حصن الزيدي المسكون بالعنف مهما اختلفت مرجعيات حكامه

profile
  • clock 18 أبريل 2021, 11:45:06 ص
  • eye 2185
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


ينطق التاريخ الرسمي دائما بلسان السلطة ويحتفي بالسلطان متجاهلا عوام الناس مع أنهم هم الذين يصنعون التاريخ بدمائهم، فلما ظهرت الرواية حاول مبدعها أن يؤنسن التاريخ فاحتفى بالمهمشين والمقهورين وكل من أغفلهم المؤرخ الرسمي، هكذا نشأ التعارض بين دوري المؤرخ والروائي الذي يصبح رهانه أن يملأ الفراغات التي أهملها التاريخ الرسمي، وأن يذكر ما أغفله المؤرخون، وأن يعي دائما أن دوره التأويل وليس إنتاج معرفة تاريخية.

تحولات الحصن

رواية "حصن الزيدي" هي الرواية الفائزة بجائزة راشد بن حمد لعام 2019، والصادرة مؤخرا عن دار نوفل للنشر والتوزيع في بيروت،

 تتخذ من الحصن عنوانا لها، وفضاء يحتوي أغلب أحداثها، فهو بؤرة الأحداث باعتباره رمزا للسلطة، لذلك فالأقسام الثلاثة المكونة للرواية تنسب الحصن للسلطة المهيمنة، 

مرداس (القبيلة) في القسم الأول، والزيدي (رجل الدين) في القسم الثاني، أما الثالث والأخير فالنسب للضابط الذي يحكم باسم الثورة.

 تبدأ الرواية بمشهد سينمائي متقن، حيث تركز الكاميرا على عبدالجبار ملقي على الأرض، ينقل نظره من بندقية أبيه الشيخ مرداس إلى عيني الأب، لحظات وتنطلق رصاصة تردد الجبال صداها، لقطات متعاقبة تصور مشهد قتل شيخ الحصن لابنه الكبير، ثم تنتقل الكاميرا إلى الأم شبرقة في جناحها، وهي لا تصدق أن زوجها قتل ابنها، فتركز ناظريهٌا على أطراف غابة الجبال حيثٌ تدور الحرب..

 تنتظر أن يأتى الزوج مكذبا الخبر، فلما لا يأتى تضطر للتصديق و تغلق النافذة وتنكفىء على نفسها كسيرٌة.

 تهرب شبرقة من لحظتها القاسية إلى الماضي، لتنثال ذكرياتها ابتداء من يوم العرس وهي راكبة الحمار، متجهة نحو الحصن الذي يبدو لها "مهيمنا من قمته البعيدة"، تبلغ القمة لكنها تتركها بزواج الشيخ من فاطم ابنة الشيخ الزيدي، قبل خمسة عشر سنة، كان جبار صبيا يافعا لم يفسد بعد، 

فكأن فساد الأب الذي انتقل إلى الابن لم يستفحل إلا بمصاهرته لرجل الدين الذي اتخذ منه مستشارا، بقتل جبار تفقد شبرقة كل شيىء إلا الذكريات فتستسلم لها، تتذكر ابنها الأكبر "عنصيف" وشبابه ودوره في فرض السطوة على الوادى، 

تتذكر عودته متقدما رعيته يحملون الأسلاب، وتشير الرواية عبر الذكريات أيضا إلى ملمح هام من ملامح المكان، يتمثل في طبقة "الأخدام"، 

الذين تصفهم بأوصاف سلبية فهم غرباء عن الوادي، سود، غوغاء، أقذار، يسكنون الأكواخ التي تتجاور مكونة الأدرام،

 وهي تشكل هامشا بالنسبة للحصن الذي يمثل المتن، فساكن الحصن هو السيد، وسكان الأدرام أخدام، يعيشون حياة بهائمية،

 ويمارسون المحرمات ولا يعرفون دين الله، ذلك من وجهة نظر سكان الحصن. 

لذلك تستهدف زخات الرصاص تجمعات الأخدام فهم إن ماتوا لا دية لهم وإن عاشوا يعمل من يقدر على العمل أجيرا في المزارع وبأجر بخس، 

عنصيف تعجبه واحدة من الأخدام اسمها حمامة فيتخذها خادمة في الحصن، ويزورها ليلا فتحمل منه، تلد بنتا تسميها زهرة البنت تحمل ملامح عنصيف ولون بشرته، 

وتشبه جدتها شبرقة، التى تستدرج حمامة حتى تعرف من الأب الحقيقى لابنتها. 

تستقر لها الأمور إلى أن يقتل عنصيف ويفر قاتله محتميا بالشيخ شنهاص شيخ غرب الوادى، تمرض شبرقة وتكاد تموت ويفاجئها الشيخ مرداس بالزواج من إحدى أقرباء قاتل عنصيف، وينجب منها ابنا يسميه جمالا. هنا يتدخل الراوى العليم في ذاكرة شبرقة التي لا تتذكر كأم ثكلى، لكن تكمل حكاية عنصيف والحصن،

 وتحكي أشياء لا يفترض علمها بها، ويتأكد البعد الطبقى في كراهية سكان الحصن لحمامة السوداء، وفي أمثالهم ومنها "اغسل الوعاء بعد الكلب واكسره بعد الخادم".

 هكذا يهرب الأخدام والمزارعين إلى غابة الجبل، ويزداد تدريجيا عدد الهاربين وليسوا جميعهم من الأخدام، منهم أبناء عمومة لمرداس وأقارب لسكان الحصن،

 فيشرعون في شن هجمات ليلية على الحصن، والشيخ زيد الفاطمى في خطبة الجمعة يلعن الفارين ويسميهم العصاة. 

لكنهم يواصلون التقدم، وتنحدر تدريجيا سلطة الحصن حتى ينقلب الشيخ زيد الفاطمي على صهره، 

فيحبسه ويسيطر على الحصن الذي يصبح "حصن الزيدي"،

 في إشارة إلى انتقال السلطة من شيخ القبيلة إلى رجل الدين ومعه تزداد الأمور سوءا، ويستمر القتل والحرق والحبس حتى تقوم الثورة في صنعاء ويسقط حكم الأئمة، في البدء يظل الزيدي حاكما للحصن الذي يبدو وكأن لا صلة تربطه بالعاصمة وما شهدته من تغيرات، حتى يعود جمال ابن مرداس، وكان قد تعلم في مصر وعاد إلى اليمن ضابطا، 

ثم إلى الحصن ممتطيا صهوة دبابة، داخلا الوادي الذي لم تدخله من قبل سيارة، فيدك ما يعترضه من حجر وشجر، 

ويطلق مدفعها القذائف مهدما ما تسقط عليه وناشرة الرعب في القلوب قبل أن تتوقف لينزل منها جمال معلنا وصول الثورة إلى الحصن الذي أصبح "حصن الثورة" ويخطب في الناس واعدا بشمس جديدة تشرق على الوادي، وتساوي بين الجميع، لكن جمال سرعان ما يختفي ليعود الناس إلى تفرقهم، ولتبقى الدبابة رابضة في مكانها ليمتلىء مدفعها بأعشاش العصافير. 

هكذا لا تختلف سلطة عن أخرى، سواء انتمت إلى قبيلة تقسم الناس إلى سادة وعبيد، 

أو أئمة يطوعون الدين لمصلحتهم الشخصية أو ثوار لا يملكون سوى الشعارات وإطلاق الوعود التي لا يستطيعون الوفاء بها، 

فلم يتغير في الحقيقة إلا ايم الحصن في تبعيته للسلطات المتعاقبة على حكمه، بينما أحوال الناس ظلت مقيمة على بؤسها.

تشابه واختلاف.

القاهرة من: أحمد رجب.

التعليقات (0)