- ℃ 11 تركيا
- 5 مايو 2024
د. الشفيع خضر سعيد يكتب: طبيعة الحرب الدائرة في السودان
د. الشفيع خضر سعيد يكتب: طبيعة الحرب الدائرة في السودان
- 2 أكتوبر 2023, 1:58:45 م
- 280
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في مقالنا السابق، أشرنا إلى سببين رئيسيين وراء إستطالة أمد الحرب المدمرة في السودان، الأول هو توهم كل طرف بأنه سيحسمها بالضربة القاضية، في حين هذا غير وارد حتى الآن على الأقل، والثاني هو غياب الرؤية الواضحة حول كيفية إيقافها عبر التفاوض. وذهبنا أبعد من ذلك عندما قلنا بينما نجح منبر جدة في جمع الطرفين المتقاتلين للحوار والتفاوض إلا أنه لم يضع على مائدة التفاوض رؤية محددة لكيفية الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف الحرب، واقتصر نشاطه على الهدن المؤقتة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وحتى هذه لم يكتب لها النجاح.
أما الاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيقاد، فأشرنا إلى أنهما توقفا عند المسائل الإجرائية والتنظيمية إضافة إلى خارطة الطريق التي اقتصرت على عناوين عامة وتأكيدات وتشديدات وتمنيات…الخ، دون أن يتقدما بأي رؤية حول كيفية وقف الحرب. وحتى يكون لإشاراتنا الناقدة هذه معنى ومعقولية، ضربنا مثلا ملموسا من الماضي القريب، قلنا فيه أن مبادرة الإيقاد لم تنجح في إيقاف الحرب الأهلية في جنوب السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل دكتور قرنق وحكومة الإنقاذ على أساس الرؤية التي وفرها إعلان المبادئ الصادر من مجموعة دول الإيقاد بتاريخ 20 مايو/أيار 1994. ونوهنا إلى أن تلك الرؤية المضمنة في إعلان المبادئ، والتي صاغتها دول الإيقاد وقدمتها جاهزة إلى الطرفين ليوقعا عليها، لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كانت إعادة صياغة وترتيب وضبط وتدقيق للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية حول الأزمة في جنوب البلاد، وخاصة أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان.
ومنطلقا من قناعتي الراسخة بأن القوى المدنية والسياسية السودانية هي الأكثر تأهيلا لاجتراح الرؤية والمبادئ الموجهة لأي عملية تفاوضية لوقف الحرب، ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة، وأن التوافق على هذه الرؤية الواضحة لإيقاف الحرب هي الأساس لانتظام هذه القوى في منبر يوحد أو ينسق نشاطها وخطابها، جاءت مناشدتي لمجموعات القوى المدنية والسياسية السودانية بأن تنتظم في حلقات نقاش بهدف التوافق حول الرؤية المشار إليها، وذلك من خلال طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وما هي تداعيات ما بعدها، والتفاكر حول الإجابات المحتملة لهذه الأسئلة، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد المأزوم. ولعل السؤال الأول، والذي تلعب الإجابة عليه دورا هاما ضمن آليات وقف الحرب، يتعلق بطبيعة هذه الحرب ومسبباتها الحقيقية. ومن جانبنا، نقول، إن السبب الحقيقي وراء إندلاع هذا الدمار لا يمكن اختزاله في الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى.
السبب الحقيقي وراء إندلاع هذا الدمار لا يمكن اختزاله في الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى
فالقيادتان رضعتا من ذات الثدي، وصنعا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وكذلك أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وإنقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما يتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الجزيرة العربية وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل.
وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الإتفاق الإطاري، وإنما إشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب النظام البائد. أنظر إلى اقتحام السجون وإطلاق سراح أركان النظام المباد والمحكومين في قضايا قتل شباب الثورة وتعذيب السودانيين حتى الموت. وأنظر إلى من يؤججون النيران ويرفضون الهدنة ووقف إطلاق النار ويرفضون أي وساطة بين الطرفين، ويوصمون القوى السياسية المدنية بالخيانة ويطالبون بإعدامها!!
منذ فجر استقلاله والسودان يعاني أزمة وطنية عامة، عميقة وشاملة، طبعت بميسمها كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية في البلاد.
وتعود جذور أسباب هذه الأزمة إلى قصور رؤى النخب السودانية وفشلها في إنجاز المهام التأسيسية لبناء دولة ما بعد الاستقلال الوطنية، فظلت هذه المهام مؤجلة ومتراكمة، ثم تفاقمت بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي الحكم منذ الاستقلال، والتي لم تركز إلا على كيفية بقائها واستمرارها في السلطة. وظلت هذه الأزمة تتجلى وتعبر عن نفسها بحالة الاضطراب وعدم الاستقرار في البلد، تعاقب الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية، النزاعات العرقية والحروب الأهلية وانفصال جنوب السودان، ثم جاءت هذه الحرب الأخيرة كشكل تجل آخر لهذه الأزمة الممسكة بتلابيب الوطن، ولكن وفق خصائص نوعية عنوانها تدمير البلاد وحرقها وربما تقسيمها. أما تلك المهام التأسيسية فتتضمن التوافق على نظام الحكم الذي يحقق المشاركة العادلة في السلطة بين مختلف الأعراق والإثنيات والمجموعات القومية والجهوية المكونة للكيان السوداني، ويحقق ممارسة سياسية صحية تستند على صيغة سودانية للديمقراطية التعددية توائم بين قيم الديمقراطية المطلقة والسمات الخاصة ببلادنا، وترتبط بتوفير لقمة العيش، والتوافق على كيفية التوزيع العادل للموارد والثروة بين ذات المكونات بما يحقق رفع معاناة المعيشة عن كاهل المواطن ورفع الإجحاف والإهمال عن الأطراف، والتوافق حول قضايا الهوية وعلاقة الدين بالدولة.
كاتب سوداني
هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)
أخبار متعلقة
إقرأ أيضا
أحدث الموضوعات
أحد, 05 مايو 2024
د.رعد هادي جبارة يكتب: خصوصية المفردة القرآنية و عروبتها و بلاغتها/6 أحد, 05 مايو 2024
إعلام عبري يكشف خطة نتنياهو لإفشال صفقة تبادل الأسرى الأكثر قراءة
جمعة, 08 أكتوبر 2021
مصادر: إبراهيم منير يتخذ قرار بإيقاف ٦ من الشورى العام سبت, 18 سبتمبر 2021
د. أيمن منصور ندا يكتب : عندما تلقيت اتصالاً من الرئيس السيسي خميس, 30 سبتمبر 2021
طارق مهني يكتب : بزنس المعارضة - سبوبة الزنازين اثنين, 01 نوفمبر 2021
تقرير : كيف ساهم " أبو دية " عبر أذرعه المالية في تدجين المعارضة المصرية بالخارج جمعة, 28 مايو 2021
تعرف على مدينة المقاومة تحت أرض غزة ودورها في معركة سيف القدس في العمق
سبت, 04 مايو 2024
بايدن يواجه ضغطا ديمقراطيا جديدا لكبح جماح إسرائيل سبت, 04 مايو 2024
صحة غزة: العدوان على رفح يعني إبادةً جماعية جديدة