د.مصطفى اللداوي يكتب: البيتُ الفلسطيني خَرِبٌ وصورتُه قاتمةٌ وسمعتُه سيئةٌ

profile
د. مصطفى يوسف اللداوي كاتب وباحث فلسطيني
  • clock 15 يونيو 2022, 3:33:43 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يحق للآخرين جميعاً أعداءً وأصدقاءً، جيراناً وأشقاءَ، كارهين ومحبين، شامتين وغيورين، متآمرين وموالين، وغيرهم من المراقبين المستقلين والمتابعين المهتمين، أن يصفوا البيت الداخلي الفلسطيني أنه خربٌ متصدعٌ، وأنه ضعيفٌ متفككٌ، وأنه آيلٌ إلى السقوط وأقرب إلى الإنهيار، وأن فضائح سلطته ومخازي قيادته كثيرة، وأن سلوكيات قادته وتصرفات رموزه مخزية، وأن المشاهد المنقولة عنهم فاضحة، والصور التي تنشر عنهم سيئة، وتبعث على القرف والغثيان، وتدفع إلى اليأس والقنوط، وإلى التخلي والعزوف، وأن السياسات التي يتبعونها والمواقف التي يتخذونها تدفع المحبين للابتعاد، وتشجع الأعداء على المزيد من الأطماع.

كما يحق لهم ولغيرهم أن يظنوا أن محاولات تزيين صورة البيت الفلسطيني الداخلي كاذبة، وأن مساعي تجميله زائفة، وأن الجهود المبذولة لرأب الصدق وجمع الكلمة غير صادقة، وأن الأسس التي تجمع الفرقاء واهية، والقواسم المشتركة مفقودة، وأن هناك مستفيدين من بقاء الصورة المشوهة، واستمرار الحالة المزرية، فتجار القضية كما تجار الحروب دوماً قططٌ سمانٌ، وثعالبٌ وذئابٌ، يحرصون على بيئاتهم المريضة وأوساطهم القذرة، ليستمر عملهم ويحافظون على دوام حالهم، ويكسبون بأدوارهم رضا العدو ومشغليهم.

كما يحق للبعض أن يصدق أن ادعاء العدو الإسرائيلي أن الشعب الفلسطيني بلا قائد صحيحةٌ، وأنه بلا مرجعية توجهه، وبلا قيادة تمثله، وبلا هدفٍ يصوب مساره ويحدد خياره، وأنه ممزق غير موحد، ومشتت غير موفقٍ، وأن أطرافه لا تلتقي تحت مظلةٍ واحدةٍ، ولا تحمل رايةً مشتركةً، ولا تجمعها مؤسسة جامعة ولا هيئة تمثيلٍ شاملةٍ، وأن الشعب في وادٍ وقيادته في وادٍ آخر، فلا يهتمون بشؤونه ولا ينشغلون بحاجاته، بقدر ما ينشغلون ويهتمون بحاجاتهم الشخصية، ومكتسباتهم المادية، وحصاناتهم الأمنية، وبطاقات الشخصيات المهمة ومواكب القيادات المهيبة والسيارات الفارهة، وسفريات ومشتريات زوجاتهم وتعليم وتجارة أبنائهم.

للأسف هذا نزرٌ يسيرٌ مما يقال عن البيت الفلسطيني الداخلي، وهو في الحقيقة غيضٌ من فيضٌ، وقليلٌ من كثيرٌ، وهو حقيقةٌ وليس ادعاءً، وتصويرٌ وليس تشويهاً، ولا ينفي كونه حقيقةً ومرضاً أن العدو يذكره، ويعتمد عليه في مواقفه، ويبرر به الكثير من سياساته ضد الشعب الفلسطيني، فالعدو قد يصدق ليصطاد في المياه العكرة، وقد يقول الحقيقة ليستفيد منها، وهو هنا يستغل ما يرى ويشاهد، وينمي ويفاقم ما يصنع ويخلق، وما يرعى ويتعهد، لخدمة أهدافه وتنفيذ مشاريعه.

نحن لا نستطيع أن نخفي العيوب أو نستر الفضائح، فالعالم كله بات مفتوحاً على بعضه، والصورة تنتقل بسهولة، والأخبار تنتشر في كل مكان، مما يجعل من الصعب علينا أن نفسر لغيرنا اعترافنا بعدونا، وقبولنا به، وتسليمنا باقتطاع أكثر من ثلثي أرضنا التاريخية له، وتعاملنا معه رغم عدوانه، وتطبيعنا العلاقات معه رغم تعدياته، واستقبالنا لمجرميه أو زيارتنا لهم رغم أن أياديهم بدمائنا ملطخة، وأسحلتهم في أجسادنا مثخنة.كما يصعب علينا أن نفسر للعالم اكتظاظ السجون الفلسطينية بأبنائنا، واستدعاءات شبابنا وبناتنا للتحقيق معهم وأخذ التعهدات منهم، بحجة أنهم يفكرون في المقاومة، أو يخططون للقيام بعملياتٍ فرديةٍ أو جماعية.

أو قيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية باقتحام الجامعات ومهاجمة المؤسسات العلمية، وضرب الطلاب وملاحقة النشطاء، والاعتداء على الأساتذة والمحاضرين، والعاملين والزائرين. أما مشاهد الاعتداء على الكتاب والصحفيين، وضرب الفنانين والمبدعين، وقتل الناقدين وتهديد المعارضين، فهي أكبر من أن نخفيها أو ندافع عنها ونبررها، وقد غدا سجل حقوق الإنسان الفلسطيني في مجتمعاته زاخراً بالانتهاكات المخزية والاعتداءات الصارخة. وفي ظل قياداتٍ تفرض ولا تنتخب، وزعاماتٍ ترث ولا تستحق، وانتخاباتٍ تعطل واستحقاقات تلغى، لا تغيب مشاهد الفساد المالي والإداري في المؤسسات الفلسطينية عن أعين المراقبين والمتابعين، فالأموال العامة تسرق، ومقدرات الشعب تهدر، والصفقات الربحية تبرم، والوظائف الوهمية توزع، والتعينات المحسوبية تزداد، وفساد أبناء المسؤولين وعائلات المتنفذين تتضخم، ورحلات الصيف وسهرات الليل في الحانات والملاهي الإسرائيلية ترصد، بينما يزداد الفقر وتتفاقم البطالة، ويعم اليأس وتظهر الأدواء الاجتماعية والمسلكيات الخلقية المنحرفة، التي تشيع في ظل الفقر والجوع والحاجة.

أما الصورة الأشد بؤساً والأكثر ألماً، والتي تثير الرأي العام وتشجع المتربصين بالقضية الفلسطينية على النقد والتجريح، فهي حالة الانقسام البغيظ، الذي ما انفك الشعب الفلسطيني يعاني منه مادياً ويشكو منه معنوياً، بينما تمر السنون ويتعمق، وتتوالى الأيام ويتكلس، ولا يبدو أن في الأفق ما يغيره، أو لدى المسؤولين ما يعجل بزواله ومعالجة أسبابه، إذ أصبح الشعب الفلسطيني الذي كان موحداً، مشتتاً بين غزةٍ محاصرةٍ وضفةٍ محاربةٍ، وأهلٍ صابرين في قراهم وبلداتهم، وشعبٍ مشتتٍ بين المنافي واللجوء، في بلادٍ قريبةٍ فيها يعانون، وبلادٍ بعيدةٍ فيها يقاسون، أو أسرى لاحتلال ورهائن لسلطات.

الحقيقة أن الشعب الفلسطيني المبتلى بقيادته، والمظلوم بمرجعيته، يشعر بكل هذه العيوب ويعترف بها، وهو يكتوي بها ويعاني منها، ويشكو كثيراً من الصورة المشوهة لقضيته التي كانت جداً ناصعة، وكانت مقدمة ومفضلة، ومحل العطاء والتضحية، إلا أنها باتت نتيجة الأخطاء المتراكمة آخر الاهتمامات، وتراجع المؤمنون بها والمؤيدون لها، وحزنوا لمآلها ولما أصابها، رغم علمهم التام ويقينهم الراسخ، أن صورة الشعب الفلسطيني ما زالت ناصعة جداً، مشرفة أبداً، وأن معدنه ما زال أصيلاً، وأن الفساد لم يصل إليه ولم يتغلل فيه، واليأس لم يتسرب إليه ولم يسكن فيه، فعطاؤه منقطع النظير، وتضحياته لافتة، ومقاومته مبهرة، وصموده كبير، وثباته عظيم، وإيمانه راسخٌ وعقيدته صلبةً، ويقينه بالنصر لا يتزعزع، والعمليات التي يقوم بها نوعيةٌ وخطيرةٌ، والإبداعات التي يظهرها خلاقة وللعدو صادمة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)