سيد حمدي يكتب: سوء الظن.. هكذا يُفسد رؤيتنا لأنفسنا وللآخرين

profile
  • clock 27 أغسطس 2023, 5:52:07 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أثناء خروجي من أحد المستشفيات لغرض ما، لاحظت أن سيارة قادمة نحوي بأقصى سرعة ثم ارتطمت بحاجز إسمتني فتهشمت مقدمتها ودُمرت تدميراً.

على الفور أسرعت ومعي بعض الذين شاهدوا المنظر فوجدت رجلاً أجنبياً بعمر الخمسين تقريباً ومعه زوجته وأولاده، وبسرعة فهمنا من الزوجة أن زوجها أصيب بنوبة قلبية أثناء القيادة، فلم يتمكن من السيطرة على مقود السيارة وارتطم بالحاجز الإسمنتي الخاص بالمستشفى، فرأينا ما رأينا، ثم طلبت من الواقفين سرعة إدخاله إلى الطوارئ.

على الجانب الآخر كان بعض الذين شاهدوا المنظر من الجهة الأخرى يلعنون الرجل؛ لأنه يقود بسرعة عالية أدت إلى إصابته وتهشيم سيارته.

قلت في نفسي: سبحان الله، ماذا لو لم أكن في قلب الحدث ووقفت على تفاصيله! ربما كنت ضمن الذين لم يقدموا التماس العذر للرجل.. وغضبوا من فعله.

إن معظمنا بشكل أو بآخر تعرض منذ ولادته لحزمة من العوامل والمؤثرات البيئية كطريقة تعاطي الأب والأم والأهل والجيران ونمط الحياة ونمط الثقافة السائد والتي أدت إلى تشكيل مجمل خصائصه النفسية والسلوكية والإبداعية كالتفكير الناقد، والإدراك السوي، ولأن كل إنسان وُلد وعاش في بيئة مغايرة، فيبدو الناس متفاوتين في الأفهام والإدراكات، فيجب على الإنسان الذي يدعي الثقافة والإنصاف أن يجعل التماس العذر مقدماً على كل ظن.

ولهذا ما الشقاق والكراهية التي انتشرت بيننا إلا بسوء الظن، فهو فعل قلبي يمزق أحشاء المحبة، ويقطع أوصال الأخوة والصداقة، ويزرع البغضاء بين الزملاء والأهل والجيران.

الذين يسيئون الظن بالآخرين عليهم أن يخجلوا من أنفسهم؛ لأن نملة التمست العذر لنبي الله سليمان حين خشيت أن يدوس هو وجنوده النمل دون أن يشعروا، حيث قالت: "ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون".

والذين هم في لحظة انتشاء لحظي بقوة، أو سلامة، أو عافية، عليهم ألا ينسوا الضعف الإنساني الذي جبل عليه الإنسان، ومن ثم عليهم ألا يسرفوا على أنفسهم في ادعاء النقيض فضلاً عن المزايدة على خلق الله، فإنَّ توالي الأيام وتجاربها سوف تثبت لكل ذي عقل أن الإنسان خُلق ضعيفاً.

والصديق الصدوق هو الذي لا يقر بسوء ظن الآخرين بك، بل يدفعه حبه لك -إن كان صادقاً في حبه- أن يذودَ عنك، ويترك جانباً ما يُقال والشائعات التي تتردد، هذه الثقة المتجذّرة هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقات العميقة والمستدامة.

لقد أحببت سيدنا معاذ بن جبل- رضي الله عنه – ودام موقفه في غزوة تبوك محفوراً في ذهني. كانت تلك لحظةً مؤثرة تجسّد فيها فهمه لأهمية عدم الانجرار وراء الشائعات والظنون السيئة. في تلك الغزوة، عندما سأل نبينا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- عن سبب غياب سيدنا كعب بن مالك الأنصاري، تقدّم أحد الصحابة وأجاب قائلاً: "منعه من المشاركة في الغزوة إعجابه بنفسه ولباسه". وفي تلك اللحظة الفارقة، قاطع سيدنا معاذ وقال بكل وضوح: "بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً!".

تلك الكلمات تشهد لنا بمثال نبيل في كيفية التعامل مع سوء الظن والشكوك. إنها تجسّد التزاماً صادقاً بالحقيقة وعدم السماح للبُعدان والتشويشات أن تعكر صفو العلاقات ورؤيتنا للحياة. سيدنا معاذ علمنا درساً عظيماً في كيفية التفاعل مع الشائعات وسوء الظن، وكيف يمكن للحب والثقة أن يكونا دعماً للآخرين حتى في أصعب اللحظات.


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)