الحلقة الأولى من كتاب بضع سنين... لعبود مصطفى عبود

profile
عبود مصطفى عبود كاتب وناشر
  • clock 31 مارس 2021, 1:55:22 ص
  • eye 1070
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


في عام 1999 كنت أسير في شارع الدقي ومررت من أمام البناية رقم 12 ووجدت لافتة كبيرة لونها أحمر أسفل البناية مكتوب عليها دار الفاروق للنشر والتوزيع، تأملتها للحظات وأكملت السير في اتجاه الجامعة، وبعد ثلاث سنوات من تاريخ هذه اللحظة وكنت أعمل آنذاك معلما للمرحلة الثانوية في مدرسة صلاح الدين للغات بالهرم، وفي الوقت نفسه أستعد لاجتياز اختبارات الإذاعة المصرية، حدث أن أعطاني صديق رقم تليفون أرضي في ورقة صغيرة مكتوب بالقلم الرصاص، وقال لي هذا رقم دار نشر كبرى تطلب كُتَّابا للتعيين، وضعت الورقة في جيبي وفي زحمة الحياة نسيتها، لكن بعد عدة أيام كنت أفتش في ثيابي فوجدت الورقة مصادفة، فاتصلت بالرقم وعلى غير المعتاد في هذه الأيام جاءني الرد من أول مرة، وقالت لي السكرتيرة نحن دار نشر وننتظرك لإجراء الاختبار التحريري يوم الأحد القادم وكان هذا في حدود في الأسبوع الأول من يوليو 2002.

في الموعد المحدد كنت في مقر الشركة في البناية رقم 12 وشاهدت مرة أخرى اللافتة التي سبق وكنت قد وقفت أمامها متأملا للحظات قبل ذلك بثلاثة أعوام، في الدور السابع وجدت أعدادا كبيرة من الشباب جاءوا جميعا للاختبار، سلمتني السكرتيرة الاختبار، وكان عبارة عن سبع ورقات كلها أسئلة حول برامج الأطفال وأشهر القصص العالمية المقدمة للطفل وأفلام ديزني الشهيرة، ثم أسئلة عن كبار الكتاب، مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والعقاد، وما العناوين التي قرأها المختبر – بضم الميم – لهؤلاء الكبار، ثم سؤال أخير المطلوب فيه صياغة موقف من الحياة فيه طرافة على أن يكون ذاتيا أو جديدا وليس من طرف وملح كتب التراث.

في هذه الفترة كانت فكرة الوساطة تسيطر على عقول جيلنا بصورة رهيبة، فوجدت شابا مهذبا قدم لي نفسه وذكر أنه تخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية وحاصل على ماجيستير في العلوم الإسلامية من معهد الدراسات الإسلامية، ثم قال ساخرا: أكيد هما اختاروا اللي عاوزينه وكل ده مجرد شكليات.

نظرت له مبتسما ولم أعلق، وبسرعة أجبت عن الأسئلة بعبارات قصيرة، مثل ماذا قرأت لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ؟ كل ما كتبت يداهما ونُشر.

ثم قصصت موقفا طريف كان قد حدث لي في المرحلة الثانوية، وكان واضحا جدا من طبيعة الأسئلة أنهم يريدون كتابا جددا للأطفال.

في دقائق معددوة سلمت ورق الاختبار للسكرتيرة والتي لاحظت حدة في طبعها من ردودها على تساؤلات بعض الممتحنين.

ثم توجهت إلى مكتبة مبارك العامة في شارع الطحاوية والتي تغير اسمها بعد ثورة 25 يناير إلى مكتبة مصر العامة، وهي مقامة في قصر الطحاوية المطل على النيل، وهو أيضا البيت الذي كان يسكن فيه المشير عبد الحكيم عامر والذي تحصن فيه بعد نكسة 1967 مع بعض رجاله، حتى أخرجهم منه الفريق عبد المنعم رياض، ذهبت إلى المكتبة وكنت دائم التردد عليها منذ افتتاحها في 1996، وهناك تذكرت الاختبار فبحثت عن الكتب التي تؤرخ لفن الكتابة للطفل أو تشرح مدارسه وتقنياته، فوجدت الكتاب الرائع للأستاذ أحمد نجيب – رحمه الله – وعنوانه "أدب الأطفال علم وفن ".

فاستعرته وعدت إلى بيتي ملهوفا على قراءته.

عدت إلى البيت، تناولت العشاء مع أبي وأمي، ثم أشعلت الراديو وضبطت المؤشر على إذاعة أم كلثوم، إنساب صوتها في أرجاء الغرفة "قابلني والأشواق في عينيه سلم وخد ايدي في ايديه" أثار اللحن وعذوبة الصوت شعورا بالسعادة داخل نفسي، بدأت في تصفح كتاب أحمد نجيب وسرعان ما جذبني بشدة، دونت بعض الملاحظات في الدفتر، اكتشفت أن مكتبتي المنزلية تحوي أيضا بعض مؤلفات الأستاذ عبد التواب يوسف، قد أهدانيها ابن شقيقه صديقي الإعلامي محمد صابر، منها كتاب " مولد الرسول في عيون فرفيون أندرسون:مشهد في القسطنينية لهانس كريستيان أندرسن،تعريب عبد التواب يوسف وتقديم جابر عصفور.

بدأت في القراءة فيه لكنه لم يرق لي خاصة مقدمة جابر عصفور.

بعد عدة أيام جاءتني مكالمة أخبرتني فيها سكرتيرة الشركة أنني اجتزت الاختبار وتحدد يوم الثلاثاء 2يوليو لعمل ( انترفيو)، تفاءلت لأن هذا هو تاريخ مولدي أيضا، في الموعد المحدد كنت في الشركة في الدور السابع، جاء دوري بعد عدة أفراد، دخلت إلى المكتب الداخلي، لاحظت فور دخولي وجود حوض للسمك يبعث راحة في النفس، كان الجلوس ثلاثة أفراد، جميعهم شباب في بداية الثلاثينييات من العمر، هم بالترتيب كما عرفت بعد ذلك الدكتور خالد العامري، الكابتن العامري فاروق العامري وزير الرياضة بعد ذلك، والأستاذ عبد الحميد عبد العاطي المترجم الفذ ومدير الشركة.

جلست، وتناوب الثلاثة توجيه الأسئلة لي وكانت كلها تدور حول خبراتي السابقة في الكتابة للطفل، أجبت بصورة حاسمة أنني أكتب منذ نعومة أظفاري لكنني لم أكتب أبدا للطفل، وإن كنت أدركت من الاختبار التحريري، أن هذا هو المطلوب ومن ثمَّ فقد حرصت على القراءة في هذا الفن خلال الأيام السابقة، فسألني الكابتن عامري، وماذا قرأت؟ أخرجت من الحقيبة التي كانت بحوزتي كتاب أحمد نجيب، وعرضت ما جاء فيه بإيجاز شديد، ثم تحدثت قليلا عن عبد التواب يوسف، وحكيت قصة الخطاب الذي أرسله لعبد الناصر يستنكر فيه سخريته من "أنتوني ايدن" رئيس وزراء انجلترا الذي ترك منصبه بعد حرب السويس، وتفرغ للكتابة للأطفال، وكيف أعترض الشاب وقتذاك عبد التواب يوسف في خطاب للرئيس على سخريته تلك، قائلا: إن الكتابة للأطفال عمل عظيم، وأن هناك ألف سبب للسخرية من إيدن ليس من بينها كونه كاتبا للأطفال.

لاحت ابتسامة على وجوه الحاضرين وكان أول من تحدث منهم الوزير العامري فاروق قائلا: مبروك أنت معنا في العمل بدءا من الأحد القادم،ثم قال الدكتور خالد: على فكرة نحن قلنا لمن حضروا قبلك، سنوافيكم بالرد خلال أيام، وذلك ليكون أمامنا فرصة للمفاضلة، أنت أول واحد نعلن قبولنا له فورا.

شعرت بسعادة بالغة وحمدت الله على هذا التوفيق وسلمت عليهم وشكرتهم وانصرفت عائدا إلى البيت، في الطريق تذكرت ما كان يفعله أستاذي الدكتور أحمد هيكل – رحمه الله – ورواه لي مرارا في بيته، كان كلما حالفه التوفيق في أمر ما يذهب إلى مسجد الحسين ليصلي ركعتان شكر لله، حدث هذا عندما أختير وزيرا، وكان برفقته الدكتور أبوهمام والدكتور أبو الأنوار عليهما رحمة الله.

أردت أن أحذو حذو أستاذي فغيرت اتجاهي وذهبت إلى مصر القديمة، وصليت صلاة الشكر في مسجد عمرو بن العاص، ثم رجعت إلى المنزل مستبشرا وسعيدا.

أول يوم عمل قابلت الأستاذ عبد الحميد، وكان معي الأستاذ خالد أحمد الذي قُبل أيضل للعمل بالدار، حيث قمنا بتوقيع عقد العمل، ثم تسلمنا مكاتبنا في الدور السابع، في (لاب) كبير كان فيه عدد كبير من المترجمين والمترجمات، وأخبرنا الأستاذ عبد الحميد أنه بعد يومين سيكون معنا رئيس القسم الأستاذ إيهاب عبد السلام الذي يمتلك خبرة 11 عاما – كان هذا في 2002 - في الكتابة للطفل والذي يعد صاحب مدرسة في ذلك الفن.


كلمات دليلية
التعليقات (0)