تمارا حداد تكتب: سايكس بيكو جديد يبدأ من غزة

profile
تمارا حداد كاتبة وباحثة فلسطينية
  • clock 9 ديسمبر 2023, 7:50:06 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما زالت الحرب على قطاع غزة مُستمرة رغم مُحاولات ترسيخ هُدن انسانية وتقديم مشاريع لمجلس الامن لوقف اطلاق النار لاهداف انسانية الا ما زالت اسرائيل ومن ورائها اميركا مصممتان على تغيير وجهة قطاع غزة جغرافياً وادارياً وهيكلياً كنُقطة اولى لتغيير وجهة الشرق الاوسط الجديد والبدء في تقسيم جديد من خلال تفتيت المُفتت لاستكمال الهيمنة الامريكية على المنطقة وازاحة المُنافسين لها "روسيا والصين" ومنع تحقيق مشاريعهم في المنطقة وترسيخ نفوذهم من خلال القوى المنطوية تحت اجنحتهم.


استبقت الولايات المتحدة الامريكية التغيير في النظام العالمي الجديد من خلال اعادة تموضع قواعدها في المنطقة من خلال مُبادرتها التي طرحتها قبل عدة اعوام حول تشكيل الحلف السني العربي الامريكي الاسرائيلي "ناتو عربي" يشابه الناتو الاطلسي من خلال اتفاقيات ابراهام واتفاقيات السلام في منطقة الشرق الاوسط وجدت ان هذا الحلف لن ينجح بوجود اذرع الممانعة في المنطقة لذا خططت نحو تقليم اظافرها حيث بدات ذلك في منطقة الضفة الغربية حيث ان خلال العامين الماضيين حتى اللحظة واسرائيل تقوم بقلع جذور المقاومة من الضفة حتى تتفرغ لقطاع غزة الا ان المقاومة الفلسطينية استبقت الحدث بعملية "طوفان الاقصى" الامر الذي جعل مخططات اسرائيل واميركا حول اتفاقيات السلام يصيبها الفشل ما ادى الى تغيُر في خطط اميركا والمجتمع الغربي واسرائيل بانهاء تشكيل حلف الناتو العربي نحو تشكيل نسخة ثانية من حلف الناتو الاطلسي الغربي لكن في منطقة الشرق الاوسط والتي بدات تتشكل تلك النسخة في منطقة الصراع الحالية وهي "قطاع غزة" لاعادة الاستعمار الاوروبي والغربي الامريكي والصهيوني في المنطقة ومواجهة التمدد الايراني واذرعها من خلال استغلال حادثة طوفان الاقصى والتي استثمرتها اسرائيل وداعميها لتحقيق هدفهم الضمني وهو التهجير القسري الذي لم يُفلح في بداية المرحلة الاولى نظراً لرفض مصر سياسة التهجير واستقبال اللاجئين ورفض الدول العربية من ضمنها الاردن لخطورة قبول التهجير على مصر والاردن لما له تداعيات على الامن القومي والاقتصادي والسياسي لهما.


لذا قامت اسرائيل بتغيير خُططها فيما يتعلق بالتهجير القسري بدات الان اتباع اسلوب سياسة انهاء مقومات الحياة في القطاع من خلال القصف الجوي للمنازل والشقق والمستشفيات والمدارس وتعميق الازمة الانسانية والضغط على المدنيين نحو الانزياح الى الجنوب الجنوب الى منطقة رفح الذي اصبح عدد النازحين في الجنوب قرابة مليون فلسطيني لفرض امر واقع نحو تعزيز التهجير الطوعي من خلال اتباع ذات الاساليب التي استخدمتها في المرحلة الاولى مع اشتداد ضراوة القصف اضافة الى استخدام مضخات مائية لاغراق الانفاق وما فوق الانفاق لتحقيق حلم قيادات الاحتلال باغراق غزة.


فاسرائيل تعتبر هذه المعركة حتمية اما النصر واما الاهانة وفيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية فهي معركة وجود اما النصر واما الاستشهاد لذا امام هذه المعادلة فان المعركة طويلة انعكاسها السلبي على المدنيين ومهما تحملوا الصعاب فان اطالة الحرب ستجعلهم يفكرون نحو الهجرة الطوعية بعد انهاء واقع الحياة في القطاع فالمواطن لن يستطيع ان يعود لارض مدمرة لا طعام ولا شراب ولا كهرباء.


ان حلم اسرائيل ارض بلا شعب فهي تحققه في قطاع غزة من خلال الابادة الجماعية السريعة وفي الضفة الغربية كذلك فهي تستخدم التكتيك التدريجي لانهاء العيش الطبيعي الكريم في الضفة ليفكر الالاف من الشباب في الهجرة قبل انتقال حرب القطاع الى الضفة والتي باتت قريبة فهي مسالة وقت نظرا ان الضفة على فوهة بركان يتحضر للانفجار بسبب استمرار اسرائيل في اقتحاماتها المستمرة ناهيك عن سياسية الاعتقال والقتل حيث بدات يومياً الدخول الى منطقة دوار المنارة في رام الله التي تعتبر العاصمة السياسية للسلطة فان اقتحامها هي رسالة استباقية للسلطة الفلسطينية بان المُسيطر الفعلي الامني على الضفة هو اسرائيل وانتم مجرد واقع اداري خدمي لأي تغيُر مستقبلي لتحقيق كينونة سياسية جديدة فان التغيرات المستقبلية لن تكون جذرية حيث سيبقى الامن بيد اسرائيل وان السلطة الجديدة ستبقى كما الحالية فهي سلطة خدمات ضمن فدرالية تتبع اسرائيل المسؤولة عن الامن والاقتصاد، نظرا ان الولايات المتحدة الاميركية تحاول تعزيز السلطة الفلسطينية لتسليمها القطاع بعد انهاء حكم حماس لكن بواقع قيادة جديدة ستكون حماس السياسية من ضمنها بعد نزع السلاح من بين ايديها وايدي الفصائل المسلحة الاخرى، لكن ما فائدة سلطة جديدة دون انتخابات فهي ستبقى سلطة عميلة بنظر الشعب الفلسطيني ولن يعطوها الثقة ابدا والصراع سيبقى.


ان رسم صورة للسلطة الجديدة هي فعليا تفتيت المفتت ولايات في الضفة الغربية وولايات في قطاع غزة لكن كلها تحت إمرة اسرائيل الادارة المركزية للامن والاقتصاد فبعد هذا الرسم ستبدا الولايات المتحدة الاميركية لتشكيل الشرق الاوسط الجديد من خلال اتباع سياسيات اخرى بعد رؤية ان خيار الحرب في تشكيل دول جديدة "تقسيم المفتت" بحاجة لوقت وخسائر مادية وبشرية لذا تتجه الان نحو خيار المفاوضات لترسيم حدود برية جديدة وستبدا مع الحدود الاقرب وهي جنوب لبنان فاذا نجح الترسيم عبر المفاوضات من خلال الوسطاء الفرنسيين والامريكان واحدى الدول العربية فان الخيار الحربي سيتم ابعاده ومن ثم الاتجاه نحو ترسيم حدود دول اخرى تباعاً لمدى نجاح ترسيم الحدود الاقرب.


امام خطط الامريكان لماذا يصمت الروس والصينيين ام ان هناك اتفاق ضمني حدث تحت الطاولة في تغيير وجهة الشرق الاوسط الجديد ام تفاديا لحروب ضروسة باتت قريبة والكل يتفادى تلك الحروب الشاملة؟ ان اطراف التوزان الدولي كل طرف منها يرمي الكرة في ملعب الاخر، من سيبدأ؟ وكل طرف ما زال في موضع الدفاع ولا احد يسترجي ان يُهاجم حتى التوازنات الاقليمية ايضاً غير مستعدة ان تبدا الهجوم، لم يبدأ الهجوم الا المقاومة الفلسطينية لعلمها ويقينها ان الحالي والقادم لن ياتي بثمار جديدة لبناء دولة فلسطينية، لذا فان تاريخ وحدث عملية طوفان الاقصى باقِ يُذكر الجميع ان الفلسطيني بدأ الهجوم وان انتهى بخسارة فنجاحه كان في السابع من اكتوبر فهو تذكير للجميع ان تقسيم المُقسم ساري على الجميع وليس فقط على الفلسطينيين.

كلمات دليلية
التعليقات (0)