باحث إسرائيلي: تل أبيب في 2022 ليست الدولة ذاتها قبل خمس دورات انتخابية

profile
  • clock 22 نوفمبر 2022, 10:33:24 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الناصرة- “القدس العربي”: يرى باحث إسرائيلي بارز أن إسرائيل اليوم مختلفة عما كانت عليه قبل الجولات الانتخابية البرلمانية المتتالية بدءاً من 2019، ويقول إن هناك أوجه شبه كثيرة ما بين الانتخابات الأخيرة وانقلاب سنة 1977، حينما انتصر “الليكود” على “العمل”، للمرة الأولى منذ انتخابات الكنيست الأولى عام 1949. ويوضح ميخائيل ميليشتاين، الباحث المختص بالشؤون الفلسطينية، في مقال نشرته “معاريف”، أنه في الحالتين (1977 و2022) تم انتخاب قيادة يمينية واضحة من معسكر اليمين، تريد أن تضع إسرائيل على مسار إستراتيجي جديد مختلف جوهرياً عن النظام القديم: حكم “مباي” الطويل و”حكومة التغيير” القصيرة العمر برئاسة بينيت ولبيد. كما يوضح أنه في الحالتين، كانت مشاعر الإحباط تسيطر على فئات واسعة في المجتمع الإسرائيلي اتسع تأثيرها بعد الانتخابات: الشرقيون في انتخابات 1977، والصهيونية الدينية اليوم.

انقلاب 1977

ويعتبر أن الانقلاب في سنة 1977 اتّسم بصعود قيادة تحمل رؤية سياسية ورأياً مختلفاً عن القيادة التي سيطرت قبل ذلك، لكن من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، دار الحديث عن ممثلين من طبقة “النخب” (العمل والليكود) تتشارك في عدة أمور، وبصورة خاصة في مجال تعريف المصالح الإستراتيجية الأساسية لإسرائيل والعلاقات بين فئات المجتمع، وما بينها وبين مؤسسات الحكم المختلفة. أما في الانتخابات الأخيرة، فقد تعززت قوة فئة ثورية تمثلت في الصهيونية الدينية، المعنية بتغييرات أساسية، داخلياً وخارجياً: الصورة الجغرافية لإسرائيل (تطبيق السيادة على الضفة الغربية، والتشدد بالخط المعتمد حيال السلطة الفلسطينية)؛ مكانة الدين في حياة السكان، والعلاقة بين السلطات، مع التركيز على تقليل تأثير المنظومة القضائية. لافتاً إلى أن هذا كله، من دون وضوح في السياسات المتبعة تجاه “المواطنين” العرب في إسرائيل، وأسئلة عديدة عن العلاقات الخارجية الإسرائيلية.

عدم الحفاظ على الوضع الراهن

ويتابع ضمن مقارباته بين الفترتين: “إذاً، يدور الحديث عن ائتلاف حكومي وشيك، على الأقل ربعه يريد تغييراً دراماتيكياً للواقع، ولا يريد الحفاظ على الوضع القائم. فقبل تنصيب الحكومة الجديدة حتى، هناك الكثير من المخاوف من الداخل والخارج، بعضها حزبي لكن بعضها أصلي وحقيقي ويرتبط بأسئلة الهوية والقيم والرؤية. لذلك، هناك حاجة إلى بعض الحساسية من طرف الحكومة المقبلة، وذلك لأنها من الممكن أن تؤدي إلى نمو بؤر توتُّر واحتكاك مستقبلية داخل المجتمع اليهودي، وكذلك توتر بين السلطة الحاكمة والمؤسسات الرسمية المختلفة، وبين الدولة والمواطنين العرب، وبينها وبين جاراتها في الساحة الإقليمية والدولية”.

أحزاب الرجل الواحد

ويتوقف ميليشتاين عند تغير هام آخر بقوله إنه، في ما يتعلق بالمنظومة السياسية نفسها، تظهر تغييرات أُخرى: تقريباً نصف أعضاء الكنيست المنتخبين الآن محسوبون على أحزاب لا تُجري انتخابات داخلية، وهو ما يعني مشاركة محدودة نسبياً في الحياة السياسية داخل الأجسام المنتخبة نفسها، ولذلك، من المفضل أن تُسمى “قوائم” أكثر مما هي “أحزاب”. منوهاً إلى أن الحديث يدور عن ظاهرة ليست جديدة (بصورة خاصة في الأحزاب الحريدية، وليس فيها فقط)، لكن حجم هذه الظاهرة ازداد، وخصوصاً في معسكر “الوسط”، حزب يوجد مستقبل، والمعسكر الرسمي، وإسرائيل بيتنا المحكومة كل منها من قبل شخص واحد بالأساس. ويقول إنه إذا كانت فروع الأحزاب سابقاً تشكل بؤر حياة سياسية في حياة الجمهور- في الأيام التي كانت فيها للأحزاب السياسية برامج وأفكار عميقة وواضحة ووظيفة مركزية في صوغ الهوية الشخصية والجماعية للمواطنين- فاليوم، يدور الحديث عن قوائم تمثل، في أغلب الأحيان، طريقة حياة قيمّية وصورة ثقافية عامة أكثر مما هي رؤية.

ويقول أيضا إن القوائم نفسها تعيش أكثر من مرة داخل الفضاء الافتراضي، في اللقاءات الجماهيرية، أو داخل الجلسات المنزلية (التي تزداد وتيرتها قبل الانتخابات) أكثر مما تعيش داخل مبانٍ ثابتة في الحيز العام، وتتحول أحياناً إلى رموز. ويرى أن “الليكود” إلى جانب “الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة” و”القائمة العربية الموحدة” وحزب “العمل” هي الأحزاب الوحيدة تقريباً التي لا تزال تحافظ على التقليد القديم، والتي تدمج ما بين دعوة الجمهور إلى المشاركة في اللعبة السياسية وبين وجود فروع للحزب كمواقع نشطة في الحيز العام، علاوة على اعتماد الحسم الديموقراطي داخل مؤسساتها.

العلاقات العربية اليهودية الداخلية

ويوضح ميليشتاين أن هناك اتجاهات عميقة أُخرى تعكسها هذه الانتخابات البرلمانية الأخيرة تتطرق إلى “القصة اليهودية- العربية” في إسرائيل.  منبها إلى أن انتخابات سنة 2022 أشارت، ليس فقط إلى فشل “تجربة” دمج حزب عربي في الحكم في إسرائيل (من الممكن أن يكون مؤقتاً)، إنما أيضاً إلى عمق الفجوة بين المجتمعيْن العربي واليهودي، وهو ما تشير إليه أنماط التصويت. وللتدليل على وجود هذه الفجوة يتابع: “فللتخوف من سيطرة العرب، الذي رافقه خوف من عودة “أحداث” أيار/ مايو 2021، وفقدان السيادة الواسع في مواقع مختلفة في الدولة (خاصة النقب)، دور مركزي في التصويت داخل الجمهور اليهودي الذي انزاح أكثر نحو اليمين المتطرف، وأجواء مشابهة يدلل عليها التصويت الواسع لحزب “التجمع الوطني الديموقراطي”، الذي كان على عتبة عبور نسبة الحسم.

ويضيف: “داخل المجتمع العربي، شكلت الانتخابات الأخيرة، إلى حد ما، نهاية السياسة القديمة. تلك التي بدأت تتفكك مع دخول ” القائمة العربية الموحدة” إلى الائتلاف وقيامها بخطوة “ثورية” برفض الوقوف جانباً، بل المشاركة الفعالة في اللعبة السياسية الإسرائيلية، وتلقت هذه السياسة ضربة عميقة مع تفكُّك “القائمة المشتركة” نهائياً عشية الانتخابات والضياع العميق بعد ذلك”.  ويقول ميليشتاين إن الحزبين المتنافسين- “الجبهة العربية للتغيير” – و”الموحدة” وجدا نفسيهما سوياً في المعارضة الآن من دون تأثير، في الوقت الذي بقي “التجمع” خارج النظام البرلماني، ويمكن أن يتحول إلى البديل الميداني خارج السياسة الرسمية، مستغلاً شعور الإحباط والخوف والاغتراب المسيطر على فئات واسعة من الجمهور العربي في أعقاب الانتخابات.

تغيرات الميزان الديموغرافي

 ويعتبر ميليشتاين، على غرار باحثين ومعلقين إسرائيليين آخرين، أن الانتخابات الأخيرة ليست فقط تعبيراً عن التغييرات في الرؤى أو المزاج العام للشرائح داخل إسرائيل، إنما تعكس أيضاً الميزان الديموغرافي الداخلي. ويضيف في هذا المضمار: “تعزّز قوة اليمين ليس نتيجة التوتر العربي- اليهودي فقط، و”موجات الإرهاب”، أو التغييرات في الساحة الإقليمية، إنما أيضاً حقيقة أن الوزن الديموغرافي للفئات المقربة من الرؤية ذاتها يرتفع في ظل ازدياد أعداد الحريديم والمستوطنين حيث نسبة الزيادة الطبيعية عالية جدا”. منوها إلى أنه لدى الجمهور العربي لا توجد الاتجاهات نفسها، إما بسبب المشاركة المنخفضة في الانتخابات، وإما بسبب نسبة الولادات التي تنخفض بالتدريج (اليوم نسبة الولادات لدى النساء اليهوديات في إسرائيل أعلى منها لدى النساء المسلمات، عدا في منطقة النقب).

البعد الثقافي

ويقول إنه في البعد الثقافي، عبّرت الانتخابات الأخيرة بشكل صارخ جداً عن وزن الجيل الجديد المولود ما قبل العام 2000 أو بعده بقليل ممن شهد بعضهم عة جولات انتخابية في السنوات الأخيرة. ويرى أن المميزات الأساسية العالمية لهذا الجيل تغلغلت إلى عمق اللغة السياسية، وأثّرت إلى حد معين في نتائج الانتخابات: مركزية شبكات التواصل الاجتماعي كأداة تمرير الرسائل والمعلومات وتشكيل رأي، والميل إلى مضامين سطحية وشعارات يتم فيها دمج أخبار كاذبة، وصعوبة في التعامل مع القضايا المعقدة، وتفضيل رد واضح، قاطع وسريع لمشاكل الساعة على محاولات تفسير الاتجاهات وتوضيح أنه لا توجد حلول سحرية (الحديث يدور عن نوع قيادات كانت موجودة سابقاً واختفت).

ويشير إلى أنه بعد ثلاثة أعوام ونصف من الفوضى السياسية المستمرة، حسمت إسرائيل طريقها الإستراتيجي، ويضيف: “صحيح أنها لا تبدو الدولة نفسها كما كانت عليه في نهاية سنة 2018. معسكر “اليسار” تقلص، وتقريباً اختفى، القصة اليهودية- العربية شهدت زعزعة عميقة، وبقيت كقصة مفتوحة يمكنها أن تنفجر، ويوجد عملياً معسكر سياسي- جماهيري واحد فقط تقف أمامه مجموعة من المؤسسات المتناقضة داخلياً، ولا يمكن القول إنها “معسكر”، استصعبت ولا تزال تستصعب العمل بتنسيق، والأسوأ أن تتوحد”.

تراجع قوة أعداء إسرائيل

 ويقول ميليشتاين إن دولاً أُخرى في العالم كانت ستنهار بسبب الفراغ السياسي والاستقطاب الاجتماعي المتصاعد، كما حدث في الأعوام الأخيرة. معتبرا أن “الأمراء” الذين ساعدوا إسرائيل لتنجح في عبور هذه الفترة كان المجتمع المدني المتماسك، والاقتصاد القوي، والمنظومات الأمنية والبيروقراطية المستقرة والمؤسساتية، بالإضافة إلى حقيقة أن أغلبية أعداء إسرائيل، وعلى رأسها إيران، تعاني بسبب ضعف عميق داخلياً، ومنشغلة بتحديات أُخرى، بدلاً من استغلال الحساسية الداخلية المستمرة، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي داخل إسرائيل”.

ويخلص ميليشتاين، الذي شغل منصبا رفيعا في الاستخبارات العسكرية، للقول إن إسرائيل ما بعد الانتخابات ليست هادئة أو متكتلة أكثر، ويتابع: العكس هو الصحيح. التوترات الداخلية يمكن أن تزداد في الواقع، بسبب المخاوف في أوساط الفئات المختلفة من تغيير دراماتيكي وسريع. الخطاب السائد الذي سيطر على الوجود الإسرائيلي في الأعوام الأخيرة- “نعم نتنياهو ولا نتنياهو”- ومنع النقاش في القضايا الإستراتيجية يتراجع، لكنه يترك الحيز لنقاشات محتدمة ومتوترة بشأن قضايا جوهرية”.

نصيحة للحكومة

في الخاتمة يرى ميليشتاين أن الحكومة الجديدة تحسن صنعاً إن فهمت بعمق التوترات الحقيقية الناتجة وتعمل على تفضيل الاستمرارية على تغييرات ثورية من شأنها تعميق التصدعات بين الإسرائيليين الذين ينزفون نتيجة خلافات داخلية طويلة ويتطلعون للاستقرار والمصالحة.

ويتابع: “أكثر من ذلك سيكون حيوياً لو دفعت الحكومة خطواتها بواسطة حوار موضوعي داخلي- سياسي وجماهيري- حول الطريق الإستراتيجية والقرارات الحاسمة المطلوبة في قضايا جوهرية بدلاً من محاولة فرض رؤيتها المستقبلية عنوة. صحيح أن الفائزين فازوا بالحكم بشكل واضح، لكن بدون حساسيات وفهم الواقع المركّب من شأنهم أن يجدوا أنفسهم أمام عواصف قاسية تمس بكل الإسرائيليين”. يشار إلى أن بعض الجهات الإسرائيلية سبق أن حذرّت في الماضي من خطورة الانقسامات الداخلية أبرزهم رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين، الذي قال، عام 2015، إن الخلافات العميقة بين الأسباط الأربعة داخل إسرائيل (غربيين وشرقيين ومتدينين وعلمانيين وعرب ويهود) أخطر من قنبلة إيران.

كلمات دليلية
التعليقات (0)