسير العالم وفق مصالحها وسحب البساط من تحت أقدام البريطانيين، وفرض نفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحتى الهند المستعمرة البريطانية تاريخيا.

قد يكون فرض نظام جديد من قبل أميركي أخاف البريطانيون كونها فريسة محتملة، بدءوا في بناء سياسة بريطانية لمواجهة التغير الكبير الذي تسعى إليه أمريكا، نتج عنه حرب الجواسيس بين البلدين، الذي كشف عنها سودن العميل السابق المنشق عن وكالة الاستخبارات الاميريكة، من خلال تسريبات ويكليكس وعلى أثره تم الإعداد لخروج بريطانية من الاتحاد الأوروبي بأسرع وقتا ممكنا من خلال الاستفتاء للخروج عام 2016.

لسبب بسيط النجاة من الغرق مع أوروبا.

التعليقات (0)