تكبيرات الأتراك ومناظر مهرجان القاهرة السينمائى

profile
طارق مهني كاتب صحفي
  • clock 4 مارس 2021, 2:45:53 ص
  • eye 748
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

فى أوخر التسعينات كنت قادماً من الصعيد الى القاهرة كي أدرس فى الجامعة وفى سنى الثامن عشر تقريبا وفى عامى الأول فى الجامعة  سكنت مع مجموعة من أبناء بلدتى الذين  يكبروننى سنا كعادة كل من يأتى من الصعيد ..

 فى أحد ليالى شهر ديسمبر سمعتهم يتحدثون عن إهتمامهم بحضور أفلام أجنبية فى السينما لكنها حسب كلامهم لم تكن أفلام عادية بل كانت تحتوى على كثير من تلك المشاهد العارية التى تتخلل الأفلام  وكنت لأول مرة أسمع عن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وعن هذه المشاهد  ..

 إنتابنى فضول الشباب فى هذه المرحلة العمرية أن أذهب سراً دون علمهم الى السينما ففى نظرهم أنا صغير ولا يجب علي إلا أن أهتم بدراستى ..

خرجت ليلاً من شارع الهرم الذى كنت أسكن فى أحد ضواحيه واتجهت الى وسط القاهرة حيث هذه السينمات المليئة بكل ما لذ وطاب حسب وصف ابناء بلدتى ..

على باب إحدى هذه السينمات التى كانت مختصة بعرض أفلام المهرجان وجدت إزدحاما كبيرا أمامها  شباب  كلهم  بلا استثناء من الذكور وإن تفاوتت أعمارهم .. 

كنت وحيداً وسط هذا الكم الهائل من الحضور .. لا أدرى ما أسماء  الأفلام ولا أي فيلم ادخل ولا أي جنسية يحمل ..

كان حيائى حتى يمنعنى أن أسأل فأنا فى قرارة نفسى جئت لأفعل فعلا مشيناً  .. 

وقفت فى أحد الطوابير التى لا أدرى لاي فيلم تنتهى .. ووقفت أمام شباك التذاكر لتسالنى بائعة التذاكر عن أي فيلم أريد قلت لها أي شيئ ..

 ويبدو أن من خبرتها مع أمثالى لم تتعجب ولم تكترث أصلا لحيرتى فاختارتلى فورا فيلما على ذوقها .. 

ومن مبلغ المال الذى دفعته ظننت انها إختارت لى اغلاهم  سعرا فقد دفعت تقريبا ما يوازى ربع مصروفى النصف سنوى .

أخذت التذكرة ودخلت الى قاعة السينما المكتظة وكان مكانى تقريبا فى الصفوف الأخيرة من  السينما مما أتاحى لي مراقبة الحضور ايضا..

فى نفسي كنت اتسائل عن هذا الكم الكبير من الحضور هل كل هؤلاء جاؤ  لمثل ما جاء بى   ربما أعطى بعض المبررات لبعض الشباب من سنى لكن أيضا هناك رجال تعدو الأربعين والخمسين عاما وفيما يبدو أنهم متزوجون فما الداعى لحضورهم إذن ..

 جالت فى خاطرى أفكار وتساؤلات كثيرة فأنا حتى لم يقع فى خاطرى أن هؤلاء جاؤ للاستمتاع بالفن أو شيء من قبيل ذلك .. فالكلام كان يدور حولى عن تلك المشاهد التى يبرع المخرج فى انتقاء أماكن لها بين طيات احداث قصته .

إنطفأ نور القاعة وساد الصمت ليبدأ الفيلم .. لم يكن فى بالى  أي اهتمام بأحداث الفيلم ولا قصته ولا أبطاله حتى أنى لم انتبه للترجمة  أنا فقط انتظر تلك المشاهد التى  سمحت إدارة المهرجان بعرضها دون اقتطاع اوجتزاء كنوع من المنحة لهؤلاء الشباب المنتظرين .

لكنى فجأة وجدتنى منتبها لشيئ شد انتباهى .. إن بعض ممثلى الفيلم  يرتدى لباساً مثل ملابس المشايخ عندنا لكن بعمامة كبيرة  بل وكبيرة جداً .. وحتى بعض الممثلات تردى ما يشبه النقاب والملابس التى تكسي اجسامهم بالكامل .. 

هذا بالإضافة إلى من يتردى ملابس الفرسنان الرومان والنساء الكاسيات العاريات.

ما رأيت جعلنى أحاول أن أتعرف على جنسية الفيلم .. من لغة الحوار دل على أنه فيلم أوربى لكنه فيما يبدو ليس إنجليزي أو فرنسي .. وكانت الفيلم تدور احداثه فى العصور الرومانية. .

ثم تبينت أنه يتحدث عن العثمانيين .. لم يكن معهم بالطبع بل كان ضدهم . هكذا بدى لى  ولم أكن وقتها ملم تاريخيا بالصراع الأوربى العثمانى ..

لكنى لاحظت هذا التحيز ضدهم .. فكان الفيلم يحاول أن يصور العثمانيين زوى العمائم الكبيرة أنهم عنيفين جدا يقتلون بلا رحمة  .. ومشاهد كثيرة لهم عارية مع النساء .

كانت أحداث الفيلم تدور حول إحدى البلاد الأوربية التى كان يفتحها العثمانيين من وجهة نظر هؤلاء الذين ينتظرون الغزو .. ولم أميز فى عصر أي من سلاطين العثمانيين ..

إلى أن جاء مشهد غريب بكل ماتعنيه الكلمه حسب الأجواء التى كانت حولى ..

 كان المشهد يدور عن فتح العثمانيين لأحد القلاع الكبيرة .. والمشهد من ناحية من هم داخل القلعة أو خلف الأسوار الكبيرة من السكان الفرسان والسكان الخائفين .. 

فجأة يهز السينما هدير صوت يأتى من بعيد مع جحافل جيش كبيرجرار ليس له آخر كلهم يصرخون بصوت واحد الله اكبر ..الله اكبر .. 

مئات الالف يرفعون اصواتهم  بها تأتى من بعيد وتزيد مع اقترابهم .. الجميع خلف الأسوار أخذو يضعون أيديهم فى آذانهم أو ما يمكنهم أن يضعوه فى أذنهم حتى لا يسمعو هذه التكبيرات التى لا تزيدهم الا رعبا مع اقتاربها ..

نظرت الى الحضور فى السينما مع صوت التكبيرات القوية الهادر الذى يزداد بقوه حتى يكاد يخلعك من مكانك .. 

حقيقة نسيت ما جئت إليه وهزنى التكبير من أعماقى  ووجتنى أتسائل مع أي طرف أتعاطف وانتمى  هل مع الغازين الفاتحين..؟ أم مع من هم فى الداخل خلف الأسوار..

 الفيلم يدور من وجهة نظر هؤلاء الذين هم فى الداخل .. الذين يدفعك المخرج بحرفيته  للإنتماء لهم .. 

لكنى وجتنى منتمي حقيقة لمن هم فى الخارج .. ولأول مرة أشعر برهبة الفتح والقوة والنصر مشهد لم أرى مثله من قبل فى كل الأفلام العربية التى كانت تذاع علينا ليلاً نهاراً على شاشات القناة الأولى والثانية ..

أجواء السينما والسماعات الكبيرة أعطت للمشهد بعداً آخر فى نفسى .. 

هل فعلا كانت الفتوح العثمانية بكل هذه القوة والعظمة .. هل كانت كلمة الله اكبر تلقى الرعب فى قلوب أعدائهم بكل هذه القوة .

فى دقائق شعرت بمتناقضات تجول فى نفسى ..  أنا من هؤلاء الفاتحين وهذه الفتوح تمثلنى بل وأفخربها .. لم اجد عنائاً فى دفع نفسى للإنتماء عاطفيا عكس ما يريد الفيلم.

لم ينجح المخرج على الإطلاق أن يجعلنى أنتمى لما أراد هو .. حتى المشاهد الجنسية التى جئت من أجلها .. لم يعد فى نفسى منها شيئ .. 

جعلت أرقب الحضور وأتسائل هل جال فى خاطرهم ما جال فى خاطرى .. 

مع بداية أحد هذه المشاهد العارية وجدتنى نافراً منها .. عزمت أمرى على ترك الفيلم وفى أول استراحة خرجت الى الشارع .. والتكبير مازال يطن فى أذنى .. وجمال القوة والنصر جعلنى أتشوق لقراءة تاريخنا .. 

كان هذا أول وآخر مهرجان أدخله .. ولم يعلق فى ذهنى من كل ما رأيت من مشاهد إلا مشهد الفتح والتكبير العثمانى فى مهرجان القاهرة السنمائي الدولى ..

التعليقات (0)