سوق تنافسية: أبعاد تصاعد اهتمام الدول بصناعة البطاريات

profile
  • clock 27 مارس 2023, 3:46:30 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تحتل صناعة البطاريات في الوقت الراهن مكانة كبيرة، في ظل تصاعد التحديات العالمية الخاصة بالمناخ التي تستوجب ضرورة تجنب انبعاثات الكربون، وتسريع انتقال الطاقة لبلوغ أهداف المناخ الطموحة، وهو ما يدعم فرص ازدهار كهربة وتخزين الطاقة في جميع أنحاء العالم، التي تلعب البطاريات فيها الدور الأكبر، باعتبارها المكون الرئيسي في العديد من الصناعات، كصناعة السيارات الكهربائية والإلكترونيات. في ذلك السياق، يشتد التنافس الدولي على الصناعة؛ حيث تسعى عدد من الدول إلى زيادة حصتها في سوق البطاريات مُصنعةً ومُنتجةً لها، رغم هيمنة الصين الكبيرة على الصناعة، ابتداءً من استخراج المعادن الحرجة التي تُستخدَم في صناعة البطاريات، مروراً بتكريرها ومعالجتها وتصنيعها وإنتاجها.

وما ساهم في جاذبية صناعة البطاريات خلال العقد الماضي، انخفاض أسعار حزم بطاريات أيونات الليثيوم بنسبة 90%، وهو ما ساعد بدوره على تغذية النمو في الصناعة من حيث الطلب والعرض، حتى أصبح الاستثمار في التطبيقات المختلفة التي تخدم الصناعة، أمراً مجدياً اقتصادياً عند كثير من الدول. ونتيجةَ ذلك النمو السريع، برز التنافس الدولي على الصناعة في شكل ارتفاع في مبيعات الدول، وابتكار طرق إنتاج جديدة، وتبني سياسات محفزة، هدفها في المقام الأول والأخير تعزيز مكانة الدولة في صناعة البطاريات عالمياً.

مؤشرات التنافس

تشهد صناعة البطاريات تنافساً دولياً تتبدَّى آثاره من خلال عدد من المؤشرات، نستعرض أبرزها فيما يأتي:

1– اهتمام أوروبي متصاعد بالمعادن الحرجة بوصفها أساساً لصناعة البطاريات: في عام 2021،صعدت مبيعات أوروبا من البطاريات بزيادة متسقة بنسبة 65%، حتى أضحت أوروبا تضم سبعة من أفضل عشر دول في عام 2021 في صناعة البطاريات، وهي: ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والنرويج وإيطاليا والسويد وهولندا. وقد زادت مبيعات البطاريات في ألمانيا على وجه الخصوص بنسبة 72%، نظراً إلى استضافتها بعض أكبر مصانع السيارات الكهربائية في أوروبا، فيما تخطط شركات عملاقة، مثل تسلا وفولكس فاجن وعملاق البطاريات الصيني CATL، لإدارة مصانع ضخمة بها.

وفي إطار الحرص الأوروبي التام على تعزيز الحضور على الساحة الدولية في صناعة البطاريات، صدر مؤخراً قانون الاتحاد الأوروبي للمعادن الخام الحرجة، وقانون صافي الصفر للصناعة Net–Zero Industry، باعتبار ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح لدعم سلسلة توريد الليثيوم أيون الأوروبية؛ حيث يهدف كلا القانونَين إلى توفير الوصول إلى معادن البطاريات للشركات الأوروبية، وإزالة الحواجز أمام تطوير هذه الموارد والمنتجات النهائية في الاتحاد الأوروبي، خاصةً أن القانون يشتمل على العديد من معادن البطاريات ضمن قائمة المواد الخام المهمة، بما في ذلك الليثيوم والكوبالت والنيكل والمنجنيز والجرافيت الطبيعي.

على صعيد آخر، تتجه التوقعات إلى أن تتوسع المنطقة الأوروبية في سوق بطاريات الليثيوم أيون؛ نظراً إلى النمو المتزايد في استخدامها وإنتاجها للسيارات الكهربائية والإلكترونيات الاستهلاكية وأنظمة تخزين الطاقة، والسياسات الداعمة لذلك من قِبَل الحكومات الأوروبية، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية لمشتري السيارات الكهربائية، بما يدعم بدوره زيادة الطلب على بطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في صناعة ذلك النوع من السيارات، في ظل نمو الطلب عليها.

2– هيمنة الصين على صناعة البطاريات عالمياً: تمتلك الصين حالياً نحو 77% من الطاقة الإنتاجية العالمية لبطاريات الليثيوم أيون، تليها حصة كل من بولندا والولايات المتحدة بنسبة 6%، فيما تشكل أوروبا، بما في ذلك الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي نحو 14% من إجمالي الحصص، بما يشير إلى اكتساح، بل هيمنة الصين على صناعة البطاريات عالمياً، وهي في الوقت ذاته أكبر سوق للمركبات الكهربائية؛ إذ بلغت مبيعاتها من السيارات الكهربائية العالمية في عام 2021 نحو 52% من إجمالي المبيعات العالمية.

هذا وتمتلك الصين نحو ستاً من أصل أكبر عشر شركات كبرى لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في العالم. ولا يقف الأمر عند هيمنة الصين على تصنيع البطاريات، بل تصل هيمنتها إلى سلسلة توريد الصناعة بأكملها؛ بدءًا من استخراج المعادن الحرجة المستخدمة في صناعة البطاريات، وصولاً إلى إنتاج المركبات الكهربائية. ولعل ذلك النمو المتسارع للصين في تلك السوق، يأتي بفعل السياسات الحكومية والحوافز التي دفعتها لبلوغ تلك المكانة في صناعة البطاريات عالمياً.

3– مساعٍ أمريكية لبناء سلاسل توريد جديدة لسوق السيارات الكهربائية: بالرغم من كون سوق البطاريات الأمريكية صغيرة الحجم مقارنةً بالصين، غير أن السوق ذاتها في تنامٍ مستمر؛ فخلال عام 2022 بِيعت 810 آلاف سيارة كهربائية تعمل بالبطاريات في الولايات المتحدة؛ وذلك ارتفاعاً من نحو 488 ألف سيارة بِيعَت خلال عام 2021.

فيما تتحرك الولايات المتحدة بخطوات محسوبة لمواجهة سيطرة الصين على إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، خاصةً في الوقت الذي تنتشر فيه مخاوف بشأن النقص العالمي في المعادن الرئيسية المستخدمة في الصناعة، وانتهاكات العمل في المناجم الأفريقية؛ لذلك وقَّعت الولايات المتحدة في 18 يناير الماضي مذكرة تفاهم تعهدت من خلالها وزارة الخارجية الأمريكية بالمساعدة في بناء سلسلة توريد جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية في الكونغو وزامبيا، تستهدف من خلالها تحويل الدولتين من مجرد موقِعين لاستخراج المعادن إلى مَركَزين لمعالجة البطاريات وتصنيعها وتجميعها؛ لتتمكن من التنافس بسلسلة التوريد هذه مع الصين.

4– تزايد فرص آسيا في حصة سوق البطاريات: تُعَد دول شرق آسيا الممثَّلة في الصين وكوريا الجنوبية واليابان، هي مثلث سوق البطاريات، وإن كانتالصين حالياً تهمين تماماً على إنتاج بطاريات LFP العالمية، فإن الشركات اليابانية والكورية تتصدر عالمياً في إنتاج بطاريات NCM/NCA.

ورغم ما تبذله الولايات المتحدة وأوروبا من مساعٍ لزيادة إنتاجهما المحلي من البطاريات، فإن الموردين الآسيويين يهيمنون على السوق بصورة كبيرة؛ حيث تشكل الشركات الصينية 56% من سوق بطاريات السيارات الكهربائية، تليها الشركات الكورية بنسبة 26%، والشركات المصنعة اليابانية بنحو 10%. ولعل جاذبية وتنافسية دول شرق آسيا يرجع إلى كونها في الأساس مركز تصنيع عالمياً للإلكترونيات الاستهلاكية، كأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة التي تعتمد على بطاريات الليثيوم أيون في صناعتها، ومن أشهر الشركات الرائدة في صناعة البطاريات، التي تشهد ازدهاراً في مبيعاتها، شركة Panasonic اليابانية، وكل من Samsung SDI وLG Energy Solution في كوريا الجنوبية.

5– محاولات تايوان لتعزيز صناعة البطاريات لديها: تسعى تايوان لتعزيز عمليات التنقيب والإنتاج والمعالجة والتكرير بها، خاصةً أنها قضت سنوات في تطوير صناعات بطاريات الليثيوم الخاصة بها، مستعينةً بالمهارات التقنية لديها، وخبرتها في التصنيع، وسلسلة التوريد الكاملة التي تتمتع بها.

وفي إطار ذلك، أسست تايوان في 10 مارس الجاري، أول جمعية لصناعة بطاريات الليثيوم أيون؛ لتحفيز الصناعة في الدولة عبر تعزيز الاستخدام المحلي للمواد والبطاريات المعاد تدويرها، وتشجيع الصناعات ذات الصلة على المشاركة في التدفق الكامل للعمليات، ومن ثم إنشاء اقتصاد دائري داخل صناعة مستدامة، مستفيدةً من التعاون بين الصناعة والأوساط الأكاديمية ومعاهد البحث؛ من أجل الوصول إلى نظام بيئي صناعي مستدام، مع التركيز على موارد إعادة التدوير، والاستفادة من الروابط الرأسية والتكامل الأفقي، وتسريع التوسع الصناعي، ورفع القدرة التنافسية للصناعة.

حوافز دافعة

تحاول عدد من دول العالم اقتناص الفرص التي تستطيع من خلالها إرساء وجودها في صناعة البطاريات، وزيادة حصتها مصنعةً ومنتجةً في سوق البطاريات عالمياً. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب؛ نتناول أبرزها فيما يأتي:

1– مكون رئيسي ومكلف في صناعة المركبات الكهربائية: تُعَد كهربة قطاع النقل مكوناً رئيسياً للانتقال إلى الطاقة النظيفة، لكن عادةً ما تمثل البطارية نحو ثلث تكلفة المركبات الكهربائية، ومن ثم فإن البطاريات هي المكون الأكثر تكلفةً عن غيره في صناعة المركبات الكهربائية؛ لذا فإن زيادة قدرة الدول على التحكم في توريد البطاريات لشركات صناعة السيارات، تجنبها من زاوية التكلفة المرتفعة لشراء البطاريات اللازمة في صناعات عديدة، وتزيد من ربحيتها من زاوية أخرى، خاصةً أننا في العقد الأول من عصر صناعة السيارات الكهربائية، بما يدعم بقاءها في ذلك المجال بتلك المرحلة المبكرة وغير المستقرة.

2– الضغوط المختلفة على إمدادات المعادن الحرجة: تتطلب البطاريات مزيجاً من المواد الخام والمعادن الحرجة، غير أن الضغوط المختلفة على إمدادات المعادن الحرجة تعمل معوقاً رئيسياً أمام توفير الإمدادات الكافية التي تساعد على إنتاج وصناعة البطاريات. وفي ظل الأهمية الكبيرة للبطاريات بصفتها مكوناً رئيسياً في العديد من الصناعات، فإن دوافع الدول لتعزيز وجودها في صناعة البطاريات، تتزايد عاماً بعد عام، بما يدعم التوجه التنافسي حول صناعة البطاريات، وهو ما يتبدى في مساعيها المستمرة نحو زيادة حصتها من المعادن الحرجة، بما يضمن لها سلسلة توريد كاملة تخدم صناعة البطاريات بها في المقام الأول، وتجنبها الضغوط المختلفة على إمدادات تلك المعادن، خاصةً في ظل هيمنة الصين عليها.

3– عنصر داعم لانتقال الطاقة: مع الدفع العالمي لإزالة الكربون، والرغبة في الوصول إلى الاستدامة من أجل تحقيق انتقال الطاقة واعتماد المركبات الكهربائية، فإن من المتوقع أن يستمر الطلب العالمي على البطاريات في الزيادة خلال السنوات القادمة؛ حيث يتوقع أن تزداد قدرة إنتاج بطاريات الليثيوم بمقدار 8 مرات بحلول عام 2027؛ إذ تعد البطاريات جنباً إلى جنب الحلول الأخرى، خاصةً التوصيلات البينية لشبكات نظام الطاقة، والمستخدمة في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، داعماً أساسياً لكهربة قطاع النقل بأكمله، ومن ثم لانتقال الطاقة وإزالة الكربون، وهو ما يحفز دولاً مختلفة على التنافس على احتلال مكانة مميزة في تلك الصناعة.

4– النمو المتوقع لحجم سوق بطاريات الليثيوم: تشهد سوق بطاريات الطاقة ازدهاراً كبيراً مع ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية العالمية؛ حيث تمثل أكبر 10 شركات مصنعة للبطاريات في العالم أكثر من 90% من إجمالي سعة البطارية المثبتة، المحسوبة على أساس سعة البطارية؛ ما يشير إلى وجود منافسين أقوياء في تلك الصناعة، وهو ما تعيه الدول المهتمة بالصناعة جيداً.

وتشير التوقعات إلى نمو حجم سوق بطاريات الليثيوم أيون العالمية بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.7% في الفترة 2023–2028، كما يتوقع أن تسجل السوق العالمية لبطاريات الليثيوم أيون نمواً خلال تلك الفترة بسبب الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية. وقد يدعم التسجيل المتزايد للسيارات الكهربائية والاستثمارات من قبل الشركات المصنعةزيادة الطاقة الإنتاجية في الصناعة، وبالتالي يعزز نمو السوق خلال السنوات القادمة، ومن ثم فإن دفع الدول نحو تعزيز استثماراتها في ذلك المجال، هو استثمار رابح وهام وملح في الوقت ذاته.

5– تزايد مبيعات الإلكترونيات الاستهلاكية: يؤدي ارتفاع مستوى الدخل، في كثير من دول العالم، وانخفاض تكاليف الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وسهولة الوصول إليها في جميع أنحاء العالم، إلى زيادة الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية ذات البطاريات الطويلة الأمد؛ ما يجعل تحفيز إنتاج البطاريات ضرورة ملحة لدى كثير من الدول، خاصةً في ظل تزايد التنافس بين مصنعي الإلكترونيات الاستهلاكية؛ حيث يختار المزيد من اللاعبين الرئيسيين بطاريات الليثيوم أيون لمنتجاتهم.

مساحة تعاون

ختاماً، تشهد سلسلة قيمة البطاريات فرصاً جمة؛ نظراً إلى نموها غير المسبوق، خاصةً في ظل التنافس الدولي على الصناعة؛ إذ من المحتمل أن يؤدي التوسع في صناعة البطاريات عالمياً إلى توليد أكثر من 400 مليار دولار من عائدات سلسلة القيمة بحلول عام 2030، والمساهمة فيما يصل إلى 18 مليون وظيفة على طول سلسلة القيمة بأكملها وتجنب نحو 70 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون المتأتية من انبعاثات النقل البري التراكمية إذا استمرت الانبعاثات حتى عام 2050. كما من المتوقع – بحسب تحليل صادر عن McKinsey – أن يرتفع الطلب العالمي على بطاريات الليثيوم خلال العقد المقبل، مع زيادة عدد جيجاوات/ساعة المطلوبة من نحو 700 جيجاوات/ساعة في عام 2022 إلى نحو 4.7 تيراواط/ساعة بحلول عام 2030، وهو ما يسهم في نمو الصناعة بنسبة تزيد عن 30% سنوياً من 2022 إلى 2030.

لكن في الوقت ذاته، ورغم ذلك، ثمة تحديات أمام الصناعة تتطلَّب من الدول المهتمة بالصناعة بذل جهود صارمة، وتعزيز شراكات بين القطاعين العام والخاص، وإيجاد مساحات للتعاون الدولي في صناعة البطاريات، حتى وإن كان التنافس ضرورة لإثبات الوجود؛ فمن جهة، يؤدي نقص معدات التصنيع ومواد البناء والعمالة الماهرة المطلوبة لزيادة إنتاج البطاريات، إلى جعل العديد من مصانع خلايا البطاريات تعاني من تأخيرات كبيرة، وهو ما يمكن حله أو تخفيف آثاره على الأقل من خلال تحقيق التكامل الرأسي لسلسلة التوريد والعقود الطويلة الأجل.

كذلك يمثل النقص المحتمل في المعادن الحرجة المستخدمة في صناعة البطاريات تحدياً آخر، يفرض على المنتجين من الشركات الخاصة والحكومات على السواء، إيجاد حلول له، والتخفيف من آثاره، عبر إعادة تجديد استراتيجياتهم وعملياتهم بما يدعمها في أن تكون اقتصادية وشفافة ومستدامة ودائرية، كأن يقوم المنتجون ببناء أو إعادة إنشاء جدول أعمال للنمو في صناعة البطاريات على أساس الجدوى الاقتصادية؛ لضمان إمكانية تنفيذها، علاوةً على السعي من أجل الابتكار المستمر في الإنتاجية وإزالة الكربون من العمليات، مع السعي في الوقت ذاته نحو إقامة شراكات متنوعة مع الدول المصنعة للبطاريات، وخلق مساحات تعاون تدعم كل دولة نشطة في ذلك المجال في أن تكون جزءاً محورياً من سلاسل التوريد النهائية للصناعة.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)