- ℃ 11 تركيا
- 4 نوفمبر 2024
اللواء عبد المنعم كاطو:تدمير ميناء إيلات أصاب قادة إسرائيل بالجنون وأفقدهم التوازن
حرب أكتوبر في دفاتر المؤرخ العسكري اللواء عبدالمنعم كاطو(2-3 )
اللواء عبد المنعم كاطو:تدمير ميناء إيلات أصاب قادة إسرائيل بالجنون وأفقدهم التوازن
- 7 أكتوبر 2024, 11:17:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
*في عملية السبت الأسود قتلنا 35 ضابطًا رداً على مذبحة بحر البقر
*عبد الناصر قبل مبادرة روجرز للإعداد لحرب التحرير
جولدا مائير تلقت رسالة سلام مصرية عشية الحرب
*المناورات الوهمية ساعدت في تضليل وإرباك قيادة العدو
في ذكرى معركة أكتوبر المجيدة أعيد نشر حوار أجريته مع الخبير الاستراتيجي اللواء عبد المنعم كاطو الذي نشر في جريدة النهار الكويتية قبل سنوات ، وذلك لاستخلاص العبر والدروس من الماضي وللاطلاع على تفاصيل جديدة عن معركة أكتوبر العظيمة
حمل الخبير الاستراتيجي المصري المرحوم اللواء عبدالمنعم كاطو نكسة 5 يونيو 1967 ونتائجها المؤلمة للقيادتين السياسية والعسكرية في ذلك الوقت لاتخاذهما الكثير من القرارات والتصرفات الخاطئة التي أدت إلى الهزيمة الرهيبة التي لم يكن يحلم بها العدو ولم تخطر ببال قياداته.
وأوضح المؤرخ العسكري في حديث خاص سبق أن تم أجراؤه معه و ننشره على ثلاث حلقات أن القوات المسلحة المصرية ظلمت كثيراً بسبب القرارات والتصرفات الخاطئة لتلك القيادات، مؤكداً أن الجيش المصري كان يمتلك العتاد والقيادات الميدانية للرد على الهجوم أو تقليل آثاره لأقل قدر ممكن، وأن حجم المرارة التي شعر بها كل فرد في الجيش كانت هي الدافع والمحفز لحسن الأداء والفدائية والفداء وإجادة التخطيط وحسن الإدارة لحرب أكتوبر المجيدة. وأكد ضابط تخطيط الجيش الثاني في حرب أكتوبر أن حرب الاستنزاف معركة مستقلة وفاز فيها الجيش المصري بنجاح منقطع النظير وحقق أهدافه المرجوة منها وهي تسخين الجبهة وكسر الحاجز النفسي عند الجندي المصري والقضاء على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ودراسة مواقع وتحصينات العدو الصهيوني على أرض الواقع.
وأوضح كاطو ان الرئيسين الراحلين انور السادات وحافظ الأسد استخدما «سلاح الشك» للتمويه على الاستعدادات لحرب 6 اكتوبر التي وصفها بانها اول حرب إلكترونية في التاريخ وشهدت اكبر استخدام للدروع البشرية. وأكد المؤرخ العسكري أن نتائج حرب أكتوبر الإجمالية لا تعد ولا تحصى على المستوى العربي والدولي والعسكري وعلى إسرائيل نفسها حيث أسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية وكسرت ذراع إسرائيل الطويلة وجعلت العالم يضع العرب في المنزلة السادسة في ترتيب القوى على مستوى العالم. ..وإلى نص الحلقة الثانية من الحوار :
تدمير ميناء إيلات
وماذا عن تدمير ميناء ايلات؟
وبعد ذلك تمت عملية مهاجمة ميناء ايلات وبدأت بعده غارات ناجحة قام بها أفراد الضفادع البشرية على ميناء ايلات يومي 15 و16 نوفمبر 1969، وأصيب الاسرائيليون بفزع شديد وصدرت التعليمات للسفينتين «بيت شيفع» و«بات يام» بعدم المبيت ليلا بأي من الموانئ الاسرائيلية حتى يتفادوا غارات الضفادع البشرية المصرية، وكان على تلك السفن الابحار طوال فترة الليل مما لا يعطي الفرصة لمهاجمتها واغراقها، لكن شاء القدر شيئا آخر فأثناء تفريغ بعض المعدات والألغام التي قامت بنقلها السفينة «بيت شيفع» من شرم الشيخ الى ايلات وأثناء انزال احدى العربات المدرعة التي كانت محملة بكمية كبيرة من الذخائر حدث بها انفجار أدى الى مقتل حوالي 60 فردا من القوات الاسرائيلية على رصيف ايلات الحربي واصابة شديدة في الباب الأمامي للسفينة الذي يعمل هيدروليكيا، وكان لابد من اصلاح هذا الباب حتى تتمكن السفينة من الابحار.
ووصلت من وحدات الاستطلاع المصري في العقبة الى القيادة المصرية معلومات تفيد بأن السفينة بيت شيفع راسية على الرصيف الحربي ويجري العمل في اصلاحها وأن ذلك الاصلاح سيستمر ليلاً ونهاراً، وفي تقديرهم أن عملية الاصلاح سوف تستغرق من 5 الى 7 أيام وبدأ على الفور التخطيط لعملية اغارة جديدة على ميناء ايلات الحربي بهدف تدمير سفينة الانزال «بيت شيفع» وأي وحدات عسكرية أخرى في الميناء.
وتقرر هذه المرة أن تكون نقطة الانطلاق منطقة الاستحمام في شاطئ العقبة بجوار فندق العقبة هوليداي على أن يكون الذهاب الى الأهداف بميناء ايلات ثم العودة سباحة لحوالي أربعة كيلومترات، وكان في وسع أفراد الضفادع البشرية المصرية أن تقطعها ذهابا وايابا حاملين معهم ألغامهم، وصدرت التعليمات لدراسة تفاصيل العملية على الطبيعية وبعد استطلاع منطقة الهدف لقنت المجموعة المكلفة بالتعليمات النهائية طبقا لآخر معلومات عن ميناء ايلات ومكان ارساء كل من ناقلة الجنود «بيت شيفع» وكذلك السفينة المسلحة «بات يام»، كما تم تحديد خط سير الاقتراب وخط سير العودة.
وبدأ التنفيذ بنزول المجموعة الأولى الى البحر من نقطة الانطلاق وهدفها ناقلة الجنود «بيت شيفع»، وتلتها المجموعة الثانية وهدفها السفينة الاسرائيلية المسلحة «بات يام» ووصلت المجموعتان الى مسافة حوالي مئة متر من الأهداف وانفصلت المجموعة الثانية واتجهت الى هدفها وهي السفينة «بات يام» التي كانت في ذلك الوقت تقف على رصيف الميناء الحربي على مسافة عشرين متراً أمام الناقلة «بيت شيفع»، ووصلت المجموعة الثانية الى هدفها في الساعة الحادية عشرة وخمس وخمسين دقيقة قبل منتصف الليل، وتمكنت المجموعة من تنفيذ مهمتها على أكمل وجه ثم بدأ الانسحاب خارج الميناء، أما المجموعة الأخرى فأخذت طريقها الى «بيت شيفع» التي كانت محاطة بسياج قوي من الحراسة وأكملت المسافة الى الهدف ووصلت الى قاع السفينة وتمكنت من تثبيت الألغام وضبط توقيت الانفجار ثم اتجهت المجموعتان الى طريق العودة صوب نقطة الالتقاط فوصلاها في تمام الساعة الثانية وخمس وثلاثين دقيقة من صباح السادس من فبراير 1970.
وفي حوالي الساعة الثانية من صباح السادس من فبراير 1970 انفجرت الألغام في السفينة «بات يام» وغرقت على الفور، أما السفينة «بيت شيفع» فتحركت قبل انفجار الألغام المثبتة بها الى منطقة ضحلة في الميناء حيث شحطت وكان ذلك سببا في عدم غرقها تماما على الرغم من أن قوة التدمير كانت شديدة، الا أن هذه العملية مع ذلك تركت أثارا فادحة للغاية في صفوف العدو حيث تم قتل عدد من العسكريين وتدمير ناقلتي جند اسرائيليتين، وذلك من قبل رجال الضفادع البشرية المصريين وكانت عملية مبهرة تحدث عنها العالم أجمع وافقدت العدو توازنه وأصابت قادته بالجنون والهلع.
السبت الأسود
وهناك عملية كبيرة أطلق عليها السبت الأسود الذي وافق 8 سبتمبر 1968 وكانت رداً على عملية ضرب مدرسة بحر البقر التي قتل فيها الأطفال بوحشية منقطعة النظير، وتمت هذه العملية البطولية عن طريق مرور مجموعتين من الفدائيين لضرب باص لنقل الجنود والضباط الصهاينة وكان يتولى حراستهما سياراتان مدرعتان ودبابتان، وتم أعداد كمينين لهم حيث توقعنا أنه عندما يضرب الكمين الأول سيتولى مواجهته الدبابات المدرعة، وهذا ما حدث بالفعل حيث أصيب أحد الباصين وحاولت المدرعتان والدبابتان الرد عليه، وفر الباص الثاني واستقر عند الكمين الثاني الذي أجهز عليه ومات أكثر من 35 جندياً وضابطاً في تلك العملية.
وكانت تلك الأكمنة تتم نهاراً فلما فطن اليها العدو غير وقت العبور بحيث يكون ليلاً، وتكمن القوة المنفذة للعملية في مكان بعيد عن الأعين طوال النهار ثم تتحرك ليلاً لتنفيذ مهامها، وذلك الأمر يحتاج الى تدريب شاق وجهد مضني ليلاً ونهاراً، وتم في أحد الأكمنة أسر ضابط برتبة نقيب اسمه دان أفيدان وقد احدث أسره صدى عالمياً ودوياً هائلاً محلياً وعالمياً.
ويؤكد جميع الخبراء العسكريين أن حرب الاستنزاف هي التي مهدت الطريق لنصر 6 أكتوبر وأن حرب الاستنزاف كانت المدرسة التي أعدت القوات المسلحة المصرية لحرب أكتوبر المجيدة، فقد كشفت لنا حرب الاستنزاف كل تجمعات العدو وطريقة اقترابه في الهجوم والشكل القتالي الذي يتواجد عليه، كما كشفت لنا أيضا عدد طائرات العدو المستخدمة في الجو، وساعدتنا على اعداد خطة أكتوبر.
وأيضاً استطعنا قنص معدات وذخائر اميركية الصنع من العدو، وطورنا الكثير من الأسلحة الروسية التي بحوزتنا وحسنا من كفاءتها وقوة نيرانها.
ومن أهم نتائج حرب الاستنزاف التي أؤكد أنها كانت حرباً مستقلة انتصرت فيها مصر وحققت أهدافها الاستراتيجية السيطرة على مضايق البحر الأحمر وتمركزت قوات الصاعقة والقوات الخاصة بصفة شبه يومية في مناطق أبو زنيمة وسطر أبطال «المجموعة 39 قتال» التي كان يقودها العميد ابراهيم الرفاعي الذي استشهد فيما بعد في حرب أكتوبر أسماءهم في سجل التاريخ نظراً للمهام الخطيرة التي أوكلت اليهم وتم تنفيذها بنجاح خلال تلك الحرب، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية وأذاقت جيش الاحتلال الاسرائيلي الويل والأهوال وسببت لجنوده حالة هيستيريا دائمة حتى أنهم كانوا يحاولون الوصول بأي وسيلة الي معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها، بل أنهم حددوا أسماء ثلاثة من رجال المجموعة للوصول اليهم أحياء أو أموات وهم الشهيد ابراهيم الرفاعي والقائد الثاني للمجموعة د. علي نصر ثم المقاتل الفذ علي أبو الحسن الذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر.
وذلك بخلاف عمليات القنص المستمرة والتي كانت تتم كثيراً بالمخالفة لأوامر القادة، وكان معظمها يتم للرد على الاستفزازات الاسرائيلية, ومنها على سبيل المثال أنه كانت تتم زيارات لوفود سياحية لسيناء ليشاهدوا نصر اسرائيل الساحق، وكانت تأتي فتيات في ثياب البحر أو عاريات تماماً ويسبحن في القناة في تحد واستفزاز صارخ لمشاعر الجنود والضباط المصريين، فكان القناصة والجنود يطلقون عليهم النيران حتى توقفت تلك الرحلات، ومن أهم هذه الاستفزازات بناء الساتر الترابي وخط بارليف امام أعيننا وكأنهم استوطنوا هذه الارض ولسان حالهم يقول انها أصبحت ملكاً لهم ولن يخرجوا منها.
وحدث معي أنا استفزاز بعد النكسة مباشرة حيث كنت في موقع لانتظار الجنود المنسحبين وكان يوجد لدينا في هذا الموقع دبابتان، فأرسل الينا أحد الضباط الصهاينة خطاباً مع جندي أسير وطلب منه أن يسلمها للقائد المصري وقال فيها ان منظر الدبابتين المصريتين يستفز مشاعر الجنود عندنا وعليكم القيام باخفائها بعيداً عن أعيننا والا فسنقوم بتدميرهما.
وأؤكد أن حرب الاستنزاف كانت نصرا لمصر ولذا سارعت أميركا لانقاذ اسرائيل عبر مبادرة روجرز لوقف اطلاق النار، حيث عرض وزير الخارجية الأميركي وليام روجرز ثلاث خطط على كلا الجانبين الخطة الأولى كانت في 9 ديسمبر 1969، ثم يونيو 1970، ثم 4 أكتوبر 1971، وتم رفض المبادرة الأولى من جميع الجوانب، وأعلنت مصر عن موافقتها لخطة روجرز الثانية حتى نكسب وقتاً أكثر لتجهيز الجيش كما قلت، وأدت هذه الموافقة الى وقف القتال في منطقة قناة السويس.
مبادرة روجرز
ولماذا قبل عبد الناصر «مبادرة روجرز»؟
كنا قد حققنا الكثير من الأهداف في الاستنزاف، وكان يجب التوقف لاعداد خطة الحرب الهجومية الشاملة والتدريب عليها وتنفيذها على أرض الواقع من دون هجمات من سلاح الطيران الاسرائيلي، وكان أكثر من ثلثي الجيش المصري قد عبر القناة في العمليات الصغيرة التي كانت تتم في سيناء وواجهوا الجيش الاسرائيلي وتم قتل وأسر الكثير من جنوده وضباطه، ومن أشهرهم الضابط دان افيدان بن أخت جولدا مائير.
وكان حائط الصواريخ قد تم بناء معظمه وتم توزيعه على حدود مصر من جميع الجهات، وما لم يتم بناؤه تم وضع هياكل من الكرتون أو شكائر الرمل على شكل منصات صواريخ وقواعد دفاع جوي، والتقطتها الأقمار الصناعية الأميركية وظنوا أنها قواعد حقيقية وتم الاتفاق على ألا يزاد عليها وألا يتم بناء قواعد جديدة وتم بناؤها فيما بعد أثناء سريان الهدنة.
وكان كل ذلك يتم رغم مماطلة الاتحاد السوفييتي في امدادنا بالأسلحة، وكانوا يردون علينا بردود غريبة، منها مثلاً عندما نطلب دبابات فيقولون لماذا؟ ان عدد الدبابات التي بحوزة الدول العربية مجتمعة «بدءاً من المغرب حتى اليمن ودول الخليج «يفوق ما عند اسرائيل، وهذا منطق غريب وتهرب واضح لأنه لا يمكن أن نأخذ السلاح الذي بحوزة الدول العربية ونتركها هكذا من دون أسلحة أو عتاد حربي تحمي به أراضيها.
لماذا كانت هذه المماطلة في امدادنا بالسلاح؟
كانت مصالحهم تقتضي الابقاء على حالة اللاسلم واللاحرب في الشرق الأوسط، لكي نظل في حاجة دائمة اليهم سياسياً وعسكرياً ولذلك كانوا يماطلون في امدامنا بالسلاح حتى لا نقوم بعمل عسكري.
ألم يكن يهمهم سمعة السلاح الروسي الذي تلقى الهزيمة أيضاً في نكسة 67؟
كانوا يتهموننا ظلماً بأننا نسيء الى السلاح الروسي الذي انتصر في حرب الهند وباكستان عام 1971، واشك أنهم كانوا يزودون الأعداء ببعض المعلومات عن الجيش المصري.
لماذا استقر الأسطول الروسي في بورسعيد بعد النكسة؟
لأنه يريد التواجد في المياه الدافئة والبعد عن مياه البحر الأسود وبحر الشمال التي تتجمد في الشتاء، وكان هناك مركز تبادلي للأسطول الروسي في مرسى مطروح وتسهيلات في الاسكندرية، كما أن وجود الأسطول الروسي بالقرب من قناة السويس وهي أكبر ممر ملاحي في العالم يتيح للسوفييت الضغط والتأثير على القوات الأميركية والتهديد بمنع قواتها من عبور القناة اومهاجمتها في أكبر ممر ملاحي.
ولماذا قبلت القيادة السياسية في مصر في ذلك الوقت بذلك؟
لتحقيق أهداف عدة، منها كسب ودهم لامدادنا بالسلاح وأيضاً تواجد الأسطول الروسي في القناة يمنع مهاجمة بورسعيد والمناطق المجاورة له، وبعد ذلك بسنوات غادر الأسطول الروسي القناة ومطروح وألغيت التسهيلات التي كان يحصل عليها في مدينة الثغر.
وماذا حدث بعد ذلك؟
في 28 سبتمبر 1970 توفي الرئيس جمال عبد الناصر، وقدم خلفه أنور السادات في فبراير 1971 لمبعوث الأمم المتحدة غونار يارينغ، الذي أدار المفاوضات بين مصر واسرائيل حسب خطة روجرز الثانية، شروطه للوصول الى تسوية سلمية بين مصر واسرائيل وأهمها انسحاب اسرائيلي الى حدود 4 يونيو 1967، ورفضت اسرائيل هذه الشروط ما أدى الى تجمد المفاوضات.
في 1973 قرر الرئيسان المصري أنور السادات والسوري حافظ الأسد اللجوء الى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرها العرب في حرب 1967، وكانت الخطة ترمي الاعتماد على المخابرات العامة المصرية والمخابرات السورية في التخطيط للحرب وخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الاسرائيلية والأميركية ومفاجأة اسرائيل بهجوم غير متوقع من كلا الجبهتين المصرية والسورية، وهذا ما حدث، حيث كانت المفاجأة صاعقة للاسرائيليين.
نصر 6 أكتوبر
نأتي الى حرب أكتوبر ماذا تقول عنها؟
حرب أكتوبر هي أقوى جولات الصراع العربي الاسرائيلي، وهي حرب لاسترداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق أن احتلتهما اسرائيل والمحصلة النهائية هي تدمير خط بارليف وعبور قناة السويس واسترداد أجزاء منها ومن ثم استرداد سيناء كاملة، واستخدمنا فيها أقوى وأنجح خطط الخداع الاستراتيجي على المستويين السياسي والعسكري.
هل كانت تعلم اسرائيل بوجود نية لدى مصر وسورية بشن حرب؟
كانت هناك معلومات تفيد فعلاً بذلك، ولكن ما سبق من خطط الخداع جعل قادتهم يتشككون في صدق تلك المعلومات، وفي مدى جدية مصر وسورية بشن حرب، حيث سبق تلك الحرب التعبئة العامة للجيش مرتين، ورفعت اسرائيل درجة الاستعداد القصوى، ولم تحارب مصر، وظنوا أن هذه المرة ستكون كسابقتيها، كما أننا نفذنا خطة خداع استراتيجي على الجبهة منها أننا جعلنا حركة الجنود والضباط على الجبهة عادية وليس فيها أي مؤشر على القيام عمل عسكري، ومن هذه الخطة أن يلعب أفراد من الجنود الكرة في صباح يوم 6 أكتوبر فيظن كل من يراقب الجبهة المصرية انه لا استعداد للحرب ولا نية حقيقية للقيام بعمل عسكري، وسبق ذلك طرد الخبراء الروس، والتمويه بأن كثيراً من ضباط الجيش المصري سيسافرون الى السعودية لأداء العمرة، وأيضاً أخبار عن زيارة الرئيس أنور السادات الأمم المتحدة في شهر أكتوبر، وكل ذلك كان من ضمن خطط الخداع والتمويه سياسياً وعسكرياً.
سلاح الشك
وتلقت الحكومة الاسرائيلية المعلومات الأولى عن الهجوم المقرر يوم 2 أكتوبر حيث تلقى رئيس المخابرات الاسرائيلية اشارة بذلك من عميل له في لندن فأخبر رئيسة الوزراء جولدا مائير بذلك وسافر بنفسه الى لندن ليقابل ذلك العميل، وفي نفس الوقت سافرت جولدا الى النمسا لحل مشكلة اليهود المهاجرين الذين أتوا من روسيا واستقلوا القطار الى النمسا ليتوجهوا منها الى ألمانيا وتم خطف القطار من قبل فدائيين فلسطينيين، فأرسلت مصر وزير الخارجية اسماعيل فهمي بخطاب الى المستشار النمساوي كرايسكي وكان صديقاً لمصر مفاده أن خطف الطائرات وقتل الاسرائيليين في العالم سببه حالة اللاسلم واللاحرب، وأن مصر على استعداد للسلام والقبول بمفاوضات مع اسرائيل اذا وافقت الأخيرة على السلام ونبذ الحرب، فأخذت جولدا هذا الخطاب وهي سعيدة ومنتشية به وكان هذا الخطاب من ضمن خطط الخداع والتمويه، وعندما عادت وعقدوا اجتماعاً لمجلس الأمن الاسرائيلي في الخامس من أكتوبر وجلسة رئيسة الوزراء الاسرائيلية مع بعض وزرائها في جلسة طارئة في تل أبيب عشية العيد وأخبروها بوجود معلومات مؤكدة عن شن مصر وسورية حرباً ضد الكيان الصهيوني فردت عليهم جولدا قائلة: أي حرب وهم قد أرسلوا الي خطاباً أثناء سفري الى النمسا يدعونني فيه الى السلام ووقف الحرب، فتشككوا فيما ورد اليهم من أخبار عن شن حرب من قبل العرب عليهم، واستمرت الجلسة بهم وبحثوا أسباب التحركات المصرية والسورية، فرجحوا أنه الخوف من قبل العرب أن تشن اسرائيل حرباً عليهم وقالوا علينا أن نرسل اليهما برسالة تطمين عن طريق الأمم المتحدة، وهنا يبرز عنصر مهم في خطة الخداع وهي كيف تقتل عدوك بالشك وتجعله يتشكك في المعلومات التي لديه ولا يثق فيها.
وقد اعترف مدير المخابرات الحربية الاسرائيلية في حرب أكتوبر ايلي زعيرا الذي يصفونه في اسرائيل بأنه «مهندس الهزيمة»، بدعوى أنه السبب الرئيس فيما لحق بالجيش الاسرائيلي نشر مؤخرا كتاباً يحمل اسم «حرب أكتوبر الأسطورة أمام الواقع»، اعترف فيه بأن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير، مشيرا الى أن السبب الرئيس في الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة الى رئيسة الوزراء، ودون تحليل من الموساد على أساس أنها موثوق بها.
وأعطى هذا المجلس تفويضاً لجولدا ووزير الحربية ورئيس الأركان بالتصرف اذا نشبت الحرب، وكانت قد اجتمعت صباح ذلك اليوم مع وزير الزراعة بارليف الذي أنشا خط بارليف.
وسألته عما سيكون عليه الحال اذا شنت مصر وسورية حرباً فطمأنها بأن خط بارليف لا يمكن اقتحامه ولا تستطيع قوة في العالم تدميره الا باستخدام القنبلة الذرية ومصر ليست لديها قنابل ذرية، واكد لها استحالة نجاح أي هجوم مصري، ودفع الشك رئيسة الوزراء الاسرائيلية الى استدعاء رئيس الأركان وقتها ديفيد بن اليعازر بعد الاجتماع وأخبرته بما قاله بارليف، وسألته عن رأيه كخبير عسكري وكمسؤول في الوقت نفسه عما يجب عليهم أن يفعلوه ازاء تلك الشكوك بشن مصر وسورية حرباً.
فقال لها: علينا وضع الطيران في حالة الاستعداد القصوى، ولكن لم يكن الوقت كافياً لتجنيد قوات الاحتياط التي يعتمد الجيش الاسرائيلي عليها.