د. سنية الحسيني تكتب: الأزمة السياسية الداخلية الإسرائيلية في الميزان

profile
د. سنية الحسيني كاتبة وأكاديمية فلسطينية
  • clock 9 يونيو 2022, 11:03:27 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بينما نجحت الحكومة الإسرائيلية بتمرير قانون حظر رفع العلم الفلسطيني بالمؤسسات الرسمية في إسرائيل، الأسبوع الماضي، فشلت، الإثنين الماضي، في تمرير تجديد قانون مؤقت يجري تمديده على مدار أكثر من ٥٥ عاماً، "أنظمة الطوارئ: يهودا والسامرة - الحكم في الجرائم والمساعدة القضائية". ورغم أهمية هذا التشريع بالنسبة لإسرائيل، ونيله دعم الغالبية العظمى من أعضاء الكنيست، فجميع اليمينيين يدعمونه دون استثناء، ونال دعم الحكومات اليمينية واليسارية على مدار كل تلك السنوات الماضية، إلا أن المعارضة اليمينية في الكنيست تستخدمه حالياً لإحراج الحكومة الائتلافية في سبيل إسقاطها. ويعد هذا التشريع واحداً من بين التشريعات الإستراتيجية التي تعمل على تحقيق أهداف إسرائيل بإحكام تمددها وسيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية على المدى الطويل. 

تأخذ المعارضة اليمينية في الكنيست على عاتقها التصدي لكل تشريع مهم تطرحه الحكومة الحالية بهدف إحراجها، وهو مشهد متكرر، وتتشابه نتائجه كذلك مع إعادة الأمور السياسية إلى نصابها بعد ذلك. وليس هناك أي خطر على مستقبل تمديد سريان هذا التشريع، حيث سيتم التصويت عليه مرة أخرى، الأحد القادم. ويذكرنا ذلك بما حدث لتمديد العمل بـ"قانون المواطنة"، في مستهل استلام الحكومة الحالية لمهامها، حيث واجهت خلالها الحكومة الحالية أولى هزائمها، بعد أن أحبطت الأحزاب اليمينية تمديد العمل به، عاد واجتاز مشروع القانون القراءة الأولى بالكنيست في شباط الماضي، بعد أن تأجل إقراره عدة أشهر، حيث تبنت الحكومة خلالها عدة إجراءات لضمان سريانه بقرارات تنفيذية. وتبحث دوائر صنع القرار اليوم في إسرائيل في مخارج تنفيذية  لضمان سريان أحكام قانون "أنظمة الطوارئ" في حال تأخر إقرار تمديد العمل به، نتيجة الأزمة الحالية.   

تكشف الأزمة السياسية الداخلية الإسرائيلية الحالية عن قانون طوارئ مؤقت، جرى العمل به منذ العام ١٩٦٧، يعد غاية في الأهمية لتفسير سياسة إسرائيل كدولة احتلال في تحقيق أهدافها بعيدة المدى في الأراضي الفلسطينية، كما تلقي نظرة على طبيعة الصراعات السياسية الداخلية القائمة في إسرائيل اليوم. 

تعود أهمية قانون "أنظمة الطوارئ"، الذي ظهر لأول مرة بعد احتلال الأراضي الفلسطينية مباشرة، ويجري تجديده كل خمس سنوات، وينتهي العمل به نهاية الشهر الجاري، في أنه يضمن تطبيق الحكم الجنائي الإسرائيلي و١٧ قانوناً إضافياً، تزايدت تدريجياً عبر السنوات الماضية، على الأراضي الفلسطينية المحتلة للعام ١٩٦٧، وعلى المستوطنين الذين يستوطنونها، أي أن التشريع باختصار يمنح السيادة لإسرائيل على الأراضي المحتلة وعلى المستوطنين القاطنين فيها، عبر هذا التشريع المؤقت طوال سنوات الاحتلال الماضية. وتضمن تلك القوانين الإضافية على القانون الجنائي تبعية المستوطنين السياسية والانتخابية والنقابية والاجتماعية والتعليمية والصحية، وكل ما يتعلق بحياة المستوطنين للقوانين في إسرائيل. وخلق ذلك التشريع على ذات الأرض المحتلة منظومتين قانونيتين مختلفتين، تطبق إحداها على المستوطنين اليهود، بينما تطبق الثانية على الفلسطينيين، في تجسيد صارخ لأحد مظاهر سياسات الفصل العنصري، التي تنكرها إسرائيل. 

كشف هذا التشريع، الذي وضعته إسرائيل منذ عقود، عن أهدافها بعيدة المدى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي يتفق عليها اليمين واليسار في إسرائيل،  وتفسر توافق سياساتها تجاهها، ويعد الاستيطان أكبر مثال على ذلك. كما يعد هذا التشريع المتفق على تمريره عبر الحكومات اليمينية واليسارية المختلفة أحد أدوات تحقيق تلك الأهداف المتفق عليها في إسرائيل. ولم يخرج مخطط الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، الذي طرحه نتنياهو في "صفقة القرن"، التي تبناها الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" العام ٢٠٢٠، عن التطورات المرسومة لمثل هذه الأهداف. وافترض التشريع الذي وضعت بذرته منذ العام ١٩٦٧ أن الضفة الغربية ستكون مكاناً لإقامة المستوطنين اليهود مستقبلاً، رغم عدم وجود مستوطنين أو مستوطنات يهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ذلك الوقت. وكشف هذا القانون عن إحدى أدوات الاحتلال في تجسيد السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية المحتلة، في مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي الخاصة بالاحتلال، والتي تعطي الدولة المحتلة السلطة بحكم الأمر الواقع دون حصولها على السيادة، التي تتحقق بتطبيق قوانين دولة الاحتلال على تلك المناطق، بدل القواعد العسكرية للاحتلال.

تطور هذا التشريع عبر السنوات لينسجم مع التطورات التي حدثت على الأرض، فبينما استثنى المستوطنين اليهود من تطبيق الأحكام العسكرية، إسوة بالسكان الفلسطينيين الرازحين تحت سلطة الاحتلال، عاد واستثنى الأراضي المحتلة التي يقيم عليها المستوطنون نهاية السبعينيات من القرن الماضي، ليمدد تطبيقه على المجالس المحلية والإقليمية، وذلك بمنحها المزايا والميزانيات، مثلها مثل البلدات والمدن داخل إسرائيل. أي أن التشريع بات يستثني المستوطنين والمستوطنات أيضاً من قوانين الاحتلال العسكرية، ويمنح السيادة للمستوطنين في المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة. وفي تعديل آخر على التشريع، تزامن مع توقيع اتفاق أوسلو، وجاء لينسجم تطبيقه مع تقسيمات الاتفاق الإدارية، اعتبر التعديل أن أراضي الضفة الغربية مقسمة لساحتين، الأولى تخضع لسيطرة سلطات الاحتلال بشكل كامل، وهي التي تشكل معظم أراضي الضفة الغربية، ويخضعها القانون لنطاقه، فتسري عليها قوانين إسرائيل وعلى سكانها من الإسرائيليين واليهود، بينما يبقي القانون السكان الفلسطينيين المقيمين في تلك الأرض خاضعين لسلطة الحكم العسكري، بينما تخضع الساحة الثانية، والتي تضم المدن والقرى الفلسطينية المكتظة بالسكان لإدارة السلطة الفلسطينية، وضمن الاعتبارات القانونية التي وضعها اتفاق أوسلو. منح هذا القانون المستوطنين اليهود التبعية القانونية للقوانين والتشريعات في إسرائيل، حيث يعاملون كمواطنين إسرائيليين، كما اعتبرت الأراضي المحتلة التي يقيم عليها المستوطنون، بأنها أراض تابعة لإسرائيل، بينما بقي السكان الفلسطينيون يرزحون تحت قواعد وقرارات الحكم العسكري والمعطيات التي رسختها اتفاقية أوسلو في الضفة الغربية المحتلة. كما منح المستوطنون وفق ذلك التشريع حرية الحركة في الضفة الغربية، ضمن اعتبارات الحماية على حياتهم، بينما حرم الفلسطينيون من حرية الحركة، والتي باتت مشروطة بالحصول على تصاريح تسمح لهم بالوصول إلى مناطق المستوطنات. 

في إطار الصراعات السياسية في الكنيست، يستغل نتنياهو أي ثغرة تظهر لتقويض مكانة الحكومة الحالية، وهو ما يتضح خلال هذه الفترة، حيث يستخدم تشريعاً مهماً مثل قانون "أنظمة الطوارئ" المؤقت سابق الذكر لتحقيق أهدافه. ويعاني الائتلاف الحالي من عدم تحصيله للأغلبية البرلمانية، الممثلة بـ ٦١ مقعداً من ١٢٠، والتي فقدها بعد انسحاب عضوة الكنيست عيديت سيلمان عن حزب يمينا من الائتلاف الحكومي منذ عدة أسابيع، تاركة الحكومة بوضع متعادل مع المعارضة، الأمر الذي يعني عدم قدرتها على تمرير أي مشروع قانون لا ترغب المعارضة بتمريره. ويعكس التصويت على هذا التشريع الحساس مدى صعوبة البقاء التي تعاني منها الحكومة الحالية، بعد أن سقط مشروع القانون الذي تدعمه بـ ٥٨ صوتاً للمعارضة اليمينية مقابل ٥٢ صوتاً لها. ورغم أن هذا التشريع سيمر في النهاية، كما مر سابقوه، والتي تتعلق بإستراتيجيات حساسة تتعلق بمستقبل إسرائيل، إلا أن الحكومة الحالية هي من تعاني. فقد خرجت إحدى الكتل الثماني البرلمانية المشاركة في الائتلاف كاملة خارج حسبة التصويت على تجديد العمل بتشريع الطوارئ سابق الذكر، بالإضافة إلى تصويت عضو الكنيست العربية غيداء الريناوي عن حزب ميرتس ضد تجديد العمل بالتشريع، كما لم يشارك عدد آخر من النواب في الائتلاف الحاكم بالتصويت، الأمر الذي يشير إلى فقدان الحلف الحاكم قدرته على السيطرة على أعضائه بشكل متتابع. ويبدو أن الأمور ستكون أصعب في الأيام القادمة، خصوصاً أن إقرار الميزانية السنوية يحتاج لموافقة ٦١ عضواً من أعضاء الكنيست، وكان إقرار الميزانية منذ العام ٢٠١٨ السبب في الذهاب لأربعة انتخابات متتالية خلال الأعوام القليلة الماضية، إلى أن تم إقرارها العام الماضي، على يد الحكومة الحالية. وهناك معضلة ثالثة تطارد أيضاً هذه الحكومة وتتمثل في ارتفاع شعبية كتلة المعارضة بقيادة نتنياهو في استطلاعات الرأي الأخيرة مقارنة بشعبية التكتل الحكومي الحالي، الأمر الذي يفسر رغبة نتنياهو في الذهاب لانتخابات برلمانية جديدة، رغم أن تلك الاستطلاعات لا ترجح حصوله على ٦١ مقعداً اللازمة لتشكيل الحكومة.

 

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)