سيد احمد يكتب: السودان: آفاق واجتهادات لما بعد الكارثة

profile
  • clock 18 يونيو 2023, 6:20:47 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

شمل دمار الحرب الجارية في السودان آلاف الموتى وتهجير المواطن داخل البلاد وخارجها واستيلاء مسلحين على المنازل وطرد أهلها ان لم يكونوا قد رحلوا عنها، وإغلاق المستشفيات وشح الأدوية وانهيار قطاع الخدمات من صحة واتصالات، وارتفاع الأسعار لأضعاف مضاعفة وحرق المحلات والمنازل، فهل هناك منتصر؟ لا شك ان للعسكريين رأي آخر، فالحرب هي مهنتهم وهي ما يتعلمونه ولابد انها- حسب تقديرهم- قد أوقفت المظاهرات أو أوقفت الثورة.

الجبهة العريضة

لكي تكون ضد الحرب لا يعني ان تكون داعيا لانتصار أحد القوتين المتحاربتين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه دون عناء بعد مرور شهرين من الحرب هو: هل هناك منتصر؟ ظللت أردد أن القوتين المتحاربتين لا تعرفان سوى لغة الرصاص والبنادق، كما كررت لمن أستطيع أن أسمعه صوتي: يجب مواجهة هذه الحرب بتشكيل أكبر جبهة تدعو إلى أشكال عديدة من المقاومة، من ضمنها الانتخابات العامة. ويجب ان تنشأ هذه الجبهة على أساس واضح تستطيع من خلاله وقف الحرب فعلاً، ويجب على أطراف هذه الجبهة إنقاذ ما يكون قد تبقى من السودان وأن استعادة الوضع يتطلب اختيار الشرعية الجديدة.
وأذكر أيضاً أن الكاتب الحقوقي السوداني، أوردسي حمد الملك، كان قد ذكر أن البلاد تمر بمرحلة تحتاج فيها لجبهة عريضة تعمل على إجراء انتحابات عامة لتحقيق الشرعية الدستوريّة. وكان ذلك سيحول بين العسكر وبين أي تصاعد في شهيتهم للحكم. وبالطبع لم يتم أي تحرك في ذلك الاتجاه، بل هناك دعاوى لا أساس لها تعتمد العساكر وتمنحهم تاريخا لا حق لهم فيه، فقد قالت مولي في، المسؤولة عن مكتب أفريقيا في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة في مؤتمر صحافي يوم 11 ايار/مايو الماضي في جدة بالمملكة العربية السعودية، رداً على سؤال من جوناثان جاير من «فوكس» عن وضع المدنيين «بالتاكيد أعتقد ان من المهم أن نتذكّر بعض الحقائق الأساسية عن السودان. فلقد تولى الجيش السوداني السلطة لأول مرة عام 1958 وسيطر فعليّاً على البلاد منذ ذلك الحين، بما في ذلك 30 عاماً في ظل نظام عمر البشير حيث كانت دكتاتورية إسلاميّة فعليّة» وأضافت «هؤلاء هم قادة السودان، وهذه هي الحقائق التي كان علينا التعامل معها.»
ان إنشاء الدعم السريع نفسه يمثل نوعا من توسيع فضاء عسكرة المجتمع، فهذه الوحدة العسكرية لم تتأسس كما قال السياسي السوداني زين العابدين صالح عبد الرحمن- في مقال له «كتيار سياسي أو حتى اجتماعي لديه مشروعه السياسي يناضل من أجله، أو حتى مطالب حقوقيّة يسعى لتحقيقها. هي ميليشيا كونها رأس النظام السابق عمر البشير وجعلها تحت أمرته، لها مهام محدودة باعتبارها قوة كونت من أجل استخدامها في البطش، ظهر ذلك جليّاً في عمليّات ضربها للحركات المسلحة في دارفور إلى جانب دورها في قتل المدنيين من الطلاب والشباب في انتفاضة ايلول/سبتمبر 2013 وانتفاضة كانون الأول/ديسمبر 2018 ومارست ذات البطش والقتل في فض الاعتصام.»

العدوان في دارفور

لا شك ان دارفور، هي الأكثر تضرراً، فلقد فقد الآلاف أرواحهم في مدينة الجنينة، ومن ذلك مقتل خميس عبدالله أبكر حاكم ولاية غرب دارفور، والنزوح الضخم وتبعاته من عدم توفر الطعام والعلاج، كما تعرضت مدينتا كتم والأبيض لحصار قوات الدعم السريع.
ونعود إلى من يرددون الدعوة إلى كتلة مدنية متحدة ضد الحرب، فيدعو السياسي السوداني ياسر عرمان إلى الخروج من حالة الصدمة إلى العمل «فهناك قضايا وواجبات تطرحها هذه الحرب وأولها حماية المدنيين وحل القضايا الإنسانية العاجلة وإعلان فوري لوقف عدائيّات إنسانية، وتكوين جبهة موحّدة ضد الحرب. ان استمرار الحرب سيقضي على العمل المدني والحياة السياسيّة ويقلب أجندة الاستقرار والديمقراطيّة». ويلقي عرمان على هذه الجبهة المهام التي تنجزها فيقول: «من بعد ذلك يأتي الحل السياسي، وهو عمليّة مؤقتة لاستعادة الديمقراطيّة بعد ان تحل القضايا الإنسانية وحماية المدنيين.»
لكن الكسي دو وال المستشار الأفريقي للاتحاد الأوروبي والذي عمل في السودان إلى جانب المواطنين وانخرط معهم وكتب كتبا عنهم، خصوصا عن دارفور، يرفع سقف التوقعات إذ يقول في مقال صدر قبل أسبوعين «إذا كان للدولة السودانية أن تنقذ، فلا يمكن الاعتماد على صغار الدبلوماسيين الخاملين المكلفين بقضيتهم. يحتاج الديمقراطيون المدربون في السودان إلى تسلّم زمام المبادرة بأنفسهم. إن الورقة الوحيدة التي يتعيّن عليهم لعبها هي شرعيتهم، انهم بحاجة إلى لعبها الآن.»
ينطلق اليكسي دو وال من ملاحظة أن «وفد البرهان قد وقع على وقف إطلاق النار في جدة بصفته ممثلا للقوات المسلحة السودانيّة أي كطرف محارب على قدم المساواة مع الدعم السريع» فإنّه يتقدم باقتراحه على شكل تساؤل: «كيف يمكن للمدنيين إعلان حكومة مؤقتة على الفور وجلب النفوذ المادي إلى الطاولة، وقد حدثت أشياء مماثلة في أماكن أخرى؟».
إن طول أمد الصراع سيحوله إلى صراع عرقي، فمعظم المنظمات الدارفورية المسلحة لها حاضنات عرقيّة وهي وسيلة كانت تعمل لتسهيل عمليّة التجنيد للمنظمة عدا منظمة العدل والمساواة التي كانت بمثابة الذراع العسكري لحركة الإسلام السياسي. وقد ظهرت بوادر ذلك في دارفور قبل يومين باختطاف وقتل خمبس عبدالله أبّكر حاكم ولاية غرب دارفور وهي الميليشيا التي أدانتها الخارجية الأمريكية والتي جاء فيها «إن الولايات المتحدة أدانت فظائع من بينها عنف جنسي وعمليات قتل على أساس عرقي في غرب السودان ارتكبت من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات التابعة لها.»

أصوات الإدانة

ونسبت الخارجية الأمريكية للمتحدث باسمها، ماثيو ميلر قوله إن «الولايات المتحدة تدين بأشّد العبارات الانتهاكات الجارية لحقوق الإنسان في السودان». مضيفاً «بينما تعزى الفضائع التي تجري في دارفور إلى قوات الدعم السريع والميليشيات التابعة لها بشكل رئيسي، إلا أنّ الطرفين يتحملان المسؤولية عن الانتهاكات. ففي دارفور أخفقت القوات المسلحة السودانية في حماية المدنيين وأذكت الصراع كما تفيد الأنباء من خلال التشجيع على تعبئة القبائل.»
وعلى صعيد آخر نقل المتحدث باسم مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، جيريمي لورنس شعور المفوض السامي فولكر تورك «بالفزع» من عملية «اختطاف وإعدام» حاكم ولاية غرب دارفور خميس عبدالله أبكر. وشّدد المتحدث على «ان جميع المسؤولين عن عملية القتل يجب محاسبتهم بمن فيهم أولئك الذين يحملون مسؤوليّة القيادة.» أن الجهود التي تبذل لوقف نزيف الحرب لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. وعلى الجميع خفض سقف توقعاتهم لكي يشيدوا بوحدتهم جسورا متينة لعبور الكارثة. ان ما تحطم كان قد بُني بإرادات شعب ولكي نستعيد جزءًا منه يجب ألا تتحطم وأن نحافظ على آمال الأجيال المقبلة، ولا بد ان تظل ذكرى ساحة اعتصام ديسمبر 2019


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)