جمال دملج يكتب: الولايات المتحدة… وسيناريوهات «التفكّك» المتوقعة بعيونٍ روسية

profile
  • clock 22 يوليو 2023, 4:02:38 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تشي تطورات الخلافات المتلاحقة على الساحة الأمريكية، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بأنها ما زالت تعكس حالات متباينة من عدم اليقين، داخل الولايات المتحدة وخارجها، لاسيما بعدما بات مصطلح «الحرب الأهلية» يتردد باطراد على ألسنة غالبية المراقبين والمهتمين والمحللين السياسيين.
وحملت الاتهامات التي تبادلها الحزبان، في الآونة الأخيرة، مؤشرا خطيرا تمثّل في تصعيد لهجة التحدي بين الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، بشكلٍ أوحى بأن الرجلين عازمان على تأجيج شحنات «الثأر الشخصي» الكامنة في قلب كل منهما ضد الآخر، ما أعاد إلى الأذهان مشاهد الأجواء المشحونة التي ترافقت مع عملية اقتحام الجمهوريين لمقر الكونغرس في واشنطن، عام 2021، احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية، وما سبقها من أحداث «عنصرية» مروّعة تنقلت مسارحها بين ولاية أمريكية وأخرى خلال السنوات الماضية.
في موازاة ذلك، جاء الإعلان عن إفلاس «بنك سيليكون فالي» في آذار/ مارس العام الجاري، ليلقي بهواجسه الاقتصادية على الحياة السياسية الأمريكية، من حيث مقارنة تداعيات الحدث الأخير بالأجواء العصيبة التي عاشها الأمريكيون على وقع اندلاع أزمة الرهن العقاري عالي المخاطر، التي نجمت عن إفلاس بنك «ليمان براذرز» في أيلول/ سبتمبر عام 2008، ما أجبر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (وقتذاك) على الإعلان عن أن «الاقتصاد الأمريكي يمكن أن ينهار خلال أيام» على حد تعبيره. اللافت أنه بالتزامن مع ارتفاع حدة الانقسامات الراهنة على الساحة الأمريكية، برزت في الأفق سيناريوهات قديمة ومتجددة، أبرزها ما طرحه البروفيسور الروسي الشهير إيغور بانارين من توقعات، عام 1994، بشأن انهيار الولايات المتحدة، اقتصاديا وأخلاقيا، قبل أن تتحول إلى جمهوريات مستقلة، وفقا للرؤية التالية:
أولا «جمهورية كاليفورنيا» التي ستصبح جزءا من الصين، أو تقع تحت التأثير الصيني، وثانيا «جمهورية تكساس» التي ستضم عدة ولايات حولها، لتصبح جزءا من المكسيك أو تقع تحت تأثيرها، وثالثا واشنطن العاصمة ومدينة نيويورك اللتان ستشكلان «أمريكا الأطلسية» قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ورابعا قيام كندا بانتزاع عدد من الولايات الشمالية ليصبح اسمها الجديد «جمهورية أمريكا الشمالية الوسطى» وخامسا ولاية هاواي التي ستصبح محمية تابعة لليابان أو الصين، وسادسا آلاسكا التي ستخضع مجددا للسيطرة الروسية، مثلما كان عليه الحال في زمن القياصرة. معلوم أن إيغور بانارين، وهو المحلل السابق في لجنة أمن الدولة السوفييتية (كي جي بي) وعميد المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الروسية، كان قد حدّد السقف الزمني لتوقعاته بحلول عام 2010، الأمر الذي كاد أن يتحقّق بالفعل، قبل ذلك بعامين كاملين، لدى الإعلان عن إفلاس بنك «ليمان براذرز».

في موازاة حالة عدم اليقين الرائجة حاليا حول هواجس الحاضر الأمريكي ومستقبله، يتفاعل الحضور الصيني، على مسرح السياسة الدولية، حاملا ملامح الأسس الموضوعة لبناء عالم متعدّد الأقطاب

والمعروف أيضا أن بانارين كان قد شدّد في توقعاته على أن آلية تفكك الولايات المتحدة الأمريكية ستبدأ من الهجرة الجماعية وانخفاض قيمة الدولار، قبل أن تقوم «الولايات الغنية بحجب الأموال عن الحكومة الفيدرالية وتنفصل عن الاتحاد، مما ستليه اضطرابات اجتماعية تنتهي بحرب أهلية تؤدي إلى انقسام البلاد بشكل عرقي» الأمر الذي كاد أن يحدث أيضا بالفعل في مناسبتين مهمتين، إحداهما تتمثل في المواجهات العرقية التي شهدتها ولاية كارولاينا الشمالية عام 2016، والأخرى في القرار الذي اتخذته السلطات المحلية في ولاية كاليفورنيا عام 2017، بشأن السماح رسميا، بجمع التواقيع اللازمة لإجراء استفتاء حول مسألة انفصال الولاية وتحولها إلى جمهورية مستقلة. وينبغي التذكير هنا بأن كاليفورنيا هي إحدى الولايات الشاسعة والغنية الواقعة غرب الولايات المتحدة، وتمتلك، وحدها، المقومات كافة التي تؤهلها لكي تحتل المرتبة السادسة في قائمة القوى الاقتصادية العالمية، إذا ما تمكنت من الحصول على استقلالها، حسب زعيم حركة «نعم كاليفورنيا» لويس مارينللي، الذي كان قد أكد من العاصمة الروسية موسكو، في أيلول/ سبتمبر عام 2016، أثناء مشاركته في «مؤتمر المناضلين من أجل الاستقلال» على مسألتين مهمتين، أولاهما أن «ولاية كاليفورنيا تسدّد سنويا ضرائب تفوق بقيمة 16 مليار دولار ما يوفّره لها المركز الفدرالي من مبالغ لتمويل الخدمات الطبية والتعليم وتطوير البنى التحتية» وثانيهما أن «الولاية تدفع النسبة الأعلى من الضرائب وتحصل على أسوأ المؤشرات في التعليم» على حد تعبيره.
وفي موازاة حالة عدم اليقين الرائجة حاليا حول هواجس الحاضر الأمريكي ومستقبله، يتفاعل الحضور الصيني، باطراد، على مسرح السياسة الدولية، حاملا على إيقاعه ملامح الأسس الموضوعة، منذ ما يزيد عن العقدين من الزمان، لبناء عالم متعدّد الأقطاب. ومما لا شك فيه أن الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجانبين الروسي والصيني، على أعلى المستويات، باتت تعيد إلى الأذهان اليوم، أكثر من أي وقت مضى، فحوى التصريح الأول الذي أدلى به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لدى انتخابه عام 2000، عندما قال ما حرفيته: «إن روسيا الاتحادية دولة ما زالت تمتلك الكثير من عناصر القوة، وهي ترغب في استخدامها مع الآخرين، وليس ضدهم، من أجل بناء عالم متعدّد الأقطاب». والمعروف أن إيغور بانارين، صاحب نظرية «تفكّك الولايات المتحدة الأمريكية» غالبا ما كان يشكك بالمعجزات التي يعوّل عليها الشعب الأمريكي في إدارات البيت الأبيض، حيث دأب دائما على القول: «عندما يأتي الربيع، فسنرى أنه لا معجزات في الجوار».


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)