جانبي فروقة يكتب: «طبـاخ يحـــرق طبخـتـه»

profile
  • clock 29 يونيو 2023, 5:49:57 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يعلق ميكيافيللي في كتابه الأمير، «عندما يطلب أحدهم من جاره أن يأتي للدفاع عنه بقواته، فهذه القوات تسمى قوات معاونة، وهي عديمة النفع مثل القوات المرتزقة.. لأنها إذا خسرت المعركة فإنك تكون قد هزمت، أما إذا كسبتها فإنك ستبقى أسيراً لتلك القوات». ويبدو أن الرئيس بوتين وقع في هذا المأزق بمواجهة التمرد المسلح لقوات فاغنر المرتزقة، فقد تمرد يفغيني بريغوجين (طباخ بوتين) وقائد قوات فاغنر المرتزقة، الذين اكتسبوا الخبرة القتالية الواسعة في افريقيا وسوريا وأوكرانيا على سيد الكرملين، وانطلق من روستوف يهدد ويتوعد، ووصف الرئيس الروسي بوتين ما قام به بريغوجين بأنه «طعنة في الظهر»، وخيانة لبلاده، وتوعد بسحق كل تمرد، وبدوره قال بريغوجين، إن تخوين الرئيس بوتين له خطأ كبير، وراح يتحدث بثقة عن التقدم نحو موسكو وعن رئيس جديد لروسيا قريبا، وقام رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو بنزع فتيل الأزمة بإقناع بريغوجين بالعدول عن تقدم قواته نحو موسكو وضمان انتقاله لبيلاروسيا مع ضمان عدم محاكمته.

التصعيد وحشر الرئيس بوتين في الزاوية، ليس من مصلحة أحد، والمخاطر تتزايد في انزلاق روسيا لمنحدرات خطيرة ووقوع الأسلحة النووية في روسيا تحت سيطرة المتشددين

يعلق المحللون السياسيون بأن هذا التمرد لا يرقى إلى انقلاب عسكري، وحسب «دير شبيغل» وبعيدا عن احتواء الموقف، فإن انعكاسات التمرد المسلح يوضح بشكل جلي خطورة الاعتماد على المرتزقة، فقد ينقلب السحر على الساحر وتصبح هذه القوات شوكة في خاصرة الدول التي اختارت اللعب بورقتها، وقد علق مؤخرا زعماء غربيون، كالرئيس الفرنسي ماكرون بأن ما يحدث في روسيا يدل بشكل واضح على هشاشة وضعف الجيش الروسي، وتخبط قياداته، وحسب تقرير معهد «دراسات الحرب» في واشنطن، فإن التمرد يمكن أن يضعف الروح المعنوية للجنود الروس في الجبهة، حيث علق المعهد قائلا، إن «تمرد بريغوجين أظهر ضعفا خطيرا في الكرملين ووزارة الدفاع الروسية».
وعلقت وزيرة الخارجية الألمانية أيضا بأن بوتين يدمر روسيا بحربه في أوكرانيا، وقد ذهب بشكل أبعد الرئيس البولندي «دودا» بقوله، «إن روسيا وحش بري يلتهم الإنسان لذا يتعين مطاردته وإطلاق النار عليه لأنه معتاد على أكل لحوم البشر»، ورد رئيس مجلس الأمن القومي ميدفيديف، لا جدوى من التفاوض مع الحثالة البولندي المدعو دودا، بل إن طلقة الرصاص خسارة على مثل هاذا اللقيط، في القرن الثامن عشر كانو يأتون بمثل هذا المخلوق ببساطة إلى الساحة الحمراء ويعدمونه بتقطيع أوصاله، لكننا إنسانيون لذا سننتقم بطريقة مختلفة»، أما الناتو فيحاول عدم استفزاز بوتين، حيث قال ستولنبرغ (أمين عام حلف الناتو) مؤخرا إن الأحداث التي جرت في روسيا هي شأن داخلي، وكذلك علقت الخارجية الصينية.
إن التصعيد وحشر الرئيس بوتين في الزاوية، ليس من مصلحة أحد، والمخاطر تتزايد في انزلاق روسيا لمنحدرات خطيرة ووقوع الأسلحة النووية في روسيا تحت سيطرة المتشددين. تقدر فيدرالية العلماء الأمريكيين ترسانة روسيا النووية بـ5 آلاف و977 رأسا نوويا مقابل 5 آلاف و428 رأسا نوويا تملكها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلقت «نيويورك تايمز» في مقال، إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على علم بأن أحداث وشيكة ستقع في روسيا، حيث أن وكالة الاستخبارات «سي أي إي»CIA كانت قد حذرت من قبل في أواخر 2021 أن بوتين يخطط لغزو أوكرانيا، وذلك بعلمها بأن يفغيني بريغوجين قائد فاغنر يستعد للقيام بعمل عسكري، حيث أن تصاعد الخلاف بين بريغوجين وشويغو وزير الدفاع وصل إلى حدود اللاعودة، ولكن التزمت الوكالة الأمريكية الصمت كي لا يتهمهم بوتين بتدبير الانقلاب. والمخاطرة الأكبر التي يراها الغرب، كما أسلفنا، هي انزلاق دولة نووية كبيرة مثل روسيا إلى حرب أهلية، أو تمكن قائد أرعن مثل بريغوجين من زمام القوة النووية بشكل أو آخر مما يشكل تهديدا عالميا كبيرا. مما هو واضح أن طول أمد الحرب بدأ يُظهر خللا في إمدادات الذخيرة للجيش الروسي، والتصدعات داخل القيادة العسكرية الروسية وارد جدا والهجوم الأوكراني المضاد المدعوم بأسلحة غربية نوعية بات يُنهك الجيش الروسي. التاريخ يعلمنا أن من يعتمد على المرتزقة يعرّض سلطته ودولته للفناء وهذا ما حدث مع الخليقة العباسي المعتصم في القرن التاسع ميلادي (سنة 833) حيث أن المعتصم كان أصغر أبناء أشهر الخلفاء الراشدين، وهو هارون الرشيد، حيث قام المعتصم بتكوين جيش من المرتزقة الأتراك والعبيد، ثم حولهم إلى ما عرف بالحرس التركي الذي ساعده على تأمين الخلافة، غير أن هؤلاء المرتزقة أعاثوا فسادا في البلاد وقامو بأعمال سلب ونهب، أدت في النهاية إلى ضعف الدولة وانتهت عام 1258 بغزو المغول وإعدام آخر الخلفاء العباسيين من خلال لفه بسجادة وأمر الفرسان المغول بالدوس عليه بحوافر خيولهم.
كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)