- ℃ 11 تركيا
- 3 مايو 2024
حلمي الأسمر يكتب: ما سر حبنا لأردوغان؟
حلمي الأسمر يكتب: ما سر حبنا لأردوغان؟
- 2 يونيو 2023, 6:08:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
زرت تركيا عدة مرات، وفي كل مرة كنت أزورها أزداد حبا لها، أنا لا أعرف شكل تلك البلاد -بشكل فعلي وشخصي- قبل أردوغان، ولكنني عرفت تلك الصورة عبر قراءاتي ومسموعاتي المباشرة من الأصدقاء والمسؤولين الأتراك. باختصار شديد، تركيا قبل أردوغان كانت تحارب هوية الشعب التركي بشكل شرس، ابتداء من منع النساء من ارتداء الحجاب، وانتهاء بالتنكر لكل ما هو مسلم، أو حتى عربي إلى حد كبير!
في إحدى أهم زياراتي، كنت جزءا من وفد عربي ضم نخبة من كتاب وصحفيي العرب، وكان منهم المرحوم جمال خاشقجي، وأتيح لنا حينها أن نلتقي نخبة الحكم في البلاد، ما دون رئيس الوزراء آنذاك أردوغان، وقد كانت تلك فرصة ذهبية للتعرف على "العقل" الذي يدير الدولة. وابتداء من ذلك التاريخ، وما قبله، كان واضحا أن الرجل يجدف عكس التيار الذي يحكم العالم، وقد اجتهدت خلال تلك الفرصة التي أتيحت لي، محاولة الوصول إلى أحد أهم أسرار التجربة التركية الفريدة.
سلوك الرجل ورجاله وصناع التجربة، لهم سمات معينة هي أقرب ما تكون لرجال الحركة الإسلامية المعاصرة، على الرغم من حرص الجميع على الإعلان عن عدم وجود أي علاقة بينهم وبين أي من تنظيمات ما يسمونه "الإسلام السياسي"، أو ما نسميه الحركات السياسية التي تتكئ على إحياء الهوية الإسلامية، و"ترميم" صورة المسلم المعاصر.
وظل ذلك الهاجس يخيم عليّ فترة طويلة، خاصة أن سلوك الرجل ورجاله وصناع التجربة، لهم سمات معينة هي أقرب ما تكون لرجال الحركة الإسلامية المعاصرة، على الرغم من حرص الجميع على الإعلان عن عدم وجود أي علاقة بينهم وبين أي من تنظيمات ما يسمونه "الإسلام السياسي"، أو ما نسميه الحركات السياسية التي تتكئ على إحياء الهوية الإسلامية و"ترميم" صورة المسلم المعاصر، علما بأن البحث في النظرية الأردوغانية ورجالاتها توصلنا ببساطة إلى معرفة "الإناء" الذي يشرب منه هؤلاء.
وعلى مدار سنوات طويلة من متابعة هذه "النظرية" أو التجربة العملية بالأحرى، كنت أبحث عن "المرجعية" التي تحكم فعل الرجل وقراراته، هو وفريقه الحاكم، وما إذا كان له "شيخ" أو "شيوخ" أو "هيئة شرعية"، يقدمون له النصح و"الاجتهاد" المعاصر. وقد كنت في كل مرة أسأل هذا السؤال لا أجد جوابا شافيا، إلا أن الصمت أو "المراوغة" أعطاني انطباعا شديدا بأن هناك هيئة شرعية تضيء لأردوغان طريق عمله في كيفية إدارة الدولة، وسط بيئة دولية معادية لهذه المرجعية، فضلا عن وجود حراس شرسين للأتاتوركية في الداخل، وكان من هؤلاء قوى ذات شوكة في الجيش والقوات الأمنية، تمكن أردوغان بنفسه الطويل من تحييدهم، وتلك كانت علامة فارقة في تجربة الرجل، فقد كان هؤلاء حراسا أمينين على إرث أتاتورك، وكلما برز زعيم سياسي تمرد أو حاول التمرد عليها، كان مصيره السجن أو الإعدام، وما شهده الراحلان أربكان ومن قبله مندريس ليس ببعيد.
تركيا اليوم، بعد نصر الأردوغانية السابع عشر على مدار أكثر من عقدين، تبدأ عقدا جديدا، له آثاره البعيدة ليس على تركيا فقط، بل على كل بلاد الإسلام، السني تحديدا، ليس لأنها حملت تركيا من الهامش إلى المركز، بل لأن التجربة ترسي قواعد جديدة لما يسمى "الإسلام السياسي"، وهو اصطلاح أتحفظ كثيرا لدى استعماله، ولكن لا مندوحة كما يبدو من هذا الأمر، بسبب دلالته التي استقرت في العقل الجمعي العربي.
تركيا اليوم تمضي بمرجعية إسلامية معاصرة جديدة، تشق طريقا لم يُسلك من قبل، فيه من فقه الواقع والموازنات الكثير، وفيه مبادئ جديدة في كيفية النضال من أجل النهوض بهذه الأمة، التي يراد لها أن تكون ممزقة محكومة من قبل نخب يمتد ولاؤها إلى خارج بلادنا، وبمرجعيات لا تمت بصلة للهوية الإسلامية، وتحارب بشكل مباشر أو غير مباشر تلك المرجعية التي تستمد منها الأردوغانية حياتها، وهديها، ومبادئها.
الدراسة المعمقة للأردوغانية، تقدم فقها سياسيا شرعيا جديدا، يستحق أن يكون جزءا من منهج كل من يريد أن ينهض بالأمة، التي أمضت قرنا كاملا في غيابة الاستعمار؛ لأن تركيا اليوم هي أكثر البلاد تطبيقا للفقه الإسلامي المعاصر، الذي يراعي خصوصية هذا العصر، المحكومة بمنظومة محكمة وممتدة وشرسة تناصب الإسلام والمسلمين العداء. تركيا اليوم تمضي بمرجعية إسلامية معاصرة جديدة، تشق طريقا لم يُسلك من قبل، فيه من فقه الواقع والموازنات الكثير، وفيه مبادئ جديدة في كيفية النضال من أجل النهوض بهذه الأمة، التي يراد لها أن تكون ممزقة محكومة من قبل نخب يمتد ولاؤها إلى خارج بلادنا، وبمرجعيات لا تمت بصلة للهوية الإسلامية، وتحارب بشكل مباشر أو غير مباشر تلك المرجعية التي تستمد منها الأردوغانية حياتها، وهديها، ومبادئها. وهنا تكمن المفارقة الكبرى بين تطلع ملايين المسلمين في أصقاع الدنيا لما تعيشه تركيا، وبين ما تعيشه تلك الملايين من استلاب وانتهاك لحقوقها من قبل تلك النخب الرابضة على صدورها، بلا انتخابات ولا ديمقراطية!
أعلم أن كثيرين لن "يستسيغوا" ما أقول، وسأجد منهم من يقول لي أن الرجل "صالَحَ" كيان العدو، وتعامل معه تجاريا، ومد يده لفلان وعلان من حكام ظلمة، وأن لديه قوانين لا تمنع الخمر ولا حتى الدعارة، وأن وأن.. وكل هذا مناقض لتعاليم الإسلام الصريحة، وأقول لهؤلاء ولغيرهم، لو لم يسلك أردوغان تلك الطريق الوعرة، المحاطة بكل هؤلاء الأعداء في الداخل والخارج، لما تمكن من الوصول إلى وصل إليه، ولو قسنا حجم ما تم إنجازه لتركيا وللمستضعفين في العالم الإسلامي، بما يقوله هؤلاء، لعرفنا أهمية ما تم تحقيقه. والمجال يعجز هنا عن الحديث بتوسع أكثر عن تلك المعادلة التي تكاد تكون مستحيلة، بين الحفاظ على هوية الدولة وتجنيبها مخاطر الوحوش المتربصين بها داخليا وخارجيا، بل وضعها أيضا على خارطة الدول الكبرى والمؤثرة وبهوية إسلامية لا تخطئها العين، إلا إن كان بها رمد.
كلمات دليلية
التعليقات (0)
أخبار متعلقة
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
خميس, 02 مايو 2024
عومر دنك يكتب: عن المفاوضات مع حماس (مترجم) خميس, 02 مايو 2024
واشنطن بوست: إسرائيل أخلت بمفاهيم الأمومة والأبوة في غزة بسبب قتلها الأطفال خميس, 02 مايو 2024
شكاوى إسرائيلية من تأثيرات عدوان غزة على الاقتصاد وانخفاض تصنيفه الدولي الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس صحافة عالمية
جمعة, 26 أبريل 2024
عودة شبح فيتنام.. "نيويورك تايمز": احتجاجات الجامعات تنذر بصيف ساخن جمعة, 26 أبريل 2024
"التحرر من الصهيونية".. ننشر الترجمة الكاملة لمقال ناعومي كلاين في الجارديان جمعة, 26 أبريل 2024
إسرائيلي حارب في لبنان 2006: " نحن بلد قذر".. هل اقترب زوال الاحتلال؟