د. سعيد الشهابي يكتب: مشروع مقاطعة الاحتلال ماضيا وحاضرا

profile
د. سعيد الشهابي ناشط سياسي وصحفي ومعلق بحريني
  • clock 8 أغسطس 2022, 4:07:24 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الجرائم الإسرائيلية لم تتوقف منذ الاحتلال، وما يحدث هذه الأيام من اعتداءات على غزة وقتل مواطنيها وأطفالها يؤكد استحالة التعايش مع محتلي أرض الأقصى.
ومن المؤاخذات على مواقف الدول العربية إزاء القضية الفلسطينية غياب الانسجام من هذه المواقف. فكثيرا ما تكون متضاربة ومضطربة ومتأرجحة. كما تبدو غير منسجمة مع ما يفترض أن يكون من ضمن المواثيق المشتركة بين هذه الدول. في الأسبوع الماضي مثلا دعت الجامعة العربية إلى ضرورة استمرار المقاطعة العربية لـ «إسرائيل» وتعزيزها كأداة فعالة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإفشال مخططاته الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية.
جاء ذلك خلال المؤتمر الـ95 لضباط اتصال المكاتب الإقليمية للمقاطعة العربية لـ «إسرائيل» الذي عقد في القاهرة.
وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالجامعة العربية سعيد أبوعلي: «إننا نلتقى مجددًا في أعمال هذا المؤتمر تأكيداً للدور المهم الذي تلعبه المقاطعة العربية لإسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) التزامًا بالموقف العربى الذي كان ولايزال موقفا رسمياً وشعبيًا عربيًا وفلسطينيًا».
وتوحي أجواء المؤتمر بوجود موقف عربي مبدئي وواضح ومتماسك إزاء مسألة المقاطعة العربية لكيان الاحتلال، ومع عدم اعتراض الحاضرين على الدعوة لإبقاء المقاطعة وتفعيلها يبدو وكأن هناك موقفا عربيا موحدا إزاء الاحتلال.
ويفترض أن يكون الواقع هكذا، إذ أن الأسباب التي دفعت لهذه المقاطعة لم تتغير، كما أن مبدأ عدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ما يزال قائما من الناحية النظرية على الأقل. بدأت المقاطعة على نطاق ضيق ضد المؤسسات الصهيونية والتجارة اليهودية قبل إعلان «دولة إسرائيل» ولكن المقاطعة الرسمية المنظمة جاءت عن طريق جامعة الدول العربية بعد حرب 1948.
من هنا أصبحت هناك ضرورة لعمل سياسي وشعبي يهدف لتفعيل تلك المقاطعة في جوانبها الثلاثة: الأول: البضائع والخدمات المصدرة من إسرائيل (تُسمى بالمقاطعة من الدرجة الأولى ولا تزال مطبقة في عدد من الدول العربية). الثانية: الشركات غير العربية التي تتعامل مع إسرائيل (تُسمى بالمقاطعة من الدرجة الثانية). الثالث: الشركات التي تشحن بضائعها من خلال المنافذ الإسرائيلية (تُسمى بالمقاطعة من الدرجة الثالثة).
إنه لواقع مرير أن تكون سياسات بعض الدول العربية متناقضة مع هذا الواقع. فمنذ سنوات بدأ تراجع الموقف خصوصا في مجال المقاطعة التي كانت جادة وفاعلة في بداية الأمر، حتى أصبح هناك مكتب في العواصم العربية لمتابعة الأمور المتعلقة بالمقاطعة ومحاولة منع اختراقها. وبرغم الاختراق الذي قام به الرئيس الأسبق، أنور السادات بالتصالح مع نظام الاحتلال فقد بقي جوهر العمل العربي المشترك مرتبطا بشكل متين بالموقف الرافض للاحتلال وعدم الاعتراف بإسرائيل مع الاستمرار بمقاطعة ذلك الكيان سياسيا واقتصاديا. وتواصل هذا الموقف اكثر من ستة عقود. لكن السياسات الأنكلو-أمريكية هي الأخرى استمرت في العمل لإضعاف الموقف العربي والسعي المتواصل لفرض حالة التطبيع مع الكيان ليصبح مقبولا في الوسطين العربي والإسلامي. وكان من نتائج ذلك توسع دائرة التطبيع. وجاء آخر الاختراقات للموقف العربي مبادرة حكام الإمارات والبحرين للخروج على الاجماع العربي ومد الجسور مع كيان الاحتلال والتطبيع معه. مع ذلك بقي الموقف الشعبي الرافض لتلك المبادرات والسياسات فاعلا ومؤثرا.

ساهمت المقاطعة في ترسيخ القناعات الفكرية والسياسية لدى الشعوب العربية والإسلامية، بجوانب الظلم والعدوان واللاإنسانية الناجمة عن الاحتلال

وسعى التحالف الغربي لاختراق الصمود الشعبي العربي من خلال حرب ناعمة استهدفته بشكل هادئ من خلال مشاريع تطبيعية متواصلة، سياسية واقتصادية ورياضية. مع ذلك ما تزال هناك حالات من الصمود ترفع معنويات الصامدين في فلسطين، ومنها رفض الرياضيين العرب المشاركة في أية فعالية رياضية يشارك فيها إسرائيليون.
اليوم، فإن معظم الدول العربية، سوريا هي الاستثناء، لم تعد تحاول إنفاذ المقاطعة الثانية أو الثالثة. وتعتبر سوريا ولبنان وإيران (وإن لم تكن دولة عربية) الدول الوحيدة التي تعمل بنشاط على المقاطعة الرئيسية. وأصبح مكتب المقاطعة المركزي شبه مجمّد.. وقد أصبحت أية مقاطعة ذات طابع رمزي، مقتصرة على الإجراءات البيروقراطية مثل القيود المفروضة على جوازات السفر. ويسجل لعدد من الرياضيين العرب والمسلمين رفضهم التسابق مع إسرائيليين. وقد بدأ الجزائريون هذا المنحى منذ مطلع التسعينيات. ففي العام 1991 رفض بطل أفريقيا في الجودو الجزائري مزيان دحماني المشاركة في بطولة العالم للجودو في برشلونة بعد أن أوقعته قرعة الدور الأول أمام منافس إسرائيل.
وتكرر الأمر في 1992 من اللاعب الجزائري نفسه في دورة الألعاب الأوليمبية التي جرت في إسبانيا أيضًا. وفي يناير الماضي انسحب لاعب المنتخب الكويتي للتنس، محمد العوضي من مواجهة لاعب إسرائيلي، في الدور نصف النهائي من البطولة الدولية للمحترفين تحت سن 14 عاما في دبي التي دعت الإسرائيليين للمشاركة.
الأمر الواضح أن الموقف الشعبي يتفوق كثيرا من حيث البصيرة وعمق الرؤية والصمود على السياسات الرسمية. ومن بين آخر اختراقات الحظر فتح المجال الجوي السعودي أمام الرحلات الجوية من «إسرائيل» وإليها. وكان ذلك أحد محاور تركيز زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشهر الماضي إلى المنطقة. ووافقت الرياض من حيث المبدأ.
وقالت إسرائيل إن التنفيذ قد يستغرق أسابيع أو أكثر. لكن شركات طيران عديدة ذكرت بأن ذلك دخل حيز التنفيذ.
الأمر المؤكد أن شعوب هذه الدول تخسر معنويا ولا تستفيد ماديا سواء من التطبيع السياسي أم اختراق المقاطعة التي التزمت بها الدول العربية في البداية.
وقد ساهمت المقاطعة في ترسيخ القناعات الفكرية والسياسية لدى الشعوب العربية والإسلامية، بجوانب الظلم والعدوان واللاإنسانية الناجمة عن الاحتلال، وعمّقت الشعور بالظلامة التاريخية التي يعاني منها العرب والمسلمون نتيجة حالة العداء المتواصلة لهم من المحور الغربي. ويمكن القول إن فلسطين جسدت تماما تلك الظلامة، فما تعانيه فلسطين انما هو جزء من معاناة العرب والمسلمين وشعوب العالم المستضعفة من السياسات الغربية التي تتميز بالعداء والاستغلال والاضطهاد والجشع.
إنه لأمر مثير للتقزز أن يخفف الحصار من قبل الدول العربية في الوقت الذي يزداد التضييق على الفلسطينيين. ففي الأسبوع الماضي مددت إسرائيل إغلاق معابر غزة وفرضت مزيدا من القيود على حركة الأشخاص والبضائع والمساعدات. جاء ذلك القرار بعد اعتقال إسرائيل قياديا بحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
واعتقلت إسرائيل يوم الاثنين الماضي بسام السعدي، القيادي البارز في الجهاد الإسلامي، في مداهمة بمدينة جنين في الضفة الغربية قُتل فيها عضو بالحركة يبلغ من العمر 17 عاما. وأغلقت إسرائيل منذ ذلك الحين جميع معابر غزة وطرقا محيطة بها متذرعة بمخاوف من الانتقام. فما المسوّغ لهذه المكافأة للكيان الإسرائيلي من قبل الدولة الكبرى التي يُفترض أن تتصدر المشهد العربي في مجال المقاطعة ؟ ما مصلحة الجزيرة العربية، حكومة وشعبا، من الخروج على الصف العربي وكسر الإجماع الذي كان له في الماضي دور كبير في تهميش كيان الاحتلال؟
لقد تواصلت محاصرة هذا الكيان ورفض الاعتراف به على المستوى الدولي أكثر من أربعة عقود بعد قيامه، وذلك بسبب تماسك الموقف العربي.

كاتب بحريني

 


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)