مركز الأهرام للدراسات

الوساطة المصرية فى مواجهة حسابات التصعيد بين إسرائيل والجهاد

profile
  • clock 13 أغسطس 2022, 1:45:31 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بادرت إسرائيل بالهجوم على قطاع غزة، 5 أغسطس الحالي، فى سابقة هى الأولى فى المواجهات التى دارت بينها وبين الفلسطينيين منذ عام 2008 حتى آخر مواجهة فى مايو من العام الماضي. بررت إسرائيل عدوانها هذه المرة بأنه جاء كعملية استباقية، بعد أن قدمت أجهزتها الأمنية تقريرا باحتمال وقوع هجوم من جانب جماعة الجهاد الفلسطينية ضد المدن الإسرائيلية فى الجنوب المحاذية لقطاع غزة.

إقدام إسرائيل على البدء بالعدوان جرّدها من الحجة التى استخدمتها فى أربع مواجهات سابقة بأنها تأتى ردا على قيام الجماعات الفلسطينية فى غزة، وعلى رأسها حركة حماس، بإطلاق صواريخ صوب المدن الإسرائيلية. كانت تلك الحجة تبدو مقنعة لقادة الدول الأوروبية والولايات المتحدة وتساعد إسرائيل على استمرار عدوانها فترة طويلة. ولكن مع فقدانها هذه الذريعة كانت إسرائيل راغبة فى إنهاء عملياتها ضد مواقع تنظيم الجهاد بأسرع وقت ممكن.

على الجانب الآخر كان تقدير أجهزة الأمن الإسرائيلية أن حركة حماس لن تقف مع تنظيم الجهاد لأسباب عديدة، أهمها، رغبة الأولى فى أن تثبت للداخل والخارج أنها المتحكم الوحيد فى قرارات الحرب والتهدئة مع إسرائيل. ومن هنا، يمكن القول إن توسيع الهوة وانعدام الثقة بين حماس والجهاد، كان أحد أسباب إطلاق إسرائيل عدوانها، جنبا إلى جنب مع سعيها لتذكير الدول الكبرى التى تتفاوض مع إيران للعودة للاتفاق النووى حاليا، بأن الأخيرة لا تزال تدعم الجماعات التى تهدد أمن المنطقة ومنها حركة الجهاد.

وأخيرا، كان المعسكر المناوئ لبنيامين نيتانياهو- زعيم المعارضة الذى ترشحه الاستطلاعات للعودة لرئاسة الحكومة- يستعد لاستثمار المواجهة مع الجهاد لدعم تحالف حزبى «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد (رئيس الوزراء فى الحكومة الانتقالية الحالية) و«كاحول لافن» بزعامة بينى جانتس وزير الدفاع فى الانتخابات التى ستجرى فى مطلع نوفمبر المقبل.

وحسب تقدير الحزبين، سيمثل خروج إسرائيل تحت قيادتهما من المعركة مع الجهاد فى أسرع وقت وبدون خسائر فى الجنود أو بين سكان مدن الجنوب مع تذكير الناخبين بأنهما بادرا لضرب الجهاد لمنع اعتداءات محتملة ضد إسرائيل على عكس ما كان يفعله نيتانياهو الذى كان ينتظر وقوع الاعتداءات من غزة ليقوم بالرد عليها، رسالة فحواها: نحن الأكثر نجاحا فى حماية أمن إسرائيل من نيتانياهو ومعسكر اليمين.

الجهود المصرية البناءة

العائق الأهم أمام ما كانت تصبو إليه إسرائيل، والذى ترجمه تصريح لوزير الدفاع الإسرائيلى بينى جانتس ذكر فيه أن «العمليات العسكرية الإسرائيلية ستستمر أسبوعا أو أكثر» هو سعى مصر المسبق لمنع وقوع الاعتداءات أو إجبار إسرائيل على تقصير مداها الزمني، وذلك من خلال الاتصالات الكثيفة للقيادات الأمنية المصرية مع الجانبين الإسرائيلى والفلسطيني، التى نجحت فى النهاية فى استثمار خوف إسرائيل من إطالة أمد المواجهات، وخوف تنظيم الجهاد من أن يجد نفسه بمفرده ودون دعم من حماس أو إيران داخل معركة لا يمكن كسبها، ومن ثم كان كلا الجانبين- إسرائيل وحركة الجهاد- على استعداد للتعامل الإيجابى مع مبادرة مصر لعودة الهدوء بين إسرائيل وقطاع غزة. الأهم من ذلك، أن الدور المصرى فى الأزمة قد تفادى الدخول فى معركة فرعية بين حماس والجهاد حول من له سلطة إدارة عمليات المقاومة ضد إسرائيل، وأصرت مصر على أن مبادرتها هى مبادرة من أجل حماية الشعب الفلسطينى بالدرجة الأولى، وأن اتصالاتها لإنهاء الأزمة لا تفرق بين أى من أطرافها المباشرة وغير المباشرة، وأنها تتعامل مع طرفين أساسيين هما إسرائيل والفلسطينيون، وأطراف دولية مساعدة تسلم بأهمية قيادة مصر لجهود استعادة الهدوء، وبالتالى أسفرت الجهود المصرية عن التوصل لإيقاف إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة الجهاد مع تعهد إسرائيلى بالتعاون فى ملف الإفراج عن بعض نشطاء الجهاد الذين ألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليهم فى أثناء الأزمة الأخيرة.

ولأن ما تم التوصل إليه بالجهود المصرية، يحتاج إلى إجراءات لبناء الثقة ودعم إيقاف إطلاق النار ليتحول إلى حالة هدوء كامل على حدود الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، فإن مصر التزاما بواجباتها تجاه الشعب الفلسطينى وتجاه الحفاظ على السلام والاستقرار سيتعين عليها مواصلة اتصالاتها مع كل الأطراف فى الأسابيع القليلة المقبلة لمنع عودة التدهور مجددا بين إسرائيل والفلسطينيين.

معركة محدودة

وفقا لتقديرات إسرائيل العسكرية، فإن حساباتها لم تكن بالأساس معركة مفتوحة، حيث تطلق عليها عملية جراحية، لاستهداف مستوى معين من القيادة فى حركة الجهاد. وبحسابات هذه التقديرات، فإن العملية العسكرية استمرت تقريبا نحو 55 ساعة، نشرت فيها القبة الحديدية فى وضع الاستعداد، وقيم أداؤها بنجاح بنسبة 97% لاعتراض نحو 1000 صاروخ.

قد تكون هذه النسبة من الناحية الشكلية مرتفعة إذا قورنت بالحرب السابقة التى دامت 11 يوما وأطلق فيها 4 آلاف صاروخ تقريبا، وبالتالى عمليا فإن هامش التقدم فى أداء المنظومة لم يختلف كثيرا. كذلك أداء الصواريخ التى أطلقت من القطاع إلى الداخل الإسرائيلى لم يشهد تغيرا كبيرا، حيث لم تستخدم «سرايا القدس» ما يمكن تسميته»الصواريخ الإستراتيجية».

لكن رغم محدودية زمن المواجهة، فإنها طورت عملية الاستهداف ميدانيا على أكثر من مرحلة، بدأتها بمستوطنات غلاف غزة على مرمى 10 كم تقريبا، وهي: صوفا، ونيرم، ونيرعوز، وكيسوفيم، ونيتفوت، وسديروت، والنصب التذكاري، وااستخدمت فيها قذائف الهاون وصواريخ جراد، وصاروخ القاسم التكتيكي.

ثم دخلت المرحلة الثانية سريعا مع مؤازرة ثلاث كتائب فلسطينية أخرى لسرايا القدس، وهى كتائب المقاومة الوطنية، وكتائب المجاهدين، وكتائب شهداء الأقصى، لتطلق عليها عملية «الساحات الموحدة» وتوسع مجال دائرة الاستهداف لدائرة قطرها نحو 80 كم، لتصل الصواريخ إلى مواقع مثل: لتسيون، وبات يام، وتل أبيب، وحولون، وعسقلان، وبيتسول، ومطار بن جوريون، وبئر السبع، مع تحول نوعى فى مجال الاستهداف غرب القدس، استخدمت فيه صواريخ بدر وبراق، لاسيما النسخة المطورة التى تصل إلى 120 كم، وتحمل رأسا متفجرا يزن 300 كجم.

وتضمنت التقارير الإسرائيلية الإعلان عن سقوط بعض هذه الصواريخ داخل القطاع، ما تسبب فى زيادة نسبة الضحايا، لكن يعتقد أن تركيزها على هذه النقطة هو محاولة للتملص من المسئولية عن وقوع ضحايا مدنيين، بالإضافة إلى الطعن فى قدرات الفصائل الفلسطينية.

ويعتقد بشكل أساسى، وبالنظر إلى أن إسرائيل هى التى بدأت العملية العسكرية ضد الجهاد، أن العملية لا تتوقف على حسابات القدرات. فمن المؤكد أن إسرائيل تمتلك قدرات عسكرية لا يمكن مقارنتها بقدرات الفصائل الفلسطينية مجتمعة. لكن رغم محدودية تلك القدرات فقد تسببت فى حالة طوارئ فى المجال الإسرائيلي.

فإن الجانب المحورى فى هذه العملية هو العامل الاستخباراتي، من حيث قدرة إسرائيل أولا على تحديد بنك الأهداف بدقة والوصول إلى القادة الثلاثة فى حركة الجهاد، بالإضافة إلى بنك الأهداف الخاص بمواقع الحركة العسكرية واللوجستية، وهو ما يطرح متغيرا يستدعى النظر فى شن إسرائيل عمليات عسكرية ضد فصيل واحد فى القطاع، وهو الجهاد وليس حركة حماس، بالنظر إلى الفوارق فى القدرات من الناحية العسكرية، عندما تكون حماس خارج حسابات المعركة، وهو ما حرص عليه الجانب الإسرائيلي، الذى اتجه إلى القبول بإيقاف إطلاق النار حتى لا تدفع حماس إلى الدخول إلى ساحة المعركة وتضطر إلى توسيع نطاق وزمن العملية.

على الجانب الآخر، ربما تشكل هذه المعركة القصيرة جدا بين إسرائيل والجهاد حالة خاصة فى تقييم الأداء الاستخباراتى للفصائل، من جهة، ومن جهة أخرى، الاستعداد للهجمات المباغتة. صحيح أن الجانب الفلسطينى (الفصائل) كانت لديه استجابة للرد السريع، وإطلاق دفعات هائلة من الصواريخ بلغت 100 فى المرحلة الأولى، لكن يجب الوضع فى الاعتبار أن كل صاروخ ستطلقه المقاومة لن يصل إلى هدفه بالضرورة فى ظل قدرات الاعتراض الإسرائيلية، وهى ميزة ليست متاحة لدى المقاومة، فى حين أن كل صاروخ ستطلقه إسرائيل سيصل إلى هدف فى القطاع، سواء مدنى أو عسكري، وبالتالى فالمرتقب أن تبدأ حسابات التقييم مرة أخرى، خاصة من جانب حماس، إذا أقدمت إسرائيل على شن عملية مباغتة ضد الفصائل الأخرى لاسيما الجهاد، وهو ما يمكن أن يسقط الهدنة إذا ما اتسع مجال الضربات الإسرائيلية.

حسابات الفصائل

فى مواجهة إعلان إسرائيل استهداف حركة الجهاد الإسلامى عبر الهجمات التى شنتها ضد قطاع غزة، تحت عنوان كبير هو «عملية الفجر الصادق» تعاملت الجهاد وغيرها من الفصائل، وخاصة حركة المقاومة الإسلامية- حماس، بالشكل المتوقع والقائم على إعلان وحدة الفصائل فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. ويتسق الموقف العام مع تراكمات ظهرت واضحة خلال تصعيد الجهاد للغة المواجهة مع إسرائيل على هامش تدهور الأوضاع الصحية للأسير هشام أبو هواش فى يناير الماضي، وتوسيع قواعد الاشتباك لتشمل أوضاع الأسرى، التى عادت للواجهة مع قيام إسرائيل بالقبض بشكل مهين، فى 3 أغسطس الحالى ، على بسام السعدى القيادى فى الجهاد.

وبعيدا عن الاتفاق العام على أن المعركة تتجاوز فصيلا محددا وتستهدف الشعب الفلسطيني، وأهمية الحفاظ على العمل الجماعى كما حدث فى معركة «سيف القدس»، ظل اشتباك الفصائل، وخاصة حماس، مقيدا وربما محايدا مقارنة بالدور المفترض من قبل البعض. وبدورها حرصت الجهاد على تأكيد التوافق الفلسطيني، وإبراز موقف حماس الرافض للاعتداءات والمؤكد على تحمل إسرائيل المسئولية، وأطلقت على عملية المواجهة اسم «وحدة الساحات» بكل ما يحمله الاسم من رسائل رمزية على صعيد الفصائل والجغرافيا. وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده زياد النخالة، الأمين العام للجهاد، على هامش التوصل لاتفاق إيقاف إطلاق النار بوساطة مصرية، مساء 7 أغسطس الحالي، أعاد تأكيد تماسك المقاومة وأهمية دعم ومساندة الفصائل، بما فيها حماس، والشعب الفلسطينى للحركة.

حماس وسؤال الغياب

ظهر واضحا على هامش الاعتداءات الإسرائيلية، والرد الذى تمحور بشكل أساسى على حركة الجهاد، التساؤل حول الرقم اللغز الذى تحدث عنه يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى غزة، بعد معركة «سيف القدس» فى مايو 2021 حين طالب الجميع بتذكر الرقم «1111». ولم تساعد التصريحات التى ربط فيها تاليا بين الرقم المعلن، بوصفه تاريخ وفاة الرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات، وخطط إطلاق عدد مماثل من الصواريخ فى المواجهة القادمة مع إسرائيل، فى التعامل مع ما ارتبط بالرقم من تفسيرات وآمال تتعلق بصفقة تبادل الأسرى المنتظرة.

ومع تجدد الاعتداءات الإسرائيلية فى أغسطس الحالي، وغياب حماس عن ساحة الفعل العسكري، طرحت تساؤلات عن موقف الحركة، ورقم السنوار، والرشقات الصاروخية المفترضة وموقعها من مشهد الاعتداءات الإسرائيلية والخسائر البشرية والمادية. وزاد من التساؤلات احتفاء إسرائيلى بعدم مشاركة حماس فى إطلاق الصواريخ، والتعامل مع موقف الحركة من قبل البعض بوصفه «الإنجاز الأهم» فى تطورات المشهد الراهن. وأعاد موقف حماس للواجهة عدم تدخلها عندما استهدفت إسرائيل الجهاد فى 2019، وقامت باغتيال القائد فى سرايا القدس- الجناح العسكرى للجهاد، بهاء أبو العطا، وطالبت حماس بالبقاء خارج دائرة المواجهة، كما حدث فى أغسطس الحالي.

ورغم التناقضات المتصورة ارتبط موقف حماس فى «وحدة الساحات» بالهدف الأساسى للحركة والأطراف المعنية، بما فيها الفصائل وإسرائيل والأطراف الإقليمية والدولية، والتوافق بين تلك الأطراف، ورغم اختلاف الأسباب على أهمية التوصل إلى تهدئة سريعة. وتطلب تحقيق هدف تجنب الحرب المفتوحة ضرورة الحفاظ على التصعيد فى إطاره المقيد من أجل تعظيم فرص التهدئة، وعدم مشاركة حماس فى الرد العسكري، وتقييد نطاق الرد الذى تقوم به الجهاد، وعدم تجاوز إسرائيل لما يفترض أنه استهداف مقيد ضمن بنك أهداف يخص الجهاد.

عامل الوقت وفرص التصعيد

رغم تشكك البعض فى مشاركة حماس والحديث عن إمكان بقاء الحركة خارج ساحة المواجهة بشكل كامل، يصعب تصور مثل هذا المشهد فى ظل التطورات التى شهدتها الأحداث منذ حرب غزة الرابعة، والتنسيق بين حماس والجهاد فى العديد من اللحظات الفارقة والمهددة بالتصعيد، والعنوان الكبير الذى تتحرك فيه الفصائل الخاص بمحور القدس وصعوبة إسقاط خيار المقاومة بالمطلق.

ووفقا لهذا، ظل ظهور أبو عبيدة- المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكرى لحماس، ممكنا ورهنا بالتطورات وأمد المعركة، حيث توفر هشاشة حالة التصعيد المقيد وسهولة خروج الأوضاع عن السيطرة، والخسائر البشرية والمادية، واستهداف قادة للجهاد فى الضفة الغربية وغزة، الفرص الضرورية لتطور التصعيد وزيادة الفاعلين ومجالات التأثير.

وكان من شأن استمرار التصعيد دخول حماس على ساحة المواجهة العسكرية بهدف تجنب التأثيرات السلبية المحتملة على مكانة وقيمة ومصداقية الحركة، وخاصة مع الحديث الإسرائيلى عن إنجاز تغييب حماس بكل ما يحمله هذا الخطاب من تأثيرات داخلية وما يطرحه من تساؤلات عن تحقق «وحدة الساحات» على أرض الواقع. إلا أن العامل المؤثر فى المشهد القائم كان قدرة الوسيط المصرى على التوصل إلى تهدئة قبل المزيد من التدهور فى اتجاه الحرب.

________________________________

نُشر أيضا بجريدة الأهرام، 9 أغسطس 2022.

سعيد عكاشة

خبير مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية  

عبير ياسين

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

أحمد عليبه

باحث - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

التعليقات (0)