تكنولوجيا واعدة: أبعاد تصاعد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط

profile
  • clock 25 يونيو 2023, 4:54:36 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


فرض الذكاء الاصطناعي نفسه بقوة في العالم أجمع بصفة عامة وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة؛ ما جعل العديد من الدول تتسابق نحوه، وهو الأمر الذي دفع كثيراً من دول المنطقة إلى اتخاذ خطوات جادة تعكس حجم اهتمامها بهذا المجال، وهو الأمر الذي انعكس في إقرار استراتيجيات للذكاء الاصطناعي، وضخ مليارات الدولارات في هذا المجال، واستحداث المؤسسات المتخصصة للإشراف على عمليات التدريب والتأهيل، وغير ذلك. وفي المقابل، فإن تلك الجهود تواجه تحديات جمة، وخاصةً مع تعدد الإشكاليات الأخلاقية التي يُثيرها الذكاء الاصطناعي، وغياب القوانين الشاملة المنظمة لاستخداماته، وتنامي استخدام التنظيمات الإرهابية لتقنياته، وغير ذلك.

سمات رئيسية

يمكن الوقوف على عدد من السمات الأساسية لأهم القوى الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط من خلال النقاط التالية:

1– تعدد القوى الفاعلة: تبعاً لمؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 2020 الذي طورته مؤسسة “أكسفورد إنسايتس” (Oxford Insights)، احتلت كل من الإمارات وإسرائيل وقطر والسعودية والبحرين وعمان ومصر المراكز الـ16، والـ20، والـ37، والـ38، والـ43، والـ48، والـ56 على الترتيب. وتُقدِّر شركة (PWC) أن من المتوقع أن يحقق الشرق الأوسط 2% من إجمالي الفوائد العالمية للذكاء الاصطناعي في عام 2030 (320 مليار دولار). ومن المتوقع أن تعود أهم المكاسب على السعودية؛ حيث من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بأكثر من 135.2 مليار دولار في عام 2030 (12.4% من الناتج المحلي الإجمالي).

وذلك مع الأخذ في الاعتبار اتساع وتنوع منطقة الشرق الأوسط غير المتجانسة على الصعيد التكنولوجي؛ ففي الوقت الذي تتصدر فيه بعض دول المنطقة في العديد من مؤشرات التكنولوجيا عالمياً، تكثف دول أخرى جهودها لتحسين قدراتها التكنولوجية بخطوات متسارعة. وفي هذا السياق، خلص البنك الدولي في تقريره المعنون “إيجابيات التكنولوجيا الرقمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: كيف يمكن أن يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وإيجاد فرص عمل؟” إلى وجود ما يشبه المفارقة الرقمية التي تشهدها دول الشرق الأوسط.

2– تنوع استراتيجيات الذكاء الاصطناعي: وفقاً تقرير المنتدى الاقتصادي الدولي، فإن كثيراً من دول الشرق الأوسط حققت قفزات في اتجاه جني فوائد الذكاء الصناعي، لا سيما بعد أن أطلق كثير منها استراتيجيات وطنية للذكاء الاصطناعي؛ حيث أطلقت السعودية “الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الصناعي”؛ كي تتضمن خطة طموحة لدمج تقنيات الذكاء الصناعي وتحليل البيانات في جميع القطاعات الاقتصادية، وتدريب ما يصل إلى 20 ألف متخصص بحلول عام 2030. وتمتلك دولة الإمارات استراتيجية وطنية للذكاء الصناعي تم التوقيع عليها في أكتوبر 2017. وتُحدِّد تلك الاستراتيجية مجموعة من المبادرات الحكومية التي سيتم الانتهاء منها بحلول عام 2031.

وذلك في الوقت الذي تتولى فيه البحرين تسخير الذكاء الصناعي لحساب أشجار النخيل فيها ولتحديد الإنتاج الزراعي بشكل أكثر كفاءةً، كما أطلقت مصر “الاستراتيجية الوطنية للذكاء الصناعي” في يوليو 2021، التي تتركز على 3 محاور أساسية هي: التعليم، والتدريب، والاستفادة العملية من حجم البيانات، ثم إتاحتها للقطاع الخاص للاستفادة منها وفقاً لأهميتها لكل قطاع.

3– احتدام التفاوت على صعيد التقنيات العسكرية الحديثة: طوَّرت إسرائيل مؤخراً تكنولوجيا جديدة تُمكِّن جنودها من الرؤية عبر الجدران باستخدام الذكاء الاصطناعي الذي تحتل فيه موقع الصدارة. ولا شك في ريادة بعض الشركات الإسرائيلية، لا سيما شركة “أنظمة رفائيل الدفاعية المتقدمة”، بجانب الريادة في الصواريخ البحرية، وأنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المُسيرة، والطائرات الحربية مثل إف–35، وغير ذلك. وعلى صعيد آخر، أضحت إيران لاعباً بارزاً في سوق الطائرات العسكرية المُسيرة، وقد أضحت قادرة على الإنتاج المتسلسل للصواريخ الباليستية القادرة على إصابة الأهداف بدقة متناهية.

كما تتعدد إنجازات شركات الصناعات الدفاعية التركية على صعيد تطوير وصناعة أنظمة عسكرية حديثة ومتطورة تُدخِل الجيش التركي في “نادي جيوش المستقبل الذكية”؛ فقد نجحت شركة أنظمة الدفاع والمعلومات التركية “BITES” في تطوير أنظمة رقمية حديثة تحمل اسم (ATOK) بما يلبي احتياجات الجنود عبر أنظمة رقمية تعرض الموقع الدقيق للجندي وحالته الصحية والتغيرات اللحظية في ساحات المعارك. وقد أضحت طائرات تركيا المُسيرة المعروفة باسم “بيرقدار” من أهم صيحات التصنيع الحربي التركي، لا سيما مع استخدام القوات الأوكرانية لها.

4– تنامي حجم الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي: بلغ الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط نحو 320 مليار دولار، وبخاصةٍ مع تزايد اهتمام الحكومات ومختلف الشركات بضرورة التحول نحو اقتصاد المعرفة، وبالتبعية ضرورة التحول نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة. وفي هذا الإطار، من المتوقع أن يتراوح النمو السنوي في مساهمة الذكاء الاصطناعي بين 20% و34% سنويّاً في المنطقة، خاصةً مع نمو ملحوظ في الإمارات، تليها السعودية، نظراً إلى استثماراتهما النسبية في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مقارنةً ببقية دول المنطقة؛ حيث تحتل الدولتان مكاناً ضمن أفضل 50 دولة في العالم على مؤشر الابتكار العالمي من حيث القدرة على الابتكار ومخرجاته.

تحديات التوسع

تواجه دول الشرق الأوسط جملة من التحديات تُقوِّض التوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي بالنظر إلى النقاط التالية:

1– توظيف التنظيمات الإرهابية للذكاء الاصطناعي: لا يقتصر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي – بما تقدمه من إمكانات هائلة– على الدول والجيوش النظامية بطبيعة الحال؛ إذ يمكن لمختلف التنظيمات الإرهابية استخدام التقنيات نفسها؛ لجملة من الأسباب؛ يأتي في مقدمتها قدرتها على توفير المعلومات التي يصعب الوصول إليها، مع تجنُّب الكشف عن بعض الخلايا النائمة وفرق الاستطلاع التابعة لها، بجانب تراجع تكلفتها، وقدرتها على القيام بالعمليات بكفاءة وسرعة دون الكشف عن هوية مستخدميها؛ ما يجعلهم في مأمن من إمكانية رصدهم وتعقُّبهم.

وفي هذا الإطار، يبرز توظيف التنظيمات الإرهابية للدرونز والمركبات الذاتية القيادة، لا سيما السيارات والشاحنات الصغيرة في الهجمات الإرهابية بمنطقة الشرق الأوسط التي أصبحت واحدة من أكثر المناطق التي يتجلَّى فيها استخدام التنظيمات الإرهابية للأسلحة الذكية، لا سيما الطائرات المُسيَّرة وبعض أجهزة التوجيه والتحكم والرؤية، وهو ما يبرز على صعيد حزب الله اللبناني، وحركة الحوثيين في اليمن، وتنظيم داعش؛ فقد هُوجِمت قاعدتا حميميم وطرطوس العسكريتين الروسيتين بسربَي طائرات مسيرة، بينما تُستخدم المُسيَّرات بشكل مستمر بواسطة حركة الحوثيين في الهجوم على مصالح حيوية وأهداف عسكرية ومدنية بالسعودية، كما استُخدم زورق ذاتي القيادة لاستهداف مصفاة نفطية خاصة بشركة أرامكو السعودية على ساحل البحر الأحمر.

2– تعدد الإشكاليات التقنية والأخلاقية: حدَّد التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات المعنون “الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام” أبرز التحديات التي يجب على الدول أخذها في الاعتبار عند استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كالثقة الأساسية بالنماذج وشفافيتها؛ إذ لا يتضح في الغالبية العظمى من الحالات كيف تصل نماذج التعلم العميق إلى استنتاجاتها، كما قد تكون النماذج غامضة وغير شفافة للغاية، وقد تسفر عن تحيُّزات ذات نتائج عكسية.

إذ تُجسِّد تلك التحديات مزيجاً من الإشكاليات التقنية والمبادئ الأخلاقية ومنظومات القيم التي تستلزم من بعض الدول العربية حواراً شفافاً لبناء الثقافة المجتمعية تجاه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، مع بيان حدود الاستفادة منه، وكيفية التعامل مع نتائجه غير المقصودة؛ فمع إعلان دول بالمنطقة عن خطط لاستخدام الروبوتات في بعض المرافق للكشف عن وجوه المجرمين المطلوبين، تزداد أهمية الوقوف على القضايا الأخلاقية الحالية باستخدام برامج التعرُّف على الوجه، ووضع سياسات مناسبة لمعالجتها. وقد تتضمن اللوائح المقترحة فرض التزام قانوني للحصول على بيانات بعينها.

إذ لا يمكن إغفال تكلفة الذكاء الاصطناعي المرتفعة، وعدم قدرته على اتخاذ القرارات باستخدام العاطفة التي لا غنى عن الانسياق وراءها في بعض الحالات، لا سيما في حالة القرارات الجماهيرية، كما لا يمكنه ابتكار حلول فريدة للتحديات السياسية بسبب افتقاره إلى الإبداع؛ إذ سيختار الذكاء الاصطناعي الأفضل في ظل الظروف المتاحة إلى أن يتعلم قراءة وفهم المشاعر الإنسانية، ويظل قراره النهائي رهناً بحجم وجودة البيانات التي يمتلكها من ناحية، وخلوها من التحيزات السياسية من ناحية ثانية؛ فالتحيز ليس مجرد مشكلة اجتماعية أو ثقافية فحسب.

وقد تؤدي عيوب التصميم أو البيانات الخاطئة وغير المتوازنة التي يتم إدخالها في الخوارزميات، إلى قرارات متحيزة يُجانِبها الدقة؛ فقد يُعِيد الذكاء الاصطناعي إنتاج التحيُّز القائم على العِرق والجنس والعمر الموجود بالفعل في المجتمع، وقد يزيد من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.

3– غياب القوانين الشاملة المُنظِّمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي: تتزايد أهمية إنشاء بنية تحتية أخلاقية لتنظيم الذكاء الاصطناعي مع زيادة استخدامه؛ فكثير من الدول العربية لم تَسُنَّ بعدُ قانوناً شاملاً يستهدف تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، وإن قطعت أخرى أشواطاً في إقرار بعض المبادئ الاسترشادية على شاكلة دولة الإمارات؛ فقد أصدر مختبر الذكاء الاصطناعي في دبي الذكية مجموعة من مبادئ الذكاء الاصطناعي غير المُلزِمة والمبادئ التوجيهية الأخلاقية، وهي المبادئ التي شملت الإنصاف (كي تكون البيانات متنوعة وممثلة للسكان المتضررين)، وتجنُّب التحيز غير التشغيلي (للتخفيف من التحيُّزات المتأصلة في مجموعات البيانات والكشف عنها)، والمساءلة (كي لا تقع المسؤولية عن الذكاء الاصطناعي على عاتق النظام نفسه، بل على عاتق من يُصمِّمونه). ومع ذلك، تزداد أهمية وجود تنظيم ملزم لتشجيع الاستخدام المبتكر للذكاء الاصطناعي وإدارة المخاطر الناجمة عنه دون تقويض التطورات المحتملة.

4– التأثير في فرص العمل وهياكل الوظائف: إن تطبيقات الذكاء الاصطناعي، على تعدُّدها، تفرض مزيداً من التحديات على أسواق العمل؛ ففي اتجاه مضاد للقرارات الآلية التي تتَّخذها الشركات باستخدام أدوات التوظيف عبر الإنترنت لفحص السير الذاتية على سبيل المثال (وذلك باستخدام البرمجة اللغوية العصبية للتعرف على أنماط الكلمات في السِّيَر الذاتية وتقييمها وفقاً لمعايير كل شركة)، فإن صنع القرار الآلي قد يؤدي إلى قرارات متحيزة يُنتِجها صندوق أسود، وهو ما يزيد أهمية الإجراءات التشريعية التي تمنع الاستخدامات التمييزية للذكاء الاصطناعي في المستقبل؛ فإن احتوت بعض قوانين حماية البيانات الحالية على قسم خاص باتخاذ القرارات الفردية الآلية (حيث يحق لموضوع البيانات الاعتراض على قرار يستند إلى المعالجة الآلية فقط)، تزداد الحاجة إلى مزيد من السياسات والمناقشات بين القطاعين العام والخاص لتوضيح القوانين التي ستُطبَّق على التقنيات الناشئة.

5– خداع أنظمة الأمان القائمة على الذكاء الاصطناعي: يمكن الدفع بتزايد التهديدات السيبرانية للبنية التحتية الرقمية في منطقة الشرق الأوسط بمعدلات كبيرة؛ ما يمثل تهديداً لبيئات العمل على نحو يؤثر بدوره في جودة حياة مَن يعتمدون على أسلوب الحياة الرقمي، وهو ما يزيد أهمية الحد من تأثير الهجمات السيبرانية من خلال اكتشاف التهديدات والاستجابة لها بشكل أسرع وأكثر فاعليةً، وإطلاق مراكز عمليات الأمن المعلوماتي بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في أنظمته التشغيلية، وتبني سياسة أمنية متطورة مدعومة بتقنيات الجيل القادم، وضم مجموعة واسعة من خبراء البيانات المتخصصين وخبراء إنترنت الأشياء وتكنولوجيا التشغيل، إضافة الى خبراء الدفاع السيبراني ومكافحة التهديدات الأمنية، ومراقبة التهديدات الرقمية لتعزيز الاستجابة المناسبة لها.

فقد صُمِّمت أنظمة الأمان القائمة على الذكاء الاصطناعي للحماية من التهديدات السيبرانية، بينما يمكن للمهاجمين استخدام التقنيات نفسها لأهداف ضارَّة، مثل التهديدات الآلية ضد البنية التحتية الأمنية، وإنشاء روبوتات يمكنها تنفيذ حملات التصيد الاحتيالي على نطاق واسع، ناهيك عن إمكانية خداع أنظمة الأمان القائمة على الذكاء الاصطناعي بهجمات معادية؛ إذ إن تهديدات الذكاء الاصطناعي للأمن السيبراني تشمل التغييرات العشوائية في التعليمات البرمجية القابلة للتنفيذ، والتكيف مع أنظمة التشغيل كي تتجنب الفيروسات اكتشافها، واكتشاف برامج مكافحة الفيروسات، وتطوير طرق لمهاجمة تعليماتها البرمجية، واستخدام برمجة المحادثة وبرامج التعرف على الوجه لتقليد اللغة البشرية وخداع المستخدمين لإرسال مواد سرية أو التخلي عن بيانات الوصول.

ختاماً، يمكن الدفع بوجود فجوات تكنولوجية متسعة بين عدد من دول الشرق الأوسط والبعض الآخر على صعيد الذكاء الاصطناعي، بيد أن غالبية المؤشرات تعكس في مجملها النجاح النسبي لدول الخليج العربي في التحول التدريجي من الاقتصاديات النفطية إلى اقتصاديات المعرفة، يساعدها في ذلك عدد من العوامل الرئيسية، يبرز من بينها تزايد عدد الشركات الناشئة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المالية والزراعة في دولة الإمارات، والتقارب الصيني–السعودي عقب الحرب الروسية–الأوكرانية. ومن ثم، تُنافِس بعض الدول الخليجية الدول المتقدمة في الكثير من المؤشرات التكنولوجية على الرغم من تعدد التحديات التي تؤثر على التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في المنطقة مستقبلاً.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)