بيسان عدوان تكتب: السودان حروب بالوكالة " النموذج الاوكراني "

profile
بيسان عدوان كاتبة فلسطينية
  • clock 4 مايو 2023, 4:58:58 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يجعل الموقع الاستراتيجي المتميز والموارد الطبيعية، المتمثلة في المياه والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والمعادن، من السودان مسرحاً خصباً للصراع الدولي، في وقت يتزايد فيه التنافس بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين مع تحالف "بكين موسكو" على الهيمنة على النظام العالمي، خاصة بعد تفجر الحرب الأوكرانية وتداعياتها السلبية على الاقتصادات الغربية.

 

تشهد السودان حالياً أوضاعاً صعبة ومتغيرة، حيث يعاني البلد من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة، وتتصاعد التوترات الأمنية في البلاد، وذلك بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019. وبالرغم من إعلان الحكومة الانتقالية الجديدة عن تحقيق الاستقرار في البلاد وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، فإن الوضع غاية في التعقيد خاصة بعد احتدام الصراع على السلطة والاقتتال الداخلي بين الجيش والمليشيات لم يعد من الممكن العودة الي حالة التعايش بين الفريقين ضمن أي معادلة سياسية.. 

 

طرفي الصراع في السودان كلاهما نتاج هما نتاج الهندسة التي ابتكرها البشير للقوات المسلحة، وركني نظامه، ولكل من البرهان وحميدتي شبكة دولية خاصة به، ولدى كل منهما عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والثروات المعدنية والموارد الأخرى بما يكفي لإطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب بالوكالة تلاقي الصراعات الدائرة في سوريا وليبيا وأثيوبيا.

 

تركزت المصالح الدولية في السودان حول الاستثمار في ثرواته المعدنية لا سيما الذهب واليورانيوم والطاقة، وقد استفادت من مرحلة البشير الذي وجد فيها فرصة للتعويض عن العقوبات الاقتصادية وتحقيق السيطرة على جزء كبير من الاقتصاد وتشكيل طبقة من رجال الأعمال الموالية له، كما استمرت ما بعد البشير عبر سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع من خلال المجلس الانتقالي والفشل في انتقال السلطة السياسية. 

 

فالسودان، بما يملكه من ثروات، يُعدّ دولة في قلب التنافس العالمي على الموارد الطبيعية في أفريقيا بما تحويه من الذهب والمعادن الأخرى إلى البترول والغاز الطبيعي والمنتجات الزراعية والحيوانية، بينما تتيح الحرب الدائرة على الأرض بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"قوات الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مساحات أكبر لنفوذ المتنافسين دولياً.

 

يمكن اعتبار الصراع في السودان بمثابة نموذج للصراعات الإقليمية والدولية الأخرى، التي تتميز بالتدخلات الخارجية والتوترات السياسية والاقتصادية، والتي تهدد الاستقرار والسلام في البلدان المعنية. وعلى صعيد الصراع على النفوذ في السودان، يمكن النظر إلى ثلاث دول رئيسية، هي روسيا والصين والولايات المتحدة، إضافة إلى دول الإقليم العربي والأفريقي التي تخدم مصالح هذه الدول بالوكالة. ويتجلى دور الولايات المتحدة الأمريكية والصين. 

 

يرى الصحافي الأمريكي جيسون باترسون في مقال له في صحيفة "نيويورك تايمز" أن الحكومة الانتقالية في السودان تعاني من نقص في الدعم الدولي والموارد المالية، مما يجعلها ضعيفة أمام التحديات الاقتصادية والسياسية. ويذكر باترسون أن السودان يعاني من انخفاض حاد في الإنتاج النفطي وانهيار العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يزيد من الضغوط على الحكومة الانتقالية.

 

من جهته، يرى الكاتب البريطاني ديفيد غاردنر في مقال له في صحيفة "غارديان" أن الصراع السوداني يعكس توترات إقليمية ودولية أشد، إذ تتنافس القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في البلاد والمنطقة، وهو ما يعزز من حدة الصراع. ويذكر غاردنر أن الصين وروسيا تتدخلان بشكل واضح في الصراع السوداني، وذلك من خلال تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للحكومة الانتقالية والجماعات المعارضة، وهو ما يجعل الأزمة السودانية جزءاً من الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ والمصالح في البلاد.

 

بعد الإطاحة بالبشير في 2019، زادت واشنطن من تدخلاتها في السودان باعتبارها لاعب سياسي مهم على الصعيد الإقليمي، ولديه موانئ استراتيجية وموارد طبيعية هائلة، مثل الذهب والنفط واليورانيوم. وسعت إدارة الرئيس جو بايدن إلى إغراء الخرطوم بالفوائد الجمة التي ستجنيها من التقارب معها وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وعلى رأسها الإعفاء من الديون، والمساعدات المالية والاستثمار. 

 

كما ترى إدارة بايدن في السودان ساحة معركة رئيسية في الصراع الأكبر ضد صعود موسكو الجيوسياسية في القارة الأفريقية، وتستهدف من خلال السودان محاصرة النفوذ الاقتصادي لبكين في أفريقيا.

 

وبالنسبة لبكين، هناك الكثير من المواطنين الصينيين في السودان يعملون في البنية التحتية والخدمات، وكذلك في بقايا صناعة النفط. وكان السودان سادس أكبر مصدر نفطي أجنبي إلى الصين قبل فصل الجنوب، حيث وفر 5.5% من احتياجاتها.

 

ويرى محللون أن الموارد التي يحتوي عليها السودان المتنوعة، بين المعادن والنفط والمياه والزراعة، فضلا عن موقعه الاستراتيجي، باتت مهمة جداً للدول الأوروبية وأميركا والصين وروسيا، التي تبحث عن النفوذ والثروة في وقت تتراجع فيه مستويات المعيشة في أوروبا وتحاصر فيه الصين بصناعاتها الرخيصة الأسواق الغربية.

يرى محللون أن الدولة المهيمنة التي تستطيع الهيمنة على المشهد السياسي في السودان ستتمكن من التحكم في المثلث الغني باليورانيوم، الذي يمتد من دارفور إلى جنوب ليبيا وشرق تشاد. وهو مثلث مهم لمستقبل الوقود النووي الذي تسيطر عليه روسيا حالياً، في وقت تواجه أوروبا أزمة طاقة، وذلك إضافة إلى أهمية اليورانيوم العسكرية.

 

يرى معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن أن روسيا احتفظت بنفوذ مهيمن على السودان منذ انقلاب الرئيس جعفر نميري في العام 1971، ثم ضعف هذا النفوذ قبل أن يعود إلى القوة بعد وصول الرئيس السابق عمر البشير إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1989، إلى حين أطاحته الثورة في 2019.

 

وتنبع أهمية السودان الاستراتيجية بالنسبة لروسيا من موقع البلاد الجغرافي المهم على طول البحر الأحمر، حيث ترغب موسكو في الهيمنة على هذا المسطح المائي الذي يربط البحر الأبيض المتوسط بآسيا، هو أحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا بالسفن التجارية في العالم.

 

وبالتالي، من خلال نفوذها في السودان، تسعى موسكو لإعادة تأسيس وجودها في منطقة القرن الأفريقي لبسط نفوذها على البحر الأحمر، الذي يعتبر من الممرات المهمة للنفط والتجارة. وتعمل روسيا على بناء قوة بحرية في المنطقة والوصول إلى المحيط الهندي وربطها بمنشأتها البحرية في سورية.

 

وعبر وجود أسطول روسي في بورتسودان (شرقي البلاد)، تستهدف موسكو تعزيز نفوذها في السعودية ودول الخليج. وبالتالي، فإن موطئ قدم في السودان يوفر لموسكو مواقع في كل من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وهي خطوة مهمة في جهود روسيا لتصبح قوة بحرية عالمية لديها سيطرة على ممرات التجارة العالمية.

 

وتشير دراسة معهد الشرق الأوسط إلى أن السودان يعد أحد أكبر أسواق الأسلحة الروسية في أفريقيا، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين روسيا والسودان 500 مليون دولار، ما يجعل من السودان ثالث أكبر شريك تجاري لروسيا في جنوب الصحراء الأفريقية. ويضاف إلى ذلك أن الشركات الروسية المدعومة بمليشيا فاغنر تعمل على استخراج الذهب في السودان وتصديره بصورة غير شرعية إلى الخارج. وهذه المجموعة متحالفة مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي.

 

كما تمارس موسكو نفوذها في معظم مناطق الساحل الأفريقي وليبيا من خلال مجموعة فاغنر. وعلى الرغم من أن فاغنر تشتهر بنشاطها الحالي في أوكرانيا، إلا أنها نشطة أيضًا في عدد من الدول الأفريقية، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي وتشاد وليبيا. وتستغل موسكو في هذا النفوذ قائد قوات الدعم السريع حميدتي الذي أشرفت على تدريبه منذ سنوات.

 

وحسب مجموعة من الوثائق المتعلقة بأنشطة فاغنر في السودان نشرها مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد الدولي OCCRP حديثاً، تبين أن شركة الذهب الروسية دفعت ملايين الدولارات لشركة تديرها المخابرات العسكرية السودانية.

 

وجنت فاغنر أرباحاً طائلة من السودان. وتشير الوثائق إلى أن الجيش السوداني منح فاغنر الإذن بالهبوط في قاعدة عسكرية في الخرطوم واستخدام "رمز إشارة القوة الجوية لغرض العمل داخليًا وخارجيًا".

 

كما منحها ترخيصاً لنقل الأسلحة إلى البلاد وإخراج الذهب من السودان بشكل غير شرعي ومن دون الإعلان عن أنشطتها في الذهب. ويرى خبراء سودانيون أن فاغنر صدرت نحو 25% من إجمالي صادرات الذهب السوداني بطرق غير شرعية في السنوات الأخيرة. 

 

علي ما يبدو أن آن الحرب القائمة في السودان لن تنتهي في المدي القريب وآنها بمثابة جولة أولى من حرب أهلية منتظرة يتحول معها الصراع إلى لعبة متعددة المستويات في خدمة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها، باستخدام الأموال وإمدادات الأسلحة وربما بقواتها أو وكلائها.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)