دراسة أمريكية جديدة : مستقبل العسكري الحكم في مصر والسودان وليبيا والجزائر

profile
  • clock 20 مارس 2021, 2:14:41 م
  • eye 1865
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


الدراسة صدرت أمس الأول ضمن كتاب بعنوان:

"سياسات السلطوية العسكرية في شمال إفريقيا" 

ويشمل دراسات عن مستقبل سيطرة العسكريين على الحكم في مصر والسودان وليبيا والجزائر.

المحرر الرئيسي للكتاب وكبير الباحثين هو د. يزيد صايغ، أصدره من مركز مالكوم كِر التابع لمعهد كارنيغي الأمريكي للشرق الاوسط، ومقره بيروت. ودكتور صايغ احد أبرز الدارسين المتخصصين في العلاقات العسكرية-المدنية بالعالم العربي.


فيما يلي نص الدراسة المتعلقة بمصر في الكتاب، مترجمة عن الإنجليزية:

د. ريسا بروكس

أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة ماركيت بولاية ويكنسون الامريكية، وباحثة بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية المرموق في واشنطن، وهي متخصصة في الشئون العسكرية الأمريكية وعلاقاتها بالمؤسسات العسكرية في شمال افريقيا..


العلاقات العسكرية المدنية في مصر السيسي

نظرًا إلى التحديات التي تواجه مصر، قَلَبَ السيسي الصيغة الأساسية للعلاقات العسكرية المدنية المصرية وزاد من سيطرته الشخصية على المؤسسة العسكرية.


يظل المنطق الأساسي للعلاقات العسكرية المدنية في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كما كان عليه في مصر منذ عقود، على الرغم من أن ذلك قد يتغير. يجب أن يستوعب الرئيس مؤسسة عسكرية كبيرة ويراعي مصالحها التنظيمية والاقتصادية للاحتفاظ بدعمها وبسلطته في الحكم.

ومع ذلك، نظرًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه مصر، من غير المؤكد ما إذا كان السيسي قادرًا على الوفاء بالتزامه في تلك الصفقة. ربما لهذا السبب، قد يسعى إلى قلب الصيغة الأساسية للعلاقات العسكرية المدنية المصرية من خلال زيادة سيطرته الشخصية على المؤسسة العسكرية وقوّات الأمن، وهي استراتيجية محفوفة بمخاطر كبيرة.


سلطة مستقلة للحكم


إنّ حياة السيسي المهنية العسكرية الطويلة وأدواره القيادية، بما في ذلك مناصبه في المخابرات العسكرية وكوزير للدفاع في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، تعني أنه يدرك ويشاطر النظرة الأساسية لأولئك الذين يديرون المؤسسات العسكرية المصرية اليوم. ومع ذلك، فإن مصالح السيسي كرئيس لا تتوافق بالكامل مع مصالح المؤسسة العسكرية. إن كان السيسي غير راغبًا في أن يبقى دمية أو سجلًا خاملًا لمصالح جنرالاته، فعليه الحفاظ على سلطة مستقلة للحكم، وربما قاعدة دعم في الدولة والمجتمع لموازنة اعتماده على القطاع القسري .


في الواقع، كان اعتماد السيسي على مصلحة المؤسسة العسكرية واضحًا منذ البداية، حتى قبل أن يحصل على موافقتها على الترشح للرئاسة في عام 2014. فعلى سبيل المثال، ضمّنت القيادة العسكرية، في إطار الدستور الذي تمت صياغته في أواخر عام 2013، ضمّنت القيادة العسكرية ضوابط حول من يختاره الرئيس كوزير للدفاع عن طريق اشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة على التعيينات لفترتين. كما جعلت المراسيم اللاحقة التي أصدرها الرئيس المؤقت عدلي منصور وزير الدفاع على رأس المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة، وبدلًا من الرئيس كما في الماضي. وعلى الرغم من أن السيسي قد عيّن منذ ذلك الحين وعزل العديد من القادة العسكريين، بمن فيهم وزير دفاعه، فإن هذه الأحكام الدستورية هي تذكير بأنه يحتفظ بهذه الصلاحيات، وفي نهاية المطاف على منصبه بناءً على طلب جنرالاته.


اعتمد السيسي في إدارة علاقته مع المؤسسة العسكرية على تكتيكات مُجرّبة تتعلق بالتنازل لصالح سيطرة القوّات المسلّحة على أجزاء كبيرة من الاقتصاد. بدأ النمط الذي نراه اليوم في مقايضة الولاء العسكري مقابل جزء من الاقتصاد في عهد الرئيس السابق أنور السادات. ومع نزع السلاح في سيناء والتغييرات الأخرى التي كانت مطلوبة في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، سعى السادات إلى تعويض المؤسسة العسكرية (وتوفير وظائف لأفرادها) من خلال توسيع دور القوّات المسلّحة في الاقتصاد المدني تحت رعاية جهاز مشروعات الخدمة الوطنية. في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وخاصة عندما كان عبد الحليم أبو غزالة وزيرًا للدفاع، استولت القوّات المسلّحة على شرائح أكبر من الاقتصاد. ومنذ ذلك الحين، أشرف السيسي على التوسع المطّرد في دور القوّات المسلّحة في المؤسسات التجارية وشرع في مشاريع بنية تحتية جديدة. تظل هذه المؤسسات غير خاضعة للرقابة والمساءلة من قبل الهيئة التشريعية أو البيروقراطية المدنية، وهي معفية من الضرائب، وغالبًا ما تكون قادرة على استغلال العمالة المجندة.


دور إقليمي موسّع


سعى السيسي إلى توسيع الدور الإقليمي للقوّات المسلّحة. فقد قامت البحرية المصرية بالتنسيق مع نظيراتها الإماراتية والسعودية والأمريكية بمهام في البحر الأحمر، بينما شاركت القوات الجوية المصرية والقوات الخاصة في الجيش في دعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. في الآونة الأخيرة، كثّف السيسي تهديداته بمزيد من التدخل العسكري في ليبيا في مواجهة تنامي التدخل التركي وخسائر الجيش الوطني الليبي. وفي حين يستشهد السيسي بمصالح الأمن القومي المصري على أنها الدافع وراء هذه الإجراءات، إلا أنها تلائم أيضًا المصالح التنظيمية للقواّت المسلّحة — وتصوّر ضباطها بأن مصر لديها مؤسسة عسكرية محترفة تركز على التهديدات الخارجية — بينما تُبقي الضباط — على الأقل إلى حدٍ ما — مشتتين بعيدًا عن السياسة الداخلية.


يعزز نشاط السيسي الخارجي أيضا دور مصر كوسيط قوة إقليمي، وهو الدور الذي لطالما كان يتطلع إلى لعبه والذي قد يجد دعمًا كبيرًا داخل المؤسسة العسكرية. ومع ذلك، لم ينجح السيسي دائمًا في التصالح مع قياداته العسكرية من خلال سياساته الخارجية — فقد أثار قراره بالتنازل عن جزيرتين مصريتين للسعودية قلقًا كبيرًا لدى هؤلاء الجنرالات.


الباب الدوّار في القيادة


يدير السيسي القطاع القسري من خلال استخدام أسلوب مُجرّب للعلاقات العسكرية المدنية الأوتوقراطية: ألا وهو تدوير وإقالة الأفراد العسكريين من أجل تعيين ضباط موالين ومخلصين له في مناصب مهمة — وهي تكتيكات استخدمها حتى قبل أن يصبح رئيسًا. ساعدته خبرته السابقة في الاستخبارات العسكرية في تنظيم هذا الباب الدوّار لضباط القوّات المسلّحة من خلال تعيينات وإقالات في المناصب القيادية.


السيسي ليس أول رئيس يستخدم هذه الأساليب. فقد كان السادات يعيّن ويقيل القادة العسكريين بانتظام، مثل أولئك الذين عارضوا خطته الحربية المحدودة في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973. في الثمانينيات من القرن الماضي، قام مبارك بتهميش أبوغزالة، خوفًا من احتمال قيام هذا القائد العسكري ذو الشخصية الكاريزمية بحل محله أو تهميشه. بعد ذلك، فضّل مبارك استخدام التكتيك الناجم عن هذا الأسلوب بالحث على الولاء — كتثبيت القادة المتملقين غير الكاريزماتيين، مثل تسمية المشير محمد حسين طنطاوي وزيرًا للدفاع.


مع ذلك، فقد ارتقى السيسي بهذه الممارسة إلى مستوى جديد في بعض النواحي، ليس فقط من خلال وضع الحلفاء في مناصب مهمة، ولكن أيضًا من خلال احتمال استخدام هذا النفوذ الجديد لترويض المؤسسة العسكرية ككل. ومن الأمثلة على ذلك حالة محمود حجازي، الذي كان قائدًا للقوّات المسلّحة من آذار/مارس 2014 إلى أن عزله السيسي في كانون الأول/ديسمبر 2017. كان لدى السيسي روابط نسب مع حجازي، ولم يكن هناك أي مؤشر خارجي على عدم الولاء. في حين أن الإقالة حدثت في أعقاب كمين أدى إلى مقتل عناصر من الشرطة من قبل المتمردين في شبه جزيرة سيناء. من المرجح أن خطأ حجازي الرئيسي كان ولاءه الأول، مثله مثل القيادات المؤسساتية الأخرى في القوّات المسلّحة، للمؤسسة العسكرية، وليس للسيسي. كان السيسي يكشف قدرته الديكتاتورية الطبيعية، ويستعرض حقه في إقالة الأفراد من أجل ردع الآخرين عن معارضة حكمه.


تحويل العلاقات العسكرية المدنية


في الواقع، قد يهدف السيسي إلى تغيير أسس العلاقات العسكرية المدنية المصرية، باعتماد أساليب شائعة في الأنظمة التي تُظهر نكهة أكثر شخصانية، كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا. فقد عيّن أفرادًا من عائلته في مناصب مهمة في جهاز الأمن، بمن فيهم أحد أبنائه، والذي ساعد بدوره في تنظيم عمليات التطهير والإقالة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم السيسي التنافس بين القوّات المختلفة لإبقاء القطاع الأمني تحت السيطرة.


ومع ذلك، لم يتخذ السيسي الخطوة التالية المعهودة في هذه الأنواع من العلاقات العسكرية المدنية الشخصانية، من خلال إنشاء وحدات عسكرية جديدة أو قوات شبه عسكرية يرأسها أولئك الذين تربطهم علاقات وثيقة (وربما عائلية) يتم تجنيدهم من خارج هرم القيادة العسكرية. تميل المؤسسات العسكرية مثل القوّات المسلّحة المصرية إلى الشك بشدة في الإهانات التي تتعرض لها نزاهتها التنظيمية، لذا فأي جهد لإنشاء وحدات أمنية جديدة ومستقلة ومجهزة وممولة تمويلًا جيدًا يمكن أن تتسبب خلاف خطير مع المؤسسة العسكرية.


بينما نادرًا ما تظهر التوترات أمام الرأي العام، إلا أن هناك إشارات عرضية على عدم الرضا عن قيادة السيسي. أحد الأمثلة البارزة هو المحاولة الفاشلة من قبل المهندس العسكري السابق العقيد أحمد قنصوه للترشح للرئاسة ضد السيسي، والتي أعلن عنها في مقطع فيديو على يوتيوب في تشرين الثاني/نوفمبر 2017.


الحاجة إلى قاعدة إجتماعية


في الوقت الحالي، لا يزال السيسي مَدينًا بفضل مؤسسة القوّات المسلّحة، ومستعداً لقبول نفوذها الملحوظ للحفاظ على تواطئها مع حكمه. ومع ذلك، فإن الاعتماد ببساطة على المؤسسة العسكرية أو الجمهور داخل قطاع الأمن كقاعدته السياسية يترك السيسي ضعيفًا، ومن المحتمل أن يكون مُستَهلكًا كزعيم سياسي للبلاد. وبذلك يوفر الدعم من دول الخليج قاعدة بديلة من خلال ضخ الأموال لمشاريع البنية التحتية الضخمة وما شابه ذلك. لكن هذا مختلف عن وجود قاعدة قوة له بين النخب أو في المجتمع.


هذا درس فهمه أسلاف السيسي جيدًا. فقد أنشأ الرئيس السابق جمال عبد الناصر الاتحاد الاشتراكي العربي في عام 1962 جزئيًا لحشد قاعدة دعمه بين الطبقة العاملة والطبقات المتوسطة الدنيا ولتعزيز دفاعاته ضد عبد الحكيم عامر وزير الدفاع في ذلك الحين وأحد المنافسين الرئيسين لناصر. وقام السادات بتمكين الطبقة البرجوازية من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادي، والتي خلقت أيضًا طبقة من الوسطاء بين الدولة والقطاع الخاص. كما سعى إلى تعزيز موقفه من خلال التحرر السياسي والاحتكام إلى الدين، وهي إجراءات تزامنت مع إعادة تأهيل نفوذ الإخوان المسلمين. واعتمد مبارك على الحزب الوطني الديمقراطي، ومن خلال ابنه جمال، بنى جيلًا شابًا من نخب رجال الأعمال إلى جانب الجيل الأكبر سنًا. كما قام بتحويل الأموال ورفع المكانة السياسية لوزارة الداخلية لضبط نفوذ المؤسسة العسكرية، ما أثار استياء العديد من قياداتها.


معضلة السيطرة


وبالتالي، فإن الخطوة الطبيعية للسيسي في ترسيخ سيطرته على المؤسسة العسكرية هي توفير جمهور مناصر له خارجها. يشكّل هذا معضلة إلى حدٍ ما. هناك القليل الذي يمكن من خلاله خلق ذلك الجمهور في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، والقطاع القسري الذي يمتص الموارد الإنتاجية فيها. ربما لهذا السبب، يفضّل السيسي قمع الجماهير المدنية بدلًا من رعايتها. في ظل حكمه، تلاشت استقلالية وموارد الجهات الفاعلة والمؤسسات المؤثرة سابقًا — مثل الحزب الوطني الديمقراطي ونخبة رجال الأعمال ووسائل الإعلام والجامعات. تشبه مصر بشكل متزايد دولة بوليسية، ما عدا غياب الكفاءة القاسية التي غالبًا ما تتميز بها هذه الدول.


وهكذا يبدو أن السيسي يعتمد على قدرته على إبقاء المؤسسة العسكرية سعيدة للحفاظ على منصبه، وفي نفس الوقت يعتمد على قدرته في التلاعب والسيطرة على المنافسة داخل القطاع القسري. هذه الصيغة لها مخاطر. فهي تخلق حالة من الاستياء داخل المجتمع المصري، ما يجعل السيسي أكثر اعتمادًا على التهديدات القسرية — ومتعهدي تلك التهديدات — ما سيؤدي بدوره إلى تحويل السلطة إلى قطاع الأمن. يجب على السيسي بعد ذلك أن يُشبع شهية المؤسسة العسكرية المتزايدة للموارد والفصائل القوية داخلها. هذا الأمر صعب بما فيه الكفاية، لكن يجب عليه أن يفعل ذلك، والحفاظ في الوقت نفسه على الاستقرار السياسي الذي تثمّنه المؤسسة العسكرية ويدعم إمبراطوريتها الاقتصادية. إذا تعثر السيسي، فقد تتواطأ القيادات العسكرية لاستبداله. وبدلًا م٢ن ذلك، قد تأخذ بعض المجموعات بينها زمام المبادرة وتبني جسورها الخاصة مع النخبة أو المجتمع، لتهميش السيسي أو الإطاحة به خلال هذه العملية.

في كلتي الحالتين، قد يجد السيسي صعوبة متزايدة في البقاء على رأس القطاع القسري القوي والمتوسع بصورة متزايدة في مصر.



التعليقات (0)