حسام الغمري يكتب : الحلم المصري .. نظام الحكم ( 2 )

profile
حسام الغمري إعلامي وسياسي مصري
  • clock 20 يونيو 2021, 8:30:18 م
  • eye 1038
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لقد عانت مصر من تغيرات حادة في أنظمة الحكم المتعاقبة عليها خلال قرنين من الزمان ، بداية من الحكم الإستبدادي الذي فرض نظامه الإحتكاري على الشعب مع سيادة منقوصة ، ثم نظام ملكي يحميه الإحتلال الأجنبي ، كانت فيه سلطة المستعمر العسكرية  هي السلطة الفعلية في البلاد ، ثم تحولت مصر إلى الملكية الدستورية بعد نضال شعبي هائل مع استمرار وجود المحتل الذي ما توقف يوما عن التدخل في شؤون مصر الداخلية رغم الاستقلال الاسمي ، وذكر فؤاد سراج الدين باشا أن الملك فاروق كان قد وافق بعد حريق القاهرة على تعديل دستور 23 بحيث لا يصبح من حق الملك حل البرلمان الشعبي المنتخب ، بشرط أن يبتعد غريمه النحاس باشا عن السلطة وعن رئاسة حزب الوفد ، ولقد وافق النحاش باشا على ذلك كما أكدت بعض المصادر ، وكان من المزمع اجراء هذا التعديل الدستوري بعد الانتخابات المقررة في نهاية صيف عام 1952 .. ولكن جاءت حركة الجيش لتعيق التجربة ، وتسيطر على الحكم  ، وان كانت قد استطاعت  تحقيق حلم الجلاء بعد أربعة أعوام من استيلائها على الحكم ، وفي مقابل ذلك عطلت الديمقراطية الناشئة قبل مرور ثلاثة عقود لم تكن كافية بالطبع لترسيخ وتعميق المفاهيم الديمقراطية في البلاد التي ناضل الشعب من أجلها وقدم الكثير من التضحيات لاسيما أبان ثورة 1919 ، وصولا إلى حكم الفاشية العسكرية الإقصائية الذي استبدل الأمتيازات التي كانت ممنوحة لبعض الأسر الحاكمة ولبعض الأجانب ، بإمتيازات خاصة ومعقدة للطبقة العسكرية التي تحكم بدعم من بطانة مدنية رقيقة قوامها المتعاونين معها والمنتفعين منها ، والمكرسين والمشرعين لأطماعها ، مع تهميش متعمد لكل شرائح الشعب الأخرى وطوائفه من علماء وأكاديميين ومثقفين وسياسيين وعمال وفلاحين . 

وبناء عليه ، ولكسر اسطورة الفرعون المتسلطة على وجدان آمال الشعب منذ آلاف السنين ، يرى الحلم المصري أن نظام الحكم البرلماني هو الأقدر على إعادة ترسيم العلاقات المدنية العسكرية ، بحيث تحتفظ المؤسسة العسكرية برمزية منصب رئيس الجمهورية بعد استفتاء شعبي عام ، على أن تنتقل مهمة إدارة الدولة لرئيس الوزراء المنتخب الذي يستطيع  حزبه تشكيل ائتلاف حاكم يضمن أغلبية برلمانية مريحة ، ويحتفظ لنفسه باسم الشعب بسلطات الحاكم العسكري عند الضرورة ، كما يشارك في عضوية مجلس الأمن القومي المصري الذي يضم رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ورئيس الأركان ووزيري الخارجية والمالية ، وهذا المجلس هو الذي يتخذ قرار الحرب والسلام بأغلبية الأصوات وليس كما فعل السادات منفردا عامي 1977 و 1979 . 

و يرى الحلم المصري ان التوسع في لا مركزية الإدارة هو الأسلوب القادر على تحقيق طفرات اقتصادية وديموجرافية مؤثرة في الأجل القصير ، وذلك بجعل اختيار المحافظين يتم عبر الانتخاب الشعبي المباشر ، ويكون المحافظ مسؤلا أمام مجلس محلي منتخب له وحده الحق في أن يتقدم لرئيس الوزراء بطلب عزل المحافظ والدعوة لإنتخابات مبكرة وذلك بأغلبية يحددها القانون ، كما يُنتخب رؤساء المدن والأحياء ويحق للمحافظ عزلهم والدعوة إلى انتخابات مبكرة أيضا لرئاسة المدن والأحياء بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس المحلي ، ويحق للمحافظ استخدام حق النقض – الفيتو - اذا كان رفض المجلس لأي قرار من قراراته بأغلبية أقل من الثلثين ، كما يتم إنشاء كليات للشرطة ومعهد للأمناء يقبل ابناء المحافظات أو المقيمين فيها قبل عشر سنوات من تاريخ الإلتحاق بهما ، ويكون تعيين الخريجين داخل نفس المحافظة ويتولون إدارة أقسام الشرطة فيها تحت الإدارة المباشرة للمحافظ المنتخب ، واشراف عام ومراقبة وتطوير ودعم من وزارة الداخلية المركزية بالعاصمة ، كما يكون لكل محافظة نصيب مباشر من الضرائب العامة والرسوم التي يدفعها المواطنون داخل كل محافظة وفق نسبة يحددها البرلمان ، تستخدم لتطوير المرافق والخدمات ودعم الانتاج والتصنيع – لا سيما الصناعات الوسيطة - والسياحة والزراعة في كل محافظة ، ويقوم المجلس المحلي داخل كل محافظة بمناقشة وإقرار الميزانية السنوية التي يقدمها كل محافظ ، ويتابع أوجه انفاقها ، ويحق له استثمارها في مشاريع يكون أولى أهدافها هو خلق الوظائف الجديدة للشباب ، وثاني أهدافها هو التصدير وفق المميزات النسبية لكل محافظة . 

وهذه الأفكار كلها تخضع للتطوير والتبديل والتغيير بعد المناقشات الجادة ، وصولا إلى حلم مصري يدفع ويحفز الجماهير مرة أخرى للمشاركة الفعالة والحاسمة في حلم التغيير ، بل حلم الإنقاذ ، بل هو حلم التحرير الحقيقي الذي ما انفكت همم الشعب تتوق إليه عبر الحقب المختلفة في العصر الحديث

التعليقات (0)