السودان يقف على حرب شاملة لها تداعيات غير مسبوقة على الاستقرار

profile
  • clock 18 أبريل 2023, 9:53:59 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لندن- “القدس العربي”: تساءلت الباحثة في الشأن السوداني ويلو بيردج، في مقال لها بموقع “ميدل إيست آي”، عن حال السودان وإن كان يتجه باتجاه الحرب الشاملة. وقالت إنه بدون احتواء سريع للأزمة الحالية فإن النزاع على السلطة سيترك أثره على استقرار البلد. وأضافت أن النزاع الذي اندلع بين قوات الدعم السريع والقوات السودانية المسلحة غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث. فمن الناحية التاريخية، اتسمت أشكال النزاع، بأنها نابعة من محاولة جماعات أمنية وفاسدة باستغلال الجماعات الهامشية، بما فيها دارفور، جنوب كردفان والدولة المستقلة الآن، جنوب السودان. وظلت القوات السودانية منذ الاستقلال عام 1956 نفس القوات التي شكلها الحكم المصري والاستعمار البريطاني وتهيمن عليها طبقة ذات قاعدة اجتماعية ضيقة في شمال ووسط السودان الواقعة حول نهر النيل.

النزاع الذي اندلع بين قوات الدعم السريع والقوات السودانية المسلحة غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث

وفي مرات اندلع القتال في الخرطوم أثناء المحاولات الانقلابية، إلا إن القتال لم يستمر إلا لفترة قصيرة. وكانت الانقلابات نتاجا لكفاح سياسي وأيديولوجي داخل طبقة الضباط المعروفة في السودان. ولم تشهد النزاعات هذه ما نراه اليوم من غارات وقصف على الخرطوم، والذي اندلع نهاية الأسبوع.

وحتى وقت قريب، لم تحاول الجماعات شبه القتالية مثل قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) الحصول على السلطة في الخرطوم. وعادة ما تتعامل معها القيادة العسكرية كجماعات وكيلة لها في الحروب الإقليمية. إلا أن نظام عمر البشير اعتمد كثيرا على جماعات مثل حميدتي بعد سيطرته على السلطة في عام 1989. وبعد تحول السودان عام 2011 من اقتصاد يعتمد على النفط، بسبب تراجع صادراته إلى اقتصاد يعتمد على الذهب، وهو ما نفع حميدتي الذي عمل على تحويل قوات الدعم السريع إلى جيش مرتزقة شبه مستقل، وأصبح ثريا من خلال تهريب الذهب من دارفور وإرسال المقاتلين للمشاركة في الحرب السعودية- الإماراتية باليمن.

عمل حميدتي على تحويل قوات الدعم السريع إلى جيش مرتزقة شبه مستقل، وأصبح ثريا من خلال تهريب الذهب من دارفور وإرسال المقاتلين للمشاركة في الحرب باليمن

واستعان البشير عام 2013 بحميدتي لقمع التظاهرات ضده، وقامت القوات بإنشاء قواعد كبيرة لها داخل الخرطوم. وقام حميدتي وبطريقة انتهازية بدعم الإطاحة بالبشير عام 2019. واليوم باتت القوات السودانية المسلحة تتعامل مع قوات الدعم السريع على أنها “جماعة تمرد”، وعلى خلاف جماعات التمرد التقليدية، فقد كانت قوات الدعم السريع مكونا رئيسيا في البنية التحتية للأمن في الخرطوم نفسها. وهو ما يجعل النزاع اليوم مختلفا وخطيرا.

وتقول الباحثة إن واحدا من النذر التي عجلت بالنزاع الحالي هي الثقة المتزايدة لبقايا نظام البشير المرتبطة بالمؤتمر الوطني المنحل. وكان أعضاء الحزب يلتقون بشكل مفتوح رغم الحظر عليه بعد استيلاء العسكر على السلطة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2019. وعقدوا افطارا رمضانيا مفتوحا للبشير في سجن كوبر المعتقل فيه الزعيم السابق وقيادات إسلامية أخرى، وكانوا يتحدثون عن قرب انقلاب. وبعد انفجار الأزمة، تحدث حميدتي متهما علي كرتي، زعيم الحركة الإسلامية العائدة ووزير خارجية البشير السابق، بأنه يريد جر البلاد للحرب والعودة للانقلاب، أي انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021.

كانت قوات الدعم السريع مكونا رئيسيا في البنية التحتية للأمن في الخرطوم نفسها. وهو ما يجعل النزاع اليوم مختلفا وخطيرا

ولعل الجذور قصيرة الأمد التي عجلت بالخلاف بين حميدتي وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان نابعة من الانقلاب في 2021 ضد الحكومة المدنية، التي تشاركت بطريقة غير مريحة مع الجيش وقوات الدعم السريع. فبعد الانقلاب بدأ البرهان بتقوية عناصر مختارة من حزب المؤتمر الوطني المنحل، سواء في الجيش أو الخدمة المدنية، مما أثار غضب حميدتي الذي اعتقد أنهم لن يسامحوه بسبب خيانته للبشير عام 2019.

وبعد الإطاحة بالبشير، رأت قوى الحرية والتغيير والقوى الإقليمية المعادية للإسلاميين مثل الإمارات بحميدتي حاجزا ضد عودة الحركة الإسلامية وحلفائها في الجيش، مع أن غالبية الشارع السوداني لن تسامح حميدتي على دوره في مذبحة الخرطوم حزيران/يونيو 2019. ورغم أنه دعم البرهان بانقلابه عام 2021 منفرا القوى المدنية منه، إلا أنه قام في تشرين الأول/أكتوبر 2022 بتعيين يوسف عزت كمستشار له فتح حوارا مع قوى الحرية والتغيير. وأصبح حميدتي لاحقا داعما رئيسيا للاتفاق الإطاري الموقع في كانون الأول/ديسمبر، والذي حدد خطوات لعودة الحكم المدني واعترف لاحقا بأن انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021 كان “خطأ”.

ومن الشروط التي وضعها الاتفاق الإطاري واحد يقضي بدمج قوات الدعم السريع بالقوات السودانية المسلحة وبمدى محدد. وكان الخلاف على المدة الزمنية وإطار الدمج السياق الذي فتح المجال للمواجهة.

وفي نقطة بدا البرهان متشددا بأنه لن يمضي في الاتفاق الإطاري قبل دمج الدعم السريع، إذ ذكر بعناد القوات المسلحة الذي سبق اندلاع النزاع في جنوب كردفان عام 2011.

تمسك حميدتي بأنه لن يدمج قواته قبل عزل الإسلاميين من قيادة الجيش

من جهته تمسك حميدتي بأنه لن يدمج قواته قبل عزل الإسلاميين من قيادة الجيش. ومع تزايد التوتر حرك حميدتي قواته من غرب السودان إلى الخرطوم ومروي في شمال السودان حيث كانت القوات السودانية تجري مناورات عسكرية مع القوات المصرية. ومع زيادة تقارب حميدتي مع الإمارات زادت القوات السودانية المسلحة من علاقاتها مع مصر التي تلقى فيها البرهان وبقية قيادات الجيش تدريبهم العسكري. وكان التحرك باتجاه مروي من أجل منع القوات السودانية والمصرية التحرك ضد قوات الدعم السريع في أي نزاع قادم. وبعد محاولات قصيرة من الوسطاء لمنع اندلاع مواجهة بين الجيش والدعم السريع، بدأت المواجهات في مروي والخرطوم ومناطق أخرى من البلاد.

وتم نشر فيديو للجنود المصريين الذين قال الدعم السريع إنه أسرهم لتعزيز صورة حميدتي بأنه يدافع عن السيادة الوطنية. وفي حالة استطاع الجيش السوداني الحفاظ على قاعدة مروي الجوية، فإنه سيحافظ على التفوق النوعي ضد الدعم السريع. وكانت القوة الجوية سببا في منع أي جماعة تمرد من الزحف نحو العاصمة. وتم سحق محاولة زحف من ليبيا في عام 1976 وأخرى في 2008. والمشكلة للجيش هي أن الدعم السريع موجودة في الخرطوم ولديها قواعد كبرى قرب المطار حيث تدور معركة حامية.

مع زيادة التقارب بين حميدتي والإمارات زادت القوات السودانية المسلحة من علاقاتها مع مصر التي تلقى فيها البرهان وبقية قيادات الجيش تدريبهم العسكري

وهناك مخاطر من مواجهة مستعصية بين الجيش والدعم السريع. وقد حركت القوات المسلحة قواتها لكن الدعم السريع لديه التجربة في حرب اليمن والقدرة على تحريك مزيد من العربات المسلحة. ونحن أمام قوات متوازية، لكن قوات الدعم السريع تمثل تحديا خطيرا للقوات المسلحة لم تواجه مثله في هيمنتها الطويلة على أرض السودان. ولو استطاع البرهان هزيمة حميدتي في المدى القصير أو المتوسط فسيكون انتصاره تراجعا للتقدم نحو الحكومة المدنية وتقوية لأعضاء حزب المؤتمر الوطني والمؤسسة العسكرية السودانية.

وليس من المحتمل انتصار حميدتي السريع على الجيش، لكنه يأمل بالتخلص من البرهان المحاصر حتى يتمكن من التفاوض مع قادة الجيش الأقل ارتباطا بحزب المؤتمر الوطني.

وسيناريو كهذا صعب في ظل رؤية قيادة الجيش لزعيم محلي، لكنه سيكون من الناحية النظرية عودة للعملية الانتقالية لو توافقت المعارضة المدنية المنقسمة بين من يريد التعاون مع حميدتي أو عدم المغفرة له بسبب مجزرة الخرطوم.

ولا يوجد لقوات الدعم السريع كادر أيديولوجي أو قاعدة اجتماعية رغم محاولات حميدتي بناء واحدة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنها عقدت علاقات مع القوى الإقليمية وقدمت نفسها لقادة الأحزاب السياسية أنها القطاع الأمني الوحيد القادر على تأمين مصالحها.

وبالنسبة للرأي العام فانتصار البرهان او حميدتي يعني استمرارا للسياسات التي حاولت ثورة 2018- 2019 القضاء عليها. والسيناريو الأسوأ هو حرب طويلة بين قوات الدعم السريع والجيش بدون منتصر وتقود إلى مستويات غير مسبوقة من عدم الاستقرار، إلا حال توصل الوسطاء الإقليميون والدوليون لوقف الحرب.

كلمات دليلية
التعليقات (0)