د. سعيد الشهابي يكتب: بعد 11 عاما: البحرين تعيش هاجس الثورة

profile
د. سعيد الشهابي ناشط سياسي وصحفي ومعلق بحريني
  • clock 14 فبراير 2022, 6:42:50 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في مثل هذا اليوم قبل أحد عشر عاما، تحركت قطاعات كبيرة من شعب البحرين متناغمة مع عدد من الشعوب العربية التي تحركت آنذاك ضمن ثورات الربيع العربي.
انطلقت ثورة البحرين بعد شهر من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في إثر الثورة التي أشعلها المواطن التونسي محمد البوعزيزي في مدينة سيدي بوزيد جنوبي العاصمة. كان زخم الثورات واسعا، دفع العديد من الشعوب العربية للاندفاع على أمل تحقيق تحول ديمقراطي في المنطقة بعد عقود من الجمود الذي هيمنت عليه سياسات الاستبداد والقمع. فما ان أجبرت الجماهير التونسية رئيسها على التنحي حتى سرت موجة من الأمل في نفوس الشعوب العربية المكبوتة دفعت العديد منها للخروج إلى الشوارع في ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الحديث.
وسرت في المنطقة مشاعر الحرية والوطنية والاستعداد للتضحية من أجل الأوطان والأمة. فهذا ما حدث في مصر (التي أزيح رئيسها حسني مبارك في 25 فبراير) وليبيا (التي سقط رئيسها معمر القذافي عمليا في اغسطس) واليمن وسوريا. وبسقوط الرئيس التونسي بدأ شيء من التفاؤل يهيمن على المنطقة بأن التغيير أصبح ممكنا، ولم يدر في ذهن أحد أن هناك من يخطط ليلا ونهارا ضد مشروع التغيير، وأن تحالفا يضم قوى الثورة قد انتظمت حبّاته، وبدأ يتدبر في خطط لمنع التغيير بأساليب تمازج بين القمع والمرونة السياسية المحدودة. وكانت مصر على قائمة الدول التي كان التغيير الجذري فيها ممنوعا من تحالف قوى الثورة المضادة، لأنها مفتاح التغيير الأوسع في العالم العربي كله. وكانت مصر قد أبعدت عن دورها القيادي منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد قبل أكثر من ثلاثة عقود من اندلاع أول حراك شعبي فيها. صحيح أن كلا من مصر وتونس والمغرب شهدت في النصف الأول من الثمانينيات ما سمي وقتها «ثورات الخبز» احتجاجا على ارتفاع الأسعار، إلا أن رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» كان مفاجئا ومزعجا للقوى التي راهنت وما تزال تراهن على حماية النظام السياسي العربي القائم الذي بدأ حكامه يتجاهلون قضية فلسطين ويخططون لإنهاء الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لأسباب عديدة.
بعد أيام قليلة من أزاحة الرئيس التونسي دعا أقطاب المعارضة في البحرين لـ «ثورة» ضد الحكم الذي كان قبل ستة شهور قد شن حملة أمنية واسعة أدت لاعتقال أكثر من 500 من النشطاء من بينهم الدكتور عبد الجليل السنكيس (المضرب حاليا عن الطعام منذ أكثر من سبعة شهور). تلك الحملة الأمنية وما رشح عنها من معاملة قاسية للمعتقلين شملت أشكالا من التعذيب كان لها دور محوري في التأليب على النظام.
وربما لم تكن الحكومة تتوقع ما حدث خصوصا أن قطاعا واسعا من المعارضة برئاسة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية كان مشاركا في العملية السياسية من خلال خوض الانتخابات. وبدلا من المحافظة على ذلك الرصيد الشعبي، ارتكبت الحكومة خطأ فادحا بشن الحملة الأمنية المذكورة التي ساهمت بإذكاء مشاعر الامتعاض والغضب لدى قطاع واسع من الشعب خصوصا مع تدني الأوضاع المعيشية وفشل المشروع الانتخابي في حماية مبدأ حماية القانون أو المساواة بين المواطنين أو وقف مشروع التجنيس السياسي الذي بدأه الحكم في السنوات العشر السابقة. تضافرت تلك العوامل لتوفر ظروفا مؤاتية لثورة شعبية هي الكبرى في تاريخ البلاد، وتجاوزت بذلك الانتفاضة التي انطلقت في النصف الثاني من التسعينيات وأدت لشرخ عميق في العلاقات بين المواطنين والحكم لم يمكن رتقه. وربما دفع ذلك الشرخ العميق رموز الحكم لبدء سياسة التواصل مع الكيان الإسرائيلي من خلال زيارات سرية عديدة لم يعلن عنها في ذلك الوقت.

كان زخم الثورات واسعا، دفع العديد من الشعوب العربية للاندفاع على أمل تحقيق تحول ديمقراطي في المنطقة بعد عقود من الجمود الذي هيمنت عليه سياسات الاستبداد والقمع

لقد أصبح ما يسمى «ثورة 14 فبراير» في البحرين محطة مفصلية في التاريخ المعاصر لهذا البلد الخليجي الذي يعتمد حكامه على المعونات الاقتصادية والأمنية والعسكرية الخارجية. ولم يتوقع حكام البحرين أو داعموهم في واشنطن ولندن، أن زخمها سيكون بالحجم الواسع الذي اتضح لاحقا. ففي غضون شهر واحد من انطلاق الحراك الشعبي حدثت أمور عديدة ربما حسمت مستقبل الوضع في هذا البلد الخليجي. أولها: الانتشار السريع للاحتجاجات والتظاهرات اليومية لتشمل أغلب مناطلق البلاد، الأمر الذي فاجأ الحاكم الذي اعتقد أن مشروعه السياسي قد أدى لتحييد قيام معارضة واسعة لحكمه.
ثانيها: أن ذلك الزخم فاجأ الحكم فقام بردود فعل متفاوتة وربما متناقضة احيانا. ففي الأيام الأربعة الأولى استخدم الرصاص الحي وأودي بحياة عدد من المواطنين، فكانت دماؤهم وقودا لتوسع الحراك، فاتجهوا نحو دوار اللؤلؤة واتخذوه محورا لحراكهم. وبعد أربعة أيام من ابتداء الحراك ويومين من الوصول إلى الدوار، استخدم النظام القوة مرة أخرى للهجوم على الدوار وإخلائه من المحتجين، فنجم عن ذلك مصرع أربعة مواطنين. وبهذا اأصبح هناك تفاعل متسلسل ساهم في تكثيف الحراك ضد الحكم.
ثالثها: أن الزخم أدى لحدوث حالة غير مسبوقة من الاستقطاب السياسي، دفع كتلة جمعية الوفاق بمجلس النواب الثمانية عشر للانسحاب منه، فكان ذلك ضربة مؤلمة للمشروع السياسي وتعميقا كبيرا للأزمة. رابعها: أن التوسع المضطرد للاحتجاجات والتظاهرات انعكس على شعاراتها ومطالبها، خصوصا بعد مقتل العديد من المحتجين، فتوسعت المطالبة بإسقاط نظام الحكم، وبذلك تلاشت احتمالات التفاهم بين الطرفين للوصول الى حلول وسط.
خامسها: أن الحكم فشل في الاستفادة من بعض الفرص التي توفرت للتفاوض من أجل الوصول الى حلول ممكنة، ومنها فرصتان: أحداها طاولة حوار في 2012 شاركت فيها جمعية الوفاق التي وجدتها جوفاء وليس لها أفق للخروج بتوافقات مقبولة. وثانيها الوساطة القطرية التي تزعمها وزير خارجية قطر السابق، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، التي شارك فيها الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق، وكانت الحكومة على تواصل معها، ولكنها لم تستجب لها، بل أقدمت لاحقا على استخدام الوساطة ذريعة لاعتقال الشيخ علي سلمان واتهامه زورا بـ «التخابر» مع دولة قطر.
في ظل هذه الأجواء بدأت آفاق التوصل الى تسوية للأزمة تتضاءل تدريجيا. فالثورة تزداد زخما وتوسعا خصوصا بعد عودة المحتجين إلى دوار اللؤلؤة. حدثت العودة في إثر تصريح أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما رفض فيه الهجوم الأول على دوار اللؤلؤة، قائلا إن من حق المواطنين أن يحتجوا بشكل سلمي. وفي غضون أسابيع أربعة بلغت الأزمة ذروتها بانسداد الأبواب التي تفضي الى صيغة سياسية خصوصا مع رفض الحكم تقديم شيء من ذلك. وهنا حدث التدخل العسكري غير المسبوق من قبل قوات سعودية وإماراتية في 14 مارس 2011. جاء التدخل باسم قوات درع الجزيرة، ولكنه اعتبر مناقضا للاتفاقات الأمنية التي تحكم تدخل هذه القوات، وتحصرها بالتصدي لمواجهة أي تهديد خارجي لأي من دول مجلس التعاون، وليس من صلاحيات قوات درع الجزيرة التدخل لقمع المتظاهرين في أي منها.
السؤال هنا: بعد احد عشر عاما ما الذي حدث للحراك الشعبي في البحرين؟ ثمة أمور عديدة يمكن استخلاصها: اولها أن للشعوب مطالب لا تستطيع الأنظمة تجاهلها وأن الحكم الذي يسعى للتعايش مع مواطنيه مطالب بتلبية قدر كبير من مطالبها وتحقيق بعض تطلعاتها. ثانيها: أن نظام الحكم في البحرين ما يزال في مكانه ولكنه فقد ثقة مواطنيه فحدثت شروخ سياسية ونفسية وأخلاقية يصعب رتقها. ثالثها: أن شعور نظام الحكم بالضعف جعله أكثر اعتمادا على الدعم الخارجي بعد أن فقد ثقة مواطنيه ودعمهم. والسؤال هنا: ما مصدر شرعية أي حكم: الداخل أم الخارج؟


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)