روسيا تتقدم ببطء نحو أهدافها... وأوكرانيا تتسلح وتقاوم

profile
  • clock 24 أبريل 2022, 12:34:06 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

موسكو: «الشرق الأوسط»

عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في وقت مبكر من صباح 24 فبراير (شباط) الماضي، إطلاق «العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس»، بعد خطاب مطول جدا، مزج فيه بين التاريخ والحاضر وتطلعات المستقبل، لم يكن الروس يظنون أن بلادهم فتحت في تلك اللحظة أبواب حرب شاملة متعددة المستويات والأوجه، ومفتوحة في توقعات سقفها الزمني.
كان كثير من المواطنين الروس يظن أن بلاده ذهبت نحو حرب سريعة ومضمونة لتحقيق أهداف محددة، مثلما حدث مع حرب جورجيا في 2008، بينما كانت الترجيحات حتى عند المستويين العسكري والدبلوماسي، تتراوح بين نصر خاطف لا يحتاج سوى 3 أو 4 أيام، كما قال سياسي روسي في جلسة مغلقة جمعته مع دبلوماسيين أجانب في بداية الحرب، أو أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير، وفقا لتكهنات محللين عسكريين في ذلك الوقت.
فكرة «النصر الخاطف» استندت إلى قناعة بأن معنويات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القادم إلى السياسة من عالم العروض الهزلية، سوف تنهار سريعا أمام ضخامة الهجوم الروسي من أربعة محاور. شمالا من بيلاروسيا ومن جهة الغرب برا، وجنوبا من شبه جزيرة القرم ومن البحر. كان يمكن لفرار زيلينسكي بعد تلقيه عروضا غربية بتوفير ممر آمن له ولأفراد عائلته، أن يوفر مجالا لانهيار أركان قيادته والدفاعات الأوكرانية كلها في المدن الكبرى. لكن هذا السيناريو لم يتحقق.
بعد ذلك، بدأت موسكو تتحدث عن استمرار العمليات العسكرية «حتى إنجاز الأهداف الموضوعة» التي تمثلت، كما أعلنها بوتين، في نزع سلاح أوكرانيا وتقويض «النازية» فيها، وضمان أمن سكان دونباس، وإجبار أوكرانيا على التزام الحياد العسكري.
هنا، بدأت أوساط عسكرية تتحدث عن فترة أسابيع معدودة لإنهاء المهمة. كانت البيانات العسكرية الرسمية بعد مرور أسبوعين على بدء الحرب تتحدث عن تقويض قدرات الدفاع الأوكرانية والسيطرة المطلقة على الجو، وتدمير كل ترسانة كييف من الصواريخ والطائرات الحربية. في هذا الوقت كانت المدن الأوكرانية الكبرى كلها في شمال ووسط وجنوب البلاد، تقع تحت حصار محكم، وبات الحديث يدور عن أن سقوط كييف غدا «مسألة وقت».
احتاجت موسكو فترة شهر كامل، لتدرك أن حصيلة العمليات الجارية جاءت مخالفة لهوى الكرملين. إذ فشل الضغط العسكري في تسهيل تقدم أرتال الدبابات نحو خاركيف، التي تكاد تكون قد دُمرت بالكامل، استعصت مدن عديدة أبرزها إيزيوم وسومي ونيكولايف وصمدت زاباروجيا برغم السيطرة على مواقع مهمة فيها مثل محطة «تشيرنوبل» النووية. كما أن كييف سرعان ما تحولت إلى شن هجمات مضادة موجعة في بعض الأحيان.
اتضح أن الجيش الروسي لم ينجح في فرض سيطرة مطلقة، إلا في مدينة واحدة هي خيرسون شمال شبه جزيرة القرم. كما أن مساحة التقدم في إقليمي لوغانسك ودونيتسك التي حملت العمليات العسكرية اسمهما بدت أقل من التوقعات، إذ نجحت روسيا في السيطرة على 90 في المائة من دونيتسك و55 في المائة فقط من لوغانسك. دفعت تلك الحصيلة الكرملين بعد ظهور «بوادر إيجابية» في مسار المفاوضات، إلى إعلان وقف نشاطه العسكري حول المدن الكبرى والانسحاب من محيطها، مُركزا جهده في مناطق الشرق والجنوب.
كانت تلك «بادرة حسن نية»، كما وصفها الوزير سيرغي لافروف لتشجيع المفاوضين الأوكرانيين على التقدم أكثر في النقاشات الجارية. بدا عند هذا المنعطف أن الكرملين أعاد ترتيب أولوياته وخططه، وأجرى تعديلات مهمة على أسلوب إدارة العمليات، وعين قائدا جديدا للعملية العسكرية هو الجنرال ألكسندر دفورنيكوف الذي راكم خبرات قتالية مهمة في سوريا سابقا. هذه الترتيبات سرعان ما اتضح مسارها بعد ذلك، مع إطلاق «المرحلة الثانية» من العملية العسكرية في 19 أبريل (نيسان) التي حملت عنوان «معركة دونباس». لم تُخف موسكو أهدافها في هذه المرحلة، فالمطلوب «إحكام السيطرة على دونباس وفقا للحدود الإدارية قبل حرب 2014»، وهذا يعني ضعفي مساحة الإقليمين اللذين اعترفت موسكو باستقلالهما قبل شن الحرب مباشرة. المطلوب أيضا حرمان أوكرانيا من مرافئها الجنوبية على بحر آزوف والبحر الأسود والسيطرة على قدرات صناعية هائلة. بعبارة أخرى، فإن هذا يعني فرض السيطرة على مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، والتحضير عمليا لتقسيم البلد إلى شطرين.
ووفقا لجنرال روسي بارز، هناك هدف آخر يتمثل في الوصول برا إلى إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي في مولدافيا. وهذا يعني إحكام السيطرة على أوديسا المحاذية له في جنوب غربي أوكرانيا، ما يفتح على مخاوف من توسيع المعركة في وقت لاحق عبر التقدم نحو الإقليم الانفصالي الذي لا يخفي، كما دونباس، رغبته في الانضمام إلى روسيا.
ومنذ انطلاق «معركة دونباس»، بدا أن موسكو سرعت من وتائر تقدمها، خصوصا مع إعلان السيطرة على ماريوبول جنوبا بعد مرور خمسين يوما على حصارها المحكم. كما أن الضغط العسكري القوي في لوغانسك سمح بتقدم مهم في محيطها رغم استمرار المواجهات الضارية.
يستعد الروس، لإعلان نصر كبير مع حلول ذكرى النصر على النازية، في التاسع من مايو (أيار) المقبل، وهو العيد الذي يحظى بمكانة خاصة عند الروس. لذلك تدور ترجيحات حول الأهمية التي يوليها الكرملين لإنجاز المهام الموضوعة قبل حلول ذلك الموعد، مهما كان الثمن المدفوع. ومع الحرب على الأرض الأوكرانية، تبدو الحصيلة السياسية والاقتصادية للكرملين فادحة بعد مرور شهرين على انطلاق العمليات العسكرية. إذ واجهت روسيا «حربا اقتصادية» غير مسبوقة في التاريخ لجهة ضخامة العقوبات والقيود المفروضة من جانب الغرب. وانسحبت آلاف الشركات العالمية من السوق الروسية. وبدأت روسيا تستعد للتعايش مع واقع جديد قد يطول أمده كثيرا بعد وقف المعارك.
كما واجهت «حربا دبلوماسية» غير مسبوقة أيضا. وخلال شهرين، تم طرد مئات الدبلوماسيين الروس من عواصم غربية وأخرى داعمة للغرب، وتقليص قنوات الحوار مع الجزء الأكبر من العالم.
في هذه الأثناء، سرعت البلدان الغربية عمليات تعويض أوكرانيا عن قدراتها العسكرية المدمرة، وتعزيز مجالات صمودها ومحاولة تغيير معدلات الكرملين وتوقعاته من الحرب. شهران على الحرب في أوكرانيا، وما زالت الآفاق مفتوحة أمام احتمالات عدة، روسيا ما زالت تتقدم ببطء. وما زال الغرب يعد الكرملين بمحاولة حرمانه من تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للحرب التي قلبت موازين كثيرة في العالم.

 

 


 

 

التعليقات (0)