حازم عياد يكتب: سموم العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية ومعضلتها القاتلة

profile
  • clock 25 مايو 2023, 2:30:50 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لم تكن إدانة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر يوم الأحد الموافق 21 أيار/ مايو الحالي لتصريحات وإجراءات حكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه الأولى من نوعها هذا العام.

فالإدانة الموجهة لاقتحام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لباحات المسجد الأقصى وسماح وزير ما سمي الدفاع للمستوطنين للانتقال إلى بؤرة حومش الاستيطانية المغلقة منذ العام 2005 خلافا لاتفاق (فك الارتباط) الذي تم برعاية أمريكية لوقف الاستيطان شمال الضفة الغربية؛ سبقها إدانة أمريكية مماثلة لعضو بارز في حكومة بنيامين نتنياهو؛ وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الـ21 من آذار/ مارس الماضي إثر إدلائه بتصريحات استفزازية وعنصرية في كلمة ألقاها خلال احتفال في العاصمة باريس أنكر فيها وجود الشعب الفلسطيني في حين برزت خارطة تظهر المملكة الأردنية كجزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني على منصة الاحتفال التي ألقى منها سموتريتش كلمته.

المحركات الداخلية للإدانة

الإدانات الأمريكية لوزراء الحكومة الفاشية التي يترأسها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو لم تأتي من فراغ؛ فالعلاقة كانت ولا زالت متوترة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لم يكن متحمسا للقاء بنيامين نتنياهو حتى اللحظة رغم فوزه في الانتخابات وتمكنه من تشكيل حكومته الفاشية؛ فالخصومة وانعدام الثقة مظهر قديم للعلاقة بين الديموقراطيين وعلى رأسهم جو بايدن وبنيامين نتيناهو.

العلاقة بين إدارة الرئيس الأمريكي بايدن وحكومة نتنياهو المشكلة نهاية العام الماضي الموافق 29 من كانون أول/ ديسمبر 2022 طالما كانت باردة ويشوبها التوتر والشكوك وانعدام الثقة إذ لم تخفي إدارة بايدن ميولها لفوز معسكر القومي العلماني المتطرف بقيادة زعيم حزب (يعيش عتيد ـ هناك مستقبل) يائير لبيد وزعيم حزب (المعسكر الرسمي) بيني غانتس؛ في مقابل تفضيل نيتناهو وقوى اليمين الديني الفاشي فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية في العام 2020 ؛وهو توجه لازال عميقا لدى نتنياهو وأركان حكومته الفاشية التي ترى في مرشحي الحزب الجمهوري دونالد ترمب ومنافسه في الانتخابات التمهيدية حاكم ولاية فلوريدا رون  ديسانتس الخيار والبديل الأمثل للرئيس الحالي جو بايدن .

الخصومة السياسية بين إدارة الرئيس بايدن وأركان الحكومة الفاشية التي يقودها بنيامين نتنياهو لا تعد السبب الوحيد للموقف الأمريكي الرافض لإجراءات وتصريحات واستفزازات حكومة نتيناهو ووزرائه؛ فالإدارة الامريكية ترى في السياسة المتبعة من قبل اليمين الديني الفاشي المتعلقة بإصلاح القضاء لتقيد عمل المحكمة العليا في الكيان الإسرائيلي وتعزيز  سلطة ونفوذ وتأثير السلطة التشريعية والأحزاب من خلفها على حساب سلطة القضاء يسمح بإحداث انقلابه في هوية الكيان ودفعه نحو مسار ديني (حريدي) مبتعدا عن العلمانية والمسار الليبرالي الذي يتبناه الحزب الديمقراطي في أمريكا وحلفائهم التقدميين والأوربيين.
 

الإدانات الأمريكية لوزراء الحكومة الفاشية التي يترأسها زعيم الليكود بنيامين نتنياهو لم تأتي من فراغ؛ فالعلاقة كانت ولا زالت متوترة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن الذي لم يكن متحمسا للقاء بنيامين نتنياهو حتى اللحظة رغم فوزه في الانتخابات وتمكنه من تشكيل حكومته الفاشية؛ فالخصومة وانعدام الثقة مظهر قديم للعلاقة بين الديموقراطيين وعلى رأسهم جو بايدن وبنيامين نتيناهو.

موقف إدارة بايدن من قانون تقيد القضاء أو ما يسمى الإصلاحات القضائية وتمكين التيار الديني (الحريدي) المتشدد في مؤسسات الكيان الأمنية والقضائية يخالف توجهات التيار الليبرالي الأمريكي والديمقراطي الذي يميل لصالح لبيد وغانتس ومعسكرهما العلماني وهي معركة لا زالت مفتوحة تتخذ أوجها متعددة أحدها تجنب لقاء بايدن بنتنياهو وتجاهل أركان حكومته سموتريتش وبن غفير من قبل المسؤوليين سواء في أوروبا أو أمريكا؛ وهي موجة تتميز بارتفاع سقف الانتقادات الأمريكية ومن خلفها الأوروبية لقادة الكيان وحكومته الفاشية التي يقودها نتنياهو.

المحركات الإقليمية والدولية

العوامل والديناميكيات الداخلية في الكيان الإسرائيلي وأمريكا لا تعد المحرك الوحيد للموقف الأمريكى الذي عبرت عنه الخارجية الأمريكية بالإدانات يوم الاحد الماضي؛ فالمحركات والديناميكيات الدولية والإقليمية لا تقل أهمية بل تمثل الدافع المباشر والمؤثر الذي يقف خلف الإدانات وأبرزها:

1 ـ رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بتحقيق التهدئة في منطقة غرب آسيا والعالم العربي (الشرق الأوسط) في ظل التوتر الدولي والإقليمي الناجم عن الحرب الأوكرانية وتصاعد التوتر في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي بين الولايا ت المتحدة والصين؛ ما جعل من خفض التصعيد والهدوء غاية وعنوانا للمرحلة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا؛ بهدف التفرغ لمواجهة روسيا والصين سواء في أوكرانيا أو في مضيق تايوان .

2 ـ كبح جماح تمدد النفوذ الروسي والصيني غرب آسيا والعالم العربي (الشرق الاوسط)؛ فالفوضى والعجز الأمريكي عن إدارة ملفات الإقليم وعلى رأسها الملف الفلسطيني يوفر بيئة مناسبة لروسيا والصين لملء الفراغ الناجم عن الفشل  والعجز الأمريكي أمام حليفتها (اسرائيل).

3 ـ إعاقة حكومة نتيناهو الفاشية جهود الولايات المتحدة لإنجاح مبادراتها الإقليمية بتوسعة الإتفاقات الإبراهيمية التطبيعية؛ جغرافيا لتشمل العربية السعودية وتقنيا لتشمل شراكات أمنية تحت قيادة المنطقة المركزية الأمريكية (السيتتكوم)؛ أو سياسيا عبر عقد قمة جديدة لا زالت متعثرة لـ (منتدى النقب) في المملكة المغربية؛ أو عبر تمرير (اجتماعات العقبة) كآلية للعمل المشترك بين السلطة في رام الله والأردن ومصر لفرض الهدوء وخفض التصعيد في الضفة الغربية عبر تمرير الخطة الأمنية الأمريكية  لفرض الهدوء على الأراضي المحتلة.

الجهود الأمريكية لفرض الهدوء في الضفة الغربية واجهت صعوبات جمة بسبب التوجهات المتطرفة والأجندة الفاشية لحكومة نتيناهو؛ إذ لا تبدي مرونة كافية للتعامل مع المتطلبات الأمريكية والمبادرات التي تقترحها؛ بل تهدد بإعاقتها عبر استفزازات متواصلة؛ كالتي أطلقها سموترتيش في باريس وبن غفير ونتنياهو في القدس؛ ما هدد سياسة بايدن بالفشل والانهيار واستدعاه لتوجيه رسائل للكيان وقادته عبر إدانة سياساتها المعلنة باستئاف الاستيطان شمال الضفة واقتحام المسجد الأقصى؛ إدانات لا تملك أنيابا لغياب الأدوات والعقوبات التي تمثل خطا أحمر لن تتجاوزه إدارة بايدن كما لن تتجاوزه القوى الأوروبية؛ مكتفية برفض استقبال مسؤولي حكومة نتيناهو كوزير المالية سموتريتش وزير الأمن القومي بن غفير وهي إجراءات لا ترتقي إلى مستوى العقوبات  الرادعة.

ختاما..

هواجس أمريكا من العجز والفشل السياسي في إدارة ملفات الإقليم وتمرير رؤيتها بخفض التصعيد بات معضلة أمريكية-إسرائيلية قاتلة للنفوذ الأمريكي في المنطقة عبر عنه المتحدث باسم الخارجية الأمريكي ماثيو ميلر بالقول: نشعر باضطراب بالغ إزاء الأمر الذي أصدرته الحكومة الإسرائيلية للسماح لمواطنيها بإنشاء تواجد دائم في بؤرة حومش الاستيطانية في شمال الضفة الغربية، مضيفا القول: نشعر أيضا بالقلق إزاء الزيارة الاستفزازية اليوم ـ الاحد ـ إلى الحرم الشريف في القدس والخطاب التحريضي الذي رافقها.

 لغة دبلوماسية أمريكية لم تقدم الكثير سوى التأكيد على تطور العلاقة الأمريكية ـ الإسرائيلية السامة إلى معضلة قاتلة لنفوذها بمحركات محلية داخلية (أمريكيا وإسرائيليا) وأخرى اقليمية ودولية (أوكرانيا وتايوان)؛ فعجز واشنطن عن مجاراة الاجندة الفاشية المزدحمة للكيان الاسرائيلي زمانيا ومكانيا؛ سواء عبر اجتماعات العقبة وشرم الشيخ أو عبر مبادرات التطبيع المتعثرة ؛ وغياب الأدوات الفاعلة والمؤثرة في إدارة العلاقة مع الكيان المحتل وعلى رأسها العقوبات؛ وفقدانها القدرة على تحقيق الهدوء في المنطقة؛ فتح الباب واسعا للتحرر من النفوذ الأمريكي بمناورات سياسية ودبلوماسية للقوى الإقليمية والمحلية تنسجم مع طبيعة المستجدات الدولية والإقليمية بل والداخلية الأمريكية والإسرائية


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)