حسين مجدوبي يكتب: حول خطورة بعض المصطلحات

profile
  • clock 13 يونيو 2023, 4:31:06 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نستعمل عددا من المصطلحات في الحقل الأكاديمي، وفي المجال الإعلامي، في العالم العربي، من دون الانتباه في الكثير من الأحيان لحمولتها المعرفية والسياسية، وعادة ما تكون هذه المصطلحات متناقضة مع القيم التي نؤمن بها والمواقف التي ندافع عنها. ومن هذه المصطلحات التي تتناسل في كتبنا ومقالاتنا من دون وعي نجد «ما بعد الكولونيالية» و»المنتظم الدولي»، ثم «أسلحة الدمار الشامل».
وعمليا، ما زال الغرب بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة يتحكم في فرض مصطلحات ليست باللغات الغربية مثل الفرنسية والإنكليزية، بل حتى بالعربية. ويعود هذا إلى القوة التي تتمتع بها وسائل الإعلام الغربية الناطقة بالعربية، فقد فرضت الإذاعات الغربية الناطقة بالعربية مثل راديو «بي بي سي» في أوجه ذروته ما بين الأربعينيات إلى نهاية التسعينيات من القرن الماضي مصطلحات دقيقة على المتلقي العربي، أكان مثقفا أم لا. ويبقى الدور الحساس جدا الذي يستمر إلى يومنا هذا هو دور الأقسام العربية لوكالات الأنباء، خاصة رويترز وفرانس برس. فقد فشل العالم العربي في إنشاء وكالة أنباء ذات أجندة محددة من جهة، ثم دقيقة في تعريب المصطلحات المستعملة في المجال الإعلامي، وتزخر الجرائد العربية، الورقية والرقمية منها، بأخبار الوكالتين، وهذا يعني فرض مصطلحات يوميا بسبب أن هذه الأخبار مترجمة.
وارتباطا بهذا، نجد قناة تلفزيونية في وزن وثقل «الجزيرة»، تفتقد لوحدة أو لجنة متخصصة في مراجعة المصطلحات، أو إصدار مصطلحات خاصة لتعميمها تكون بديلا لتلك التي تنتجها الأقسام العربية، تراعي الثقافة العربية والقيم العربية والمواقف السياسية العربية. وتعد إشكالية المصطلحات ثم بلورة أجندة إعلامية دقيقة، غير مرتبطة بما تفرضه بطريقة غير مباشرة وكالات الأنباء وأقوال الصحف الغربية الكبرى من التحديات الكبيرة التي لا تلاقي اهتماما، نظرا لضعف البحث العلمي في علوم الإعلام. في هذا الصدد، سنقدم ثلاثة مصطلحات تعايشنا معها خلال العقدين الأخيرين في المجال الأكاديمي والإعلامي، ولا نتوقف كثيرا عندها لنبحث عن بديل لها يتماشى والمواقف السياسية.
أولا: مصطلح ما بعد الكولونيالية، وهو من المصطلحات الأكثر استعمالا في المجال الأكاديمي في الغرب وفي العالم العربي، بل وفي مجمل الدول التي خضعت للاستعمار، وهذا المصطلح هو غربي في الجوهر، يعكس مرحلة ما بعد خروج الاستعمار من عدد من الدول، ومنها العالم العربي، وبالخصوص دراسة الإرث الاستعماري في مختلف القطاعات، هو مصطلح للتأريخ من وجهة نظر الآخر، أي الغربي الذي يفرض أجندته المعرفية – التاريخية، إذ ما زال الغربي صاحب المبادرة في تحديد الحقب التاريخية، ونعتمد منهجه وتصوره للتأريخ من دون تردد أو تساؤل. عمليا، مصطلح «ما بعد الكولونيالية»، يرادفه وفق ثقافتنا مصطلح «ما بعد الاستقلال»، وهذا الأخير يحمل دلالة رمزية كبيرة، يجعل من الشعوب، في هذه الحالة العربية، هي الفاعل الحقيقي في صنع التاريخ، أي صنع الاستقلال. بينما «ما بعد الكولونيالية» يجعل الآخر، المستعمر هو الفاعل الحقيقي.

تعد إشكالية المصطلحات ثم بلورة أجندة إعلامية دقيقة من التحديات الكبيرة التي لا تلاقي اهتماما، نظرا لضعف البحث العلمي في علوم الإعلام

ثانيا، المنتظم الدولي، هو من المصطلحات الأكثر استعمالا وتكرارا في وسائل الإعلام الدولية، إذ يكفي أن تصدر باريس ولندن وواشنطن موقفا في قضية ما، حتى يستعمل جزء من العالم، وبالخصوص في العالم العربي «المنتظم الدولي يقول»، أو «المنتظم الدولي يرى» أو «المنتظم الدولي يقرر». وتعودنا تلقائيا ومن دون وعي ترديد هذا التعبير «المنتظم الدولي». وقد يكون هذا مقبولا سياسيا في الماضي، ولكن ليس معنويا لأنه لا يمكن لمجموعة من الدول الانفراد بتمثيل المنتظم الدولي، بسبب هيمنتها الاقتصادية والعسكرية سابقا. حاليا، يعد استمرار استعمال «المنتظم الدولي» في وقت انتهت قطبية الغرب، بسبب الثنائي الصين -روسيا، وظهرت قوى إقليمية جديدة مثل تركيا وإيران والبرازيل ذات قرار في محيطها الإقليمي، غباء ثقافيا ومعرفيا.
ثالثا، أسلحة الدمار الشامل، يعتبر هذا من المصطلحات التي تعكس أعلى مستويات الخداع التاريخي من طرف بعض صناع القرار الحربي في الغرب وأساسا في واشنطن ولندن. فبعدما قررت الولايات المتحدة وبريطانيا شن حرب ضد العراق، ولتغليط الرأي العام العالمي لقبول مبدأ الحرب، جرى استعمال تعبير «أسلحة الدمار الشامل»، حيث يكون لهذا التعبير وقع الرفض والتنديد مباشرة على المتلقي، بسبب رفض الضمير الإنساني للحروب. لم يستعمل خبراء الحروب في البلدين «تطوير العراق لأسلحة كيماوية ونووية»، بل «أسلحة الدمار الشامل»، علما أن البرنامج النووي والكيماوي العراقي كان جنينيا. هنا نتساءل: هل الأسلحة التي يستعملها الغرب أساسا ليست أسلحة دمار شامل؟ لماذا نسمع ونقرأ «أجرت واشنطن أو فرنسا تجربة نووية، وليس تجربة بأسلحة الدمار الشامل». انفضحت أكذوبة امتلاك العراق لهذه الأسلحة، لكن بعد التسبب في مقتل الملايين، وما زال العالم، خاصة العالم العربي ومنهم المناهضون لهذه الحرب والمنددون بها يستعملون تعبير «أسلحة الدمار الشامل» بدل التعبير الصحيح وهو أسلحة نووية. وهكذا نرى أن مصطلح «نووي» يقتصر على الغرب لأنه مرادف للدفاع والتقدم الإنساني، لاسيما عندما نتحدث عن الطب النووي والطاقة النووية السلمية، في حين جرى جعل نظام صدام حسين مرادفا لأسلحة الدمار الشامل. بالموازاة مع نهاية القطبية الغربية، وبزوغ عالم جديد يتميز بأقطاب متعددة، ظهرت حركة فكرية تعيد النظر في إنتاجات الغرب، لاسيما المعرفة والمصطلحات ذات الحمولة الأيديولوجية غير البريئة. هذه الحركة متقدمة في بعض المناطق مثل أمريكا الجنوبية، وقد شهد العالم العربي منعطفا من خلال الكتاب المرجعي «الاستشراق» للراحل إدوارد سعيد، غير أن هذه الحركة لم تسجل بعد قفزة نوعية من ضمن مهامها، ليس فقط تصحيح الكتابة التاريخية وإعادة النظر في بعض الإنتاجات المعرفية، بل إعادة النظر في استعمال المصطلحات بتغيير بعضها، لتنسجم مع القيم المعرفة والتاريخية والأهداف للشعوب، ومنها العربية، التي عانت من الاستعمار وغطرسة الآخر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)