- ℃ 11 تركيا
- 2 مايو 2024
ام عكاز قصة قصيرة
زهيرة بنت الشيخ عبود مصطفى عبود ، كل قريتنا تحكي عنها ، رغم جمالها وحلاوتها ترفض الزواج من العرسان . البنت لا يعيبها شيء ، يروي أهل النجع عنها الكثير من الحكايات ، يتندرون على طوابير العرسان الذين رفضتهم ، معظم نساء نجعنا يتمنون ظفر عريس ممن يتقدمون لها ، هكذا قالت أحاديثهن الجانبية وهم يتحدثون في غيظ عن زهيرة وأفعالها التي لا ترضيهن ، والتي كانت السبب في وقف حال بناتهن، وانتظار شباب النجع لموافقة زهيرة على أي واحد فيهم.
تصف جدتي ( أم عكاز ) زهيرة بأنها بدر البدور ، أقول لها
- يا جدتي هي يعني أحلى من نجلاء فتحي ، ولا سعاد حسني ، ولا زبيدة ثروت .
ترد علي بعد أن تغمض عينا ، وتفتح الأخرى ، وتحرك حواجبها لأعلى وأسفل ، وتلاعب غمازها الذي ما زال يظهر بين ثنايا التجاعيد.
- أحلى منهم كلهم ومن نانسي عجرم، وعبير صبري ، ومن حقها ترفض أي حد ، حتى لوكان اللي عاوزها معاه مال نجيب ساويرس ، وامبراطورية أبوهشيمة .
أضرب كفا بكف .، وأتحدث في استغراب .
- جدتي طلعت عااااارفة أبو هشيمة وساويرس.
ثم افرغ طاقتي في الضحك أمامها ،وأشير بإصبعي السبابة ساخرا تجاهها ؛ترفع عكازها لأعلى ثم تهوش به في الهواء لتخيفني ، ثم تقول في جدية
- وممكن أضربك بالعصايا دي ولا حد في البلد يقدر يحميك ، انت عاملني بامشي بيها ، علشان أهش النعجات اللي قدامك بس، لا وألف لا كمان .
ثم فاجأتني بحديثها الفصيح .
- هذه عصاي أهش بها على غنمي ، ولي فيها مآرب أخرى .
ثم ضربتني على رأسي ضربة حقيقية ؛ كادت أن تفقدني توازني ، على إثرها كانت زغللة قد تملكت من عيني ، وشعرت بالدوار قليلا ، بالكاد حافظت على رباطة جأشي ، حاولت أن أقف متوازنا ، قلت لها وأنا أفرك رأسي ، وقد استندت لجذع النخلة ( المجوز) التي بالقرب مني .
- فاكره نفسك بت القبايل ياك ، ليه حنان مطاوع هتضربي الرجالة ، والله لولا ما انت جدتي ، لكان وريتك .
نظرت إلي وابتسامة مملوءة بالخوف علي من اثر الضربة ظهرت من خلال بؤبؤ عينيها العسليتان ، اللتان شاهدت نفسي فيهما ، ثم قالت برباطة جاش .
- واضرب نص نجعكم بيد واحده يا ود حمدوك .
- مالك ومال أمي ، لأحسن اجيبهالك ، تطحنك طحن ، وتعجنك عجن ، وتعملك عيش رغفان كد قرص الشمس ، وأنا علي أكلك وكل ، وألهطك لهط .
من قريب ظهرت أمي حمدوك ، وعندما دنت أكثر بان من ملامحها أن كلامي انصب في أذنيها ،باغتتني بكلامها الذي يبدو أنها حاولت أن تقضي به على خوفها من أمها أم عكاز ، تكلمت وهي تحاول أن تظهر شيئا من الجدية على وجهها ، نظرت تجاهي بعد أن وضعت خلفها أم عكاز ثم هزت وجهها مدعية استنكارها لما أقول
- تاكل مين يا ود الفطيس، والنبي لو ألحقك لربطك في النخلة (السباقية) .
تجلس جدتي ، ثم تأخذ في الضحك حتى تستلقي بظهرها على الأرض .
- تربطيه يا بت أبشنب في النخلة السباقية ،علشان ياكل أحلى بلح ، هه .
ثم ضربتها على أردافها بعصاها ؛ جرت حمدوك منها بسرعة خوفا من ضربات متتالية من أم عكاز ، ثم أكملت أم عكاز حديثها .
- أمممم، وي وي ، لااااااا طلعيه انت أحسن فوق ، واطلعي انت كمان معاه ، ودبوا بطنكم منها .
ثم زعقت بصوت قوي.
- قومي فزي انت ولدك ، غديه في بيتكم ، وخديلك شوية لبن ماعز ، يروي جتته ، تخليه شجرة سنط ، بدل ما هو عامل زي السسبان المخوخ ، ولا أقولك ولدك آخره عود خروع .
تضربني أمي على صدري ، ثم تتحدث بصوت زاعق.
- أهيك خليتنا نتهزأ من أم عكاز .
أجري بعيدا عنهما ثم أصرخ
- لاااااااا لااااااااا ، لبن ماعز لااااااااااا
- يابن الرفضي ، انت كنك شربتك حمدوك لبن حمير انت وصغير ، مخه عامل زي هاني رمزي في غبي منه فيه ، والنبي هاني رمزي فيه الهون .
- شايفه يا حمدوك أمك مثقفة ازاي ، أنا نفسي أخدها معاي في المدرج ، واقعدها في البنش ، هتخلى المدرج مسخرة والله .
ترفع عصاها لأعلى ، بينما أنا وحمدوك نجري بعيدا عنها ، ونستمر في الضحك بصوت عال .. من خلف النخلة لمحت جلباب( عقاوي) ، حاول الامساك بي ، لكنني تخلصت منه وجريت ؛ وقع شاشه على الأرض ، ضحكت جدتي وقالت
- قطع الرقاب ولا هد العمم ، أهو برج القاهرة وقع .
ثم أمسكت الشاش بطرف عصاها ، وأعطته لعقاوي الذي اصطنع أنه لم ينتبه لما قالت ، وبعد أن رتب شاشه فوق رأسه ، تكلم بصوت أجش.
- جدتك دي أحسن من مادلين أولبرايت في ذكاءها وشدتها .
قلت له
- مين مادلين وأولبرايت دول اللي بتتكلم عليهم .
ردت أمي في صوت ساخر.
- مادلين أولبرايت دي الخياطة بتاعت أمي ، كانت بتغزل عندها صوف النعاج.
تصرخ جدتي في صوت مرعب وكأنها تحاول إخافة عقاوي ، وفي نفس الوقت توجه كلامها لي .
- رجع النعاج اللي هناك ، وخد أبوك اللي عامل نفسه سعد زغلول وآخره نجاح الموجي ، ومشي معاه أمك اللي عامله نفسها رضوى عاشور وأخرها سعاد نصر .
ثم ترفع عصاها فنجري ثلاثتنا ناحية النجع وسط الزراعات الكثيفة ، ونترك أم عكاز وسط غنماتها ترعاهم وتستأنس بهم ، تجلس تحت النخيل ، تشرد مع نفسها ، تقول الشعر أحيانا ، وتغني أحيانا ،وتبكي أحيانا ، وعند آخر النهار تسير أمام غنمها ، ويسير الغنم خلفها في نظام كأنهم أولاد يجرون خلف أمهم ، أو كأنهم تلاميذ في مدرسة نظامية يسيرون بانتظام في صفوف متراصة نحو فصولهم بعد نهاية طابور الصباح ، أسأل حمدوك .
- مين مادلين ومين أولبرايت يامه.
- مش فلتلك الخياطه .
- مادلين الخياطه ومين اولبرايت طيب !
- عيب يا وليه ، قولي الحقيقة لولدك ، مادلين أولبرايت دا اسم واحد بس ، مش اتنين ، وقريبتنا قوي .
- ياسلاااااام .
- مادلين دي اخت جدتك شقيقتها طوالي ، مولودين في بطن واحده ، توأمها يعني .
- صح يابا ، بتتكلم جد !
ينظر عقاوي لحمدوك مخاطبا اياها
- الود دا حمار زي يونس شلبي في مدرسة المشاغبين .
تقول حمدوك وهي تضحك تجاهي بسخرية
- هو يطول على الأقل هيقول أبويا اتحرق ..أبويا تحرق .
يجري خلفي ؛ فيقع على الأرض ، ويستمر في الضحك ، وسعال كثيف يخرج منه. أقف له وأجعله يمسكني ، يربت على كتفي بكل حنان الدنيا ثم يقبلني فوق رأسي.
- مادلين دي وزيرة خارجية أمريكا ، وكانت مره شديده قوي .
تكمل حمدوك حديث عقاوي
- وأبوك شبه أم عكاز بيها وهي عجوزة ومش حلوة زي هيلاري كلينتون ، لو شبهها بهيلاري كلينتون ، ولا ايفانكا ترمب مكانش زعلت مننا ،طيب يا أخي سميها حتى زي نانسي بيلوسي .
يؤيد عقاوي كلامها
- أم عكاز أشد من نانسي بيلوسي ، لو كانت في أمريكا مكانش حد في المتظاهرين قدر يدخل مبني الكابيتول .
- متاخدناش في الكلام يا خوي ، أمال مين رضوى عاشور دي .
- أم تميم .
تصرخ ، ثم تسكت فجأة ، ثم تقول
- تميم مين .
- تميم البرغوثي
- استني يامه .. تميم البرغوثي دا أنا أعرفه ، أصلي حافظله بيت شعر
يا نرمين خلقت خجولا سوى في اثنتين الهوى والغضب .
- شوف الواد ياسمين خلاها نرمين
تضرب حمدوك على صدرها وتقول
- مين نرمين دي يا واد .
- اسكتي يا حمدوك جوزك بيضحك عليكي ، ويقولك أم تميم ، الخوف ليكون متجوز من وراكي ومخلف واد ، وكمان يمكن يطمعوا ويقسموا في البقرة اللي حيلتنا .
- صح انت متجوز ، هانت عليك العشرة يا عقاوي ، هانت عليك البقرة والواد اللي حيلتنا ، ف الآخر مخلف ود ومسميه تميم كمان .
يخلع عقاوي جلبابه ويسير بالسديري والسروال ، ويجري أمامنا حتى يصل للبيت ،ونحن نجري وراءه ، والناس يشاهدوننا ويضربون كفا بكف ، أحدهم يعلق .
- أهه دول المجانين أكتر من زهيرة بنت الشيخ عبود مصطفى عبود ..
ندخل بيتنا ، تعد حمدوك لنا الطعام بسرعة ، نجلس على الطبلية ، نهجم على الأكل .
- أهي زهيرة اللي بيقولوا عليها دي أعقل واحدة في البلد يا ولدي .
- هي كل واحدة تاخد كلية تتشرط على العرسان ، علشان هي حلوة يعني ، وأبوها شيخ محترم والناس بتحبه .
تؤيد حمدوك كلامي .
- وكمان الشرط الأمر والأتعس ، إن كل اللي يتقدملها ، تقوله روح هات موافقة أم عكاز الأول ، الراجل نفسه يشوف البت لابسه فستان الفرح ، وباين عليه دا مش هيحصل ؛لأن اللي يروح لأمي المفتي أرحم له منها .
ثم تسكت برهة وتشرد مع نفسها ، وكأنها تتأمل شيئا مهما ، ثم تنظر لعقاوي وعجب يظهر على ملامحها .
- لكن ازاي وافقت عليك أم عكاز يوم ما اتقدمت لي من دون خلق ربنا .
يضحك عقاوي وينظر اليَّ ويقول .
- أمك جالها زهايمر ، مفكراش الاختبار اللي كانت عملاه أم عكاز للعرسان .
- ايه الاختبار يا عقاوي .
قلتها وأنا أضحك في وجه أبي وأتخيل أن جدتي أقامت له مقلبا صعبا .
- بص يا أبولسان زفر ، أنا كان رقمي في المتقدمين 17.
- زي فرقة حسب الله يعني .
- اسكت يا بن الفطيس واسمع كويس .
- قول يا عقاوي .
أقولها وأنا أستمر في الضحك عليه .
- عملت مخمرة من الطين ، تقولشي حمام سباحة ، وقالت لكل واحد متقدم ، دور في المخمرة على الجنيه الدهب ، اللي أنا رمياه في الطين ..وكل واحد يدور ميلقيش جنيه الدهب ، ويطلع منها مطين بستين طين ، وميلحقش العروسة .
- وانت عملت ايه .
- نزلت المخمرة وطلعت 3 جنيه دهب .
- ازاي ، جدتي فعلا كانت حاطة فلوس دهب!
- لا
- وي وي وي
- طلعتهم من جيبي وبلبطتهم في الطين وقلت لها .، خدي فلوسك يا أم عكاز.
- يا بن الايه يا بوي ، دا انت لبط .
قلتها وجريت بعيدا عنه ، ضحك عليَّ واستمر في حديثه .
- جدتك زكيه وبتفكر بطريقة مختلفة .
- طيب وبتعمل في الناس اللي بتتقدم لزهيرة .
- كل واحد تقعد تهري فيه أسئلة ، وبعدين تطلب إن أمه تزغرد ؛ ونبص نلاقي الجوازه فاشلة ومنجحاش.
- طيب امتى هتتخطب بت الشيخ عبود مصطفى عبود ، ومين هيجاوب على الأسئلة .
- المشكلة مش في الأسئلة يا ولدي .
نرد أنا وأي في صوت واحد .
- أمال ايه يا عقاوي .
- المشكلة إن مفيش حد بيعرف يزغرد في النجع يا ولاد الفطيس .
كلمات دليلية
التعليقات (0)
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
خميس, 02 مايو 2024
قلق إسرائيلي من إدراج "تل أبيب" على "القائمة السوداء" للأمم المتحدة خميس, 02 مايو 2024
صحيفة عبرية: نتنياهو حاول تقليص الصلاحيات الممنوحة لـ"الوفد المفاوض" الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس فنون وثقافة
ثلاثاء, 30 أبريل 2024
"قناع بلون السماء".. رواية للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بـ"البوكر" اثنين, 22 أبريل 2024
"أبو الشهداء".. قصيدة جديدة للشاعر أحمد سعيد بن راشد سبت, 20 أبريل 2024
الهيئة العالمية لنصرة فلسطين تصدر العدد الأول من مجلة "طوفان الأقصى"