الصين وأمريكا وروسيا.. لماذا كثفت القوى العظمى غزواتها الدبلوماسية في أفريقيا الآن؟

profile
  • clock 5 فبراير 2023, 2:17:46 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

سلط تحليل نشره مركز "أوبزرفر ريسيرش فونديشن" الضوء على ما وصفه بـ"الغزوات الدبلوماسية الساحرة" التي بدأتها كل من الصين والولايات المتحدة وروسيا في القارة الأفريقية، مؤخرا، معتبرا أن القوى العظمى تحاول التموضع بشكل مختلف في القارة السمراء خلال الفترة المقبلة، وهو تحرك لا يأتي بمعزل عن تشابكات المشهد العالمي خلال الفترة الأخيرة.

وقال التحليل، الذي كتبه "أبهيشيك ميشرا" الزميل المشارك ببرنامج الدراسات الاستراتيجية بالمركز، وترجمه "الخليج الجديد"، إن التحرك الأول جاء من الصين التي زار وزير خارجيتها الجديد "تشين جانج" دولا أفريقية، في تقليد عمره 33 عامًا بجعل أفريقيا أول زيارة رسمية للعام الجديد لأي وزر خارجية صيني جديد، حيث أجرى مباحثات في مصر وإثيوبيا والجابون وبنين وأنجولا.

واكتسبت زيارة "جانج" أهمية خاصة للتعرف على القارة في وقت ينخفض فيه الإقراض الصيني لأفريقيا وتشتد المنافسة بين القوى العظمى على تلك القارة.

بدورها، تحاول الولايات المتحدة أيضًا الحفاظ على الزخم الذي أعقب قمة قادة أمريكا وأفريقيا التي عقدت الشهر الماضي في واشنطن العاصمة والتي أعلنت خلالها إدارة "بايدن" عزمها استثمار 55 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة في أفريقيا.

وقامت وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين" وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة "ليندا توماس جرينفيلد"، بجولة في القارة بهدف وضع الولايات المتحدة كشريك التنمية الحقيقي لأفريقيا على المدى الطويل بدلاً من الصين.

روسيا أيضا يبدو أنها مصممة على عدم التخلف عن الركب، حيث زار وزير خارجيتها "سيرجي لافروف"، جنوب أفريقيا وأنجولا وإسواتيني هذا الأسبوع في إطار سعيه لتوطيد العلاقات مع الدول الأفريقية وتسليط الضوء على نفوذ موسكو في قطاع الأمن والطاقة.

مضى التحليل ليغوص في بعض تفاصيل علاقات القارة السمراء مع تلك القوى

أولا: الصين وأفريقيا

جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني الجديد لأفريقيا في أعقاب بعض التطورات الحاسمة، مثل الاختتام الناجح للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وإعادة فتح الصين حدودها الاقتصادية بشكل مختلف بعد 3 سنوات من العزلة الدولية التي اتسمت بسياسة "صفر COVID"؛ وأخيراً عقب الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عقد في داكار بالسنغال في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي تم خلاله اعتماد خطة عمل داكار (2022-2024).

ومن المثير للاهتمام، أن هذه فترة تنتشر فيها التكهنات بشأن احتمال خفض الإقراض الصيني لمشروعات البنية التحتية الكبيرة في القارة، فقد أدت التداعيات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19" والحرب الروسية الأوكرانية إلى تقويض قدرة الدول الأفريقية على خدمة ديونها السيادية.

وفي الواقع، تكافح بكين لاسترداد أموالها مع الحفاظ على صورتها كبطل للدول النامية. ولكن، بينما تتواصل التكهنات حول انسحاب الصين من أفريقيا، فإن الواقع مختلف تمامًا من ناحية أخرى.

وكان يناير/كانون الثاني 2023 شهرًا كبيرًا بالنسبة للصين، حيث قام القادة الأفارقة في مختلف البلدان بتدشين العديد من مشاريع التنمية الصينية رفيعة المستوى.

في نيجيريا، مثلا، أمر الرئيس "محمد بخاري" بإنشاء ميناء "ليكي" الجديد في أعماق البحار في لاجوس، ويعد هو الأكبر في غرب أفريقيا. بالإضافة إلى ذلك، تم تدشين نظام السكك الحديدية الخفيف ذو الخط الأزرق بطول 27 كيلومترًا والممول والمبني من الصين هذا الشهر.

وفي أوغندا، كلف الرئيس "يوويري موسيفيني" بإنشاء منصة حفر للنفط Kingfisher على بحيرة ألبرت والتي من المتوقع أن تساعد أوغندا على إنتاج المزيد من النفط الخام، وهي بتمويل صيني.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، هناك مركز جديد للثقافة والفنون لوسط أفريقيا قيد الإنشاء حاليًا في كينشاسا، بتمويل من بكين أيضا.

ويعلق التحليل بالقول: "هذه مشاريع واسعة النطاق يمكن رؤيتها ويمكن أن يكون لها تأثير تحولي على الاقتصاد المحلي في دول أفريقية، لذلك، يبدو اليوم الذي يقترب فيه الغرب من التفوق على الصين في أفريقيا لا يزال بعيدًا".

ثانيا: الولايات المتحدة وأفريقيا

ينصب التركيز الرئيسي للولايات المتحدة هذا العام على الاستمرارية والحفاظ على زخم سياستها تجاه أفريقيا والتي حصلت على دفعة كانت في أمس الحاجة إليها في قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا.

سيكون القادة الأفارقة يراقبون عن كثب إذا التزمت إدارة الرئيس "بايدن" بتعهداتها وجعلت أفريقيا شريكا على قدم المساواة.

وقد جددت وزيرة الخزانة الأمريكية "جانيت يلين"، خلال جولتها، دعم الولايات المتحدة لمساعدة أفريقيا على تحقيق إمكاناتها الاقتصادية الحقيقية ودعم إدارة "بايدن" لإدراج الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين.

كالمعتاد ، تم طرح موضوع الديون كنقطة نقاش خلال زيارة الوزيرة "يلين".

ففي زامبيا، الدولة الأفريقية صاحبة الأكثر مديونية للصين، اتهمت وزيرة الخزانة الأمريكية بكين بعرقلة عملية إعادة هيكلة الديون التي طال أمدها في زامبيا.

ومن المعروف أن عملية إعادة هيكلة الديون صعبة، والواقع أن عقود القروض الصينية المبهمة والإصرار المستمر على التعامل مع الديون على أساس ثنائي على أساس كل حالة على حدة يجعل من الصعب على الدائنين التنسيق للتوصل إلى آلية مشتركة لإعادة الهيكلة.

ومع ذلك، فإن ما يقرب من ثلاثة أرباع إجمالي ديون أفريقيا، لاسيما دول جنوب الصحراء، مستحقة لمنظمات مالية متعددة الأطراف ودائنين تجاريين.

ووفقًا لتقرير جديد لمؤسسة "تشاتام هاوس"، يمثل المقرضون الصينيون 12% من إجمالي الدين الخارجي لأفريقيا البالغ 696 مليار دولار.

ثالثا: روسيا وأفريقيا

حرص وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" على إظهار زيارته الأخيرة لأفريقيا على أنها انعكاس لاستراتيجية تجعل موسكو شريكا في تنمية أفريقيا ، خاصة في قطاع الأمن والطاقة.

كانت الزيارة إلى جنوب أفريقيا مثيرة للاهتمام ومثيرة للجدل بشكل خاص مع الإعلان عن مناورة بحرية مشتركة متعددة الأطراف بين جنوب أفريقيا وروسيا والصين، والتي أطلق عليها اسم "عملية موزي"، والتي ستعقد في الفترة من 17 إلى 27 فبراير/شباط الجاري قبالة ميناء ديربان.

وعلى الرغم من أن الحرب الروسية في أوكرانيا تثير مخاوف من حدوث تأثير اقتصادي كبير في جميع أنحاء القارة، فإن الدول الأفريقية تواصل اختيار "الحياد" وتبقى على مسافة متساوية من كل من روسيا والغرب.

وأثار قرار حكومة جنوب أفريقيا المشاركة في التدريبات البحرية المقبلة انتقادات شديدة من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.

ومع ذلك، فإن وزير خارجية جنوب أفريقيا "ناليدي باندور" صرف الانتباه عن الانتقادات من خلال التأكيد على أن مثل هذه التدريبات مع "الأصدقاء" هي "المسار الطبيعي للعلاقات".

وعلى الرغم من الدعاية العلنية لجولة "لافروف"، لم تحقق الزيارة الكثير من حيث النتائج، والتي كان أبرزها الإعلان عن اتفاقية محتملة لروسيا لمساعدة أنجولا في تطوير برنامجها للطاقة الذرية.

ومن الناحية الأمنية، تعد روسيا أكبر مورد للأسلحة في القارة ولديها وجود أمني كبير، خاصة في غرب إفريقيا، حيث تنشط مجموعة مرتزقة "فاجنر" المتحالفة مع موسكو في دول مثل مالي وموزمبيق وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، بل يقال إن لها وجودًا في أنجولا وإسواتيني.

وبحسب التحليل، فإن ما يجعل روسيا تبرز في أفريقيا هو لعبها المستمر على مسالة المعايير المزدوجة الغربية، ودور الغرب في الإرث الاستعماري لأفريقيا، وحقيقة أن الاتحاد السوفييتي السابق لم يشارك في استعمار القارة السمراء.

كلمات دليلية
التعليقات (0)