د. أيمن منصور ندا يكتب : لماذا يكذب الرئيس؟

profile
د.أيمن منصور ندأ رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة
  • clock 3 أغسطس 2022, 10:35:45 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مما يُحكى عن رئيس وزراء بريطانيا الأشهر "ونستون تشرشل" (1874- 1965) أنه مرَّ على شاهدٍ لقبر مكتوب عليه: "هنا يرقد السياسي الشريف فلان الفلاني"، فتعجب تشرشل من هذه العبارة، وقال: "لابدَّ أن هناك خطأ؛ من غير المعقول أن يكون هذا الرجل سياسياً وشريفاً في الوقت ذاته!".. دراسات عديدة أجريت في فترات زمنية مختلفة، تشير إلى أن "العقل الغربي" لا يتقبل فكرة السياسي "الصادق المخلص الأمين"، تشير إحداها، أجراها "جالوب" ونشر نتائجها في أكتوبر 2021، إلى أن نسبة من يثقون في السياسيين الأمريكيين قد وصلت إلى 44%، بعد أن كانت 65% في منتصف السبعينيات من القرن العشرين. وهو ما يتفق مع ما أشار إليه الصحفي الأمريكي "إيريك ألترمان" في كتابه بعنوان "عندما يكذب الرؤساء: تاريخ الخداع الرسمي وعواقبه" (2004)، عندما أشار إلى أنه "تقريباً كل الأمريكيين يعتقدون في أن رؤساءهم يكذبون عليهم"!

كذب السياسيون ولو صدفوا.. الكذب في السياسة موجود ومرصود، وإنكاره متكرر ومعهود..  ويعتبره البعض من أبرز مقومات السياسيين وأحد أساليب تعريفهم.. وعلى حد تعبير "نيكيتا خروشوف" (1891- 1971) "السياسيون كلهم متشابهون، فهم يعدونك ببناء جسر حيث لا يوجد نهر أصلاً".. ويشير "جورج أورويل" (1903- 1950) "لغة السياسة تم تصميمها لتجعل الكذب يبدو صادقاً والقتل محترماً".. ويصل "مارك توين" (1835- 1910) إلى نهاية المتصل من ناحيته السلبية، ويشير إلى أن " السياسيين مثل حفاضات الأطفال يجب تغييرهم باستمرار.. ولنفس الأسباب!!"..

في كتاب لأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الأمريكية "جون ميرشيمر" (2013) عنوانه "لماذا يكذب القادة: حقيقة الكذب في السياسة الدولية" (عالم المعرفة، ديسمبر 2016)، أشار إلى أن هناك وظيفة مفيدة للكذب في السياسة الدولية، وأن هناك "مبررات استراتيجية للقادة لكي يكذبوا، في بعض الأحيان، على دول أخرى، وعلى شعوبهم أيضاً.. بعبارة أخرى، فإن الكذب الدولي ليس بالضرورة فعلاً خاطئاً: في الحقيقة، فهو ينم عن فراسة، وقد يكون ضرورياً، بل وفاضلاً في بعض الظروف".. (على سبيل المثال، خطة الخداع الاستراتيجي التي استخدمها الرئيس أنور السادات والجيش المصري في حرب أكتوبر 1973).

الرؤساء والحكام في الدول النامية "نسيج وحدهم" في عالم السياسة.. ليس لهم مثيل في عالم الحكم ودهاليزه.. هؤلاء الحكام أمناء وصادقون في كلامهم مع الأطراف الخارجية، خوف الفضيحة، وافتقاد الثقة، ورغبة في استمرار التعاون.. وهم لا يصدقون مع شعوبهم على الإطلاق.. في دولنا النامية، حيث تطغى الأهداف الشخصية على المصالح العامة، يلجأ السياسيون والقادة إلى الكذب للبقاء في السلطة وتحطيم الخصوم.. المطامح الشخصية، والأطماع الذاتية وراء كثير من الكذب لدى هؤلاء الحكام.

الحكام في الدول النامية ليس عليهم رقيب إلا ضمائرهم.. وليس لديهم أية وسيلة للمساءلة أو للمحاسبة.. كلها وسائل شكلية وأساليب ظاهرية لا يتم تطبيقها أو الاقتراب منها.. وسائل الإعلام في الدول النامية على دين حكامها؛ تروج لأكاذيبهم وتبني عليها سياساتها التحريرية.. الصدق ما نطق به هؤلاء الحكام مهما اختلفت أقوالهم عبر الزمن.. هؤلاء الحكام، وحدهم، يمتلكون الحقيقة المطلقة، ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون..

في مقولة ذائعة للكاتب الجزائري "واسيني الأعرج" "الكذب في بلادنا ليس استثناء، ولكنه من فرط التكرار صار يشبه الحقيقة". وللأسف لا أحد يقبل بشكل "الحقيقة العارية"، حتى ولو رسم لوحتها "جان ليون جيروم" (1824- 1904)، ونفضل الكذب خاصة لو جاء على لسان الحكام.. والحكام في الدول النامية مثل الشعراء؛ يتبعهم الغاوون؛ وهم في كل وادٍ يهيمون؛ ويقولون دائماً وأبداً ما لا يفعلون!! لنا الله.

كلمات دليلية
التعليقات (0)