جيوبوليتكال: هذه أسباب التقارب التركي الروسي رغم الخلافات

profile
  • clock 11 نوفمبر 2022, 3:31:33 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

حافظت تركيا على حوار مستمر مع روسيا حول مجموعة من القضايا لكن ذلك لا يغير من حقيقة أن روسيا وتركيا متنافسان طبيعيان وأن مستوى التعاون بينهما له سقف في كل الأحوال.

ويعني ذلك أن الشراكة تظل مقبولة طالما أن الجميع، بما في ذلك الدول الأوروبية، تستفيد من العلاقة.

ولطالما تقاطعت مصالح روسيا وتركيا. ويكون ذلك سببا للنزاع في بعض الأحيان لكنه أيضا يكون دافعا للتعاون في أحيان أخرى. وتنظر تركيا وروسيا إلى بعضهما البعض على أنهما جيران على طول البحر الأسود، وكلاهما مهتم بالحفاظ على علاقات جيدة مع الحفاظ على مسافة معينة.

وتنشأ التوترات، بالطبع، في أماكن مثل القوقاز، التي ينظر إليها كلاهما على أنها فناء خلفي خاص بهما.

واليوم، تتعارض مصالح البلدين في عدة مجالات. خذ آسيا الوسطى على سبيل المثال حيث تفتخر المنطقة بسكانها من أصل تركي، وقد شاركت أنقرة في العديد من المشاريع لتعزيز روابطها العرقية. وتعتقد موسكو أن أنقرة تفعل ذلك في منطقتها العازلة التقليدية ومجال نفوذها.

وفي الشرق الأوسط، فإن روسيا وتركيا على طرفي نقيض من الحرب السورية. وفي القوقاز، تدعم تركيا أذربيجان في نزاع كاراباخ حتى مع التوازن الذي تحاول روسيا إحداثه بين أذربيجان وأرمينيا.

وفي أوكرانيا، دخل الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في تحالف عسكري وسياسي استراتيجي مع كييف في بداية الحرب وأرسل طائرات بدون طيار وساعد في بناء البحرية الأوكرانية.

وبالرغم من خلافاتهما، فقد استفاد البلدان من تحسن العلاقات التجارية بينهما هذا العام. وفي أغسطس/آب الماضي، وقّعت موسكو وأنقرة خارطة طريق للتعاون الاقتصادي تتضمن زيادة التجارة إلى 100 مليار دولار سنويًا.

وقد تعززت الشراكة الجديدة مع قبول الروبل الروسي بشكل قانوني في تركيا. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت السلطات الروسية أن تركيا ستبدأ في دفع 25% من فواتير الغاز الروسي بالروبل. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اقترح الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إنشاء مركز للغاز في تركيا، والذي يمكن أن يعوض الخسائر الروسية من تعطل خط أنابيب نورد ستريم.

وبالرغم أن هذا قد يبدو وكأنه تحول متناقض للأحداث، إلا أنه في الواقع منطقي للغاية لكليهما. فالعلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا مبنية في المقام الأول على المصالح الاقتصادية. ويعاني كلا الاقتصادين من مشاكل هيكلية بشكل عام، وكلاهما كان في حالة سيئة خاصة هذا العام، وذلك بسبب الوباء واضطرابات سلسلة التوريد وتداعيات الحرب. وقد جعلت العقوبات مشاكل روسيا أكثر خطورة.

وتحتاج موسكو إلى تصدير موارد الطاقة باستمرار لضمان تدفق الأموال، كما تحتاج أيضًا إلى الحفاظ على إمكانية الوصول إلى الواردات لضمان تدفق السلع الاستهلاكية والمنتجات التي لا تزال روسيا تعتمد عليه. وأصبح ذلك صعبًا دون الوصول إلى نظام "سويفت" للدفع.

في غضون ذلك، يمر الاقتصاد التركي بأزمة حادة بينما يقترب موعد الانتخابات، حيث يتواصل تراجع الليرة التركية وتتفاقم معدلات التضخم. ويخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بشكل منهجي بهدف تقليل تكلفة القروض لزيادة النشاط التجاري. علاوة على ذلك، يعتمد النموذج الاقتصادي التركي على الإنتاج الذي يتم تحفيزه أيضًا من خلال الائتمان الرخيص كما يعتمد على الصادرات لتجنب فائض الإنتاج والركود ولضمان تدفق العملات الأجنبية.

وفي هذا النموذج، تحتاج تركيا إلى شريك تجاري دائم وهنا تأتي أهمية روسيا. كما تعتمد تركيا على موارد الطاقة الروسية، لذلك سيكون من الصعب عليها قول لا للمقترحات التجارية الروسية حتى لو أرادت ذلك.

وتستفيد أطراف ثالثة من التعاون التركي الروسي أيضًا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن موقع تركيا يجعلها مركزًا مثاليًا للعبور.

على سبيل المثال، كان الاتحاد الأوروبي شريكًا تجاريًا مهمًا لروسيا لكن الكثير من التجارة البينية توقفت بسبب العقوبات. وفي ظل هذه الظروف، تصبح تركيا محطة مهمة لعبور البضائع إلى روسيا، فضلاً عن إعادة تصدير المنتجات الروسية مثل الغاز. ولهذا السبب زادت الواردات التركية من إيطاليا وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.

ومع ذلك، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا سيكون زواجًا دائمًا. ببساطة، هناك عقبات جيوسياسية كبيرة تقف في الطريق. ولطالما كانت موسكو نشطة في البحر الأسود، بينما تنظر تركيا إلى الأنشطة الروسية في هذه المنطقة باعتبارها تهديد بشكل أؤ آخر.

تعتقد أنقرة أن السلوك الروسي - سواء كانت الحرب في أوكرانيا، أو التوغل في إقليم أبخازيا الجورجي الانفصالي، أو ضم شبه جزيرة القرم - يمكن أن يقلب ميزان القوى الإقليمية لصالح روسيا، وبالتالي تحاول مواجهة موسكو عندما تعتقد مصالحها مهددة. وبالمثل، تنظر روسيا إلى تمدد تركيا في القوقاز وآسيا الوسطى.

ولا شيء من هذا يعطل التعاون تمامًا بالطبع، لكن كلا الجانبين يفهم أنهما يعملان ضمن مجموعة من المعايير الجيوسياسية بمعنى أن الطرفين يفهمان جيدا أن هناك حدود لفرص التعاون بينهما.

هناك أيضًا اعتبارات عملية تعيق العلاقات بما في ذلك الخدمات اللوجستية والبنية التحتية. وتعتمد تركيا على البحر الأسود في حركة نقل البضائع لكن الحرب في أوكرانيا عرقلت النقل عبر هذا المسار. وتعمل تركيا بنشاط على إيجاد طرق جديدة لتوصيل البضائع. (كانت تركيا مهتمة بشكل خاص بممر زانجيزور الذي يربط أذربيجان بمدينة ناختشيفان، لكن أرمينيا أبطأت المشروع من خلال المطالبة ببناء الطرق وشبكات الاتصالات وفقًا للقانون الأرميني).

لهذه الأسباب، لا تعد تركيا وروسيا حليفين ولا شريكين استراتيجيين، لأن التوتر الجيوسياسي سيكون دائمًا جزءًا لا يتجزأ من علاقتهما، لكن الحقائق الاقتصادية والحاجة إلى الاستقرار المحلي تتفوق دائما على أي خصومات بينهما، مما يؤدي إلى نوبات متكررة من التقارب القائم على مشاريع محددة.

وتلعب تركيا دورًا مهمًا في الوقت الذي أصبحت فيه روسيا أكثر عزلة جيوسياسيًا واقتصاديًا. ولأن علاقتهما تفيد الغرب بشكل غير مباشر، فإن الغرب ليس لديه مشكلة بشكل عام في التفاهم التركي الروسي.

لهذه الأسباب، من المتوقع أن تشهد العلاقات بين تركيا وروسيا مزيدًا من الزخم.

كلمات دليلية
التعليقات (0)