سامح المحاريق يكتب: إسرائيل في مختبر الديمقراطية السلبية

profile
  • clock 31 مارس 2023, 3:07:14 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

يتوزع المتابعون بين من يرى الاحتجاجات في إسرائيل مؤشراً على تناقضات جوهرية في المجتمع، ستؤدي إلى تفكك دولة إسرائيل، وهذه وجهة نظر على شيء من الوجاهة، ومقابلهم، تيار آخر، يرى أن هذه الاحتجاجات تحديداً تعد دليلاً على قوة إسرائيل وحيويتها، لأن المجتمع ينتفض من أجل الدفاع عن استقلالية القضاء، وهو الأمر المستبعد حدوثه على مستوى شعبي في المجتمعات العربية.
المشكلة الإسرائيلية تمثل مرحلة من الديمقراطية غير شائعة في الدول العربية، ويمكن وصف هذه المرحلة بالديمقراطية السلبية، بمعنى وجود كتلة مجتمعية متسعة غير معنية بفكرة الانتخابات، لاستغراقها في مشاريعها الفردية، وهذه الكتلة تعتبر يوم الانتخابات إجازة يمكن خلالها التوجه إلى المولات أو الشواطئ، وفي مقابلها كتلة أخرى تشغلها المسألة الانتخابية بصورة تحمل شيئاً من المبالغة، وتجدها تنتظم في الطوابير أمام الصناديق في الصباح المبكر ليوم الاقتراع، ولا يحتاج الأمر إلى كثير من التفكير للوقوف على حقيقة اهتمام المستوطنين بالانتخابات، مقابل عدم العناية من قبل الطبقة الوسطى في المدن، وبغض النظر عن تعداد المستوطنين فإن التزامهم السياسي يمكنهم من فرض ممثليهم في الحكومة، وهذه هي مشكلة إسرائيل.

أمام سيطرة المتعصبين وحالة الجرأة على القضاء، استيقظت الطبقة الوسطى المدينية ذات الصبغة العلمانية، وخرجت إلى الشوارع في حالة من الفزع

أمام سيطرة المتعصبين وحالة الجرأة على القضاء، استيقظت الطبقة الوسطى المدينية ذات الصبغة العلمانية، وخرجت إلى الشوارع في حالة من الفزع بما أدى إلى انعطافة متوترة مع إقالة بنيامين نتنياهو لوزير الدفاع يوآف غالانت، الذي أبدى موقفاً معارضاً تجاه مشروع إصلاح القضاء الذي طرحه نتنياهو لإضعاف المؤسسة القضائية في إسرائيل.. الخروج المتأخر، يضيف بعد تصاعد نبرات عنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي أظهرت نفسها في احتجاجات اليهود الفلاشا (الإثيوبيين) قبل سنوات، والاحتجاجات العربية العنيفة داخل مناطق احتلال 1948 العام الماضي، يؤكد على عدم واقعية وجود قوة واحدة في إسرائيل يمكنها أن تقود مشروعاً سياسياً وأن تضع نفسها شريكاً من أجل تحقيق السلام، وهو بدوره ليس من الأولويات الإسرائيلية حالياً، وفي الماضي والمستقبل. مختبر الديمقراطية السلبية في إسرائيل هو بداية مبكرة لشيوع هذه الممارسة، وفي مجتمعات شهدت ثورات سكانية (ديمغرافية) أمام حركة الهجرة التي توسعت في العقود الأخيرة، وشهدت ارتداداً للمحلية أمام تراجع فكرة القوميات، وكموقف مقاومة صامت أمام العولمة وشروطها، فإن هذه السلبية ستدفع إلى اهتراء منظومة الديمقراطية، ويؤذن بأنها لن تصبح الحل الممكن أمام العالم في المرحلة المقبلة. المستوطنون هم فئة في المجتمع معنية بالسياسة أمام مجتمع أصبح غير مسيس، فالحياة الاقتصادية والمشروع الشخصي يحتل الأولوية لدى أبنائه الذين يرون في السياسة مجرد خدمات مدفوعة من خلال الضريبة، بمعنى اختزال العلاقة بين الشخص والدولة في الجانب اقتصادي الطابع، وإسقاط الأيديولوجيا من اعتبار الكثيرين، ولكنها تبقى حاضرة ومتيقظة عند فئة ربما تكون أقل عدداً إلا أنها أكثر التزاماً سياسياً وتدفعها عقيدتها الدينية أو القومية إلى التنظيم واختطاف المشهد السياسي. لشرح ذلك عددياً، لو افترضنا أن نسبة المستوطنين والمتدينين في المدن في إسرائيل تشكل ربع الناخبين، إلا أن أكثر من نصفهم يذهبون إلى الانتخابات، فذلك يكفي للحصول على حصة الأغلبية مقابل ثلاثة أرباع لا يذهب منهم سوى نسبة 15% أو 20% للتصويت، بالإضافة إلى الناخبين الذين يصوتون على أساس أنهم غاضبون من خدمات الحكومة السابقة، أو لا يرونها تستطيع تقديم الحلول المناسبة، فيجربون التصويت لاتجاه آخر.
الديمقراطية السلبية ليست خاصية إسرائيلية في المنطقة، إلا أن وجود الديمقراطية في إسرائيل وتعمقها في المجتمع، أظهرتها بصورة واضحة، مع وجود أمثلة في مصر، حيث كانت قدرة الإخوان المسلمين على التنظيم بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 الاستراتيجية التي حسمت الانتخابات أمام سلبية الناخبين المفترضين للقوى الأخرى الذين يخلون من الالتزام الأيديولوجي، والذين رأوا أن الوقوف أمام اللجان مضيعة للوقت، وأن المهم هو وجود حكومات يمكن أن تحل مشكلاتهم المعيشية، وفي الأردن شهدت سجلت الديمقراطية السلبية إطلالتها على المشهد السياسي في احتجاجات الدوار الرابع قبل سنوات، حيث خرج عشرات الآلاف في الشوارع للاحتجاج على مشروع لضريبة الدخل، مع أن معظمهم لم يذهبوا لانتخابات مجلس النواب، بمعنى أن يقظتهم السياسية أتت بعد تهديد مصالحهم بصورة مباشرة.
التمرد في بعض وحدات الجيش الإسرائيلي لم يكن لمجرد رفض التدخل في القضاء، بقدر ما كان خطوة استباقية لتجنب أن يصبح الجيش هو الغنيمة التالية لسيطرة المتعصبين على المشهد السياسي، وهو ما سيجعل عشرات الآلاف من المواطنين العاديين الذي يعملون في الشركات والمؤسسات على ذمة حرب محتملة، يدفعهم لها المتعصبون والمتدينون الذين يحصلون على إعفاء من الجيش بحجة حصولهم على التعليم الديني، مع مساعدات من الحكومة تدفع من ضرائب الفئة السلبية التي تعتبر السياسة مجرد معادلة بين الخدمات والضرائب. تستيقظ هذه الفئات السلبية مع حصول التهديد المباشر لمصالحها، ولكن الوقت يكون متأخراً في العادة، ويجري الأمر بطريقة صدامية، وفي الحالة الإسرائيلية فهذه اللحظة الفاصلة تتشابك أيضاً مع أزمة اقتصادية تتفاعل خلال الأشهر المقبلة، وبذلك أجد نفسي، أقدر أن الفريق الذي يرى أزمة إسرائيل في تناقضاتها الداخلية ستلتهم الكيان بأكمله، مع الفرق في تقدير التوقيت، فهذه الأزمة غير قادرة على الوصول إلى الزخم الكامل لتشكيل واقع جديد على الأرض، ولكن جميع الشروط الأخرى متوفرة وستتفاعل مع الوقت.
كاتب أردني

كلمات دليلية
التعليقات (0)