صادق الطائي يكتب: أزمة البطريريك لويس ساكو مع الحكومة العراقية

profile
  • clock 24 يوليو 2023, 2:52:19 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تصاعدت وتيرة الأزمة بين بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو والحكومة العراقية، بعد قيام رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد بسحب مرسوم قديم بتعيين البطريرك رئيسا لكنيسة بابل للكلدان في العالم. وقد أثارت الخطوة الأخيرة حنق وحزن الكاردينال ساكو الذي شعر بتكاثر الضغوط عليه نتيجة التوتر الحاصل بين الكنيسة الكلدانية وميليشيا بابليون المسيحية، إحدى فصائل الحشد الشعبي التي يقودها ريان الكلداني.
كنت قد التقيت غبطة الكاردينال ساكو في لندن عندما زارها منتصف شهر حزيران/يونيو الماضي، قبل حدوث الأزمة الأخيرة، وأجريت معه حوارا صحافيا مطولا، وقد كان للصراع بين الكنيسة الكلدانية وميلشيا بابليون حصة مميزة في الحوار، إذ أشار الكاردينال ساكو إلى الصراع مع كتائب بابليون وزعيمها ريان الكلداني، وردا على سؤالي: هل ترى ما يحصل صراعا سياسيا؟ وكيف يمكن أن يوضع حل لهذه الأزمة المتجددة؟ أجاب؛ «هو ليس صراعا سياسيا بالنسبة لنا، أنا كرجل دين أدافع عن القيم الإنسانية والقيم الدينية، وإن ايذاء الناس ليس من الأخلاق، لا المسيحية ولا الإسلامية. رجل الدين يجب أن يكون صوته صارخا حتى لو كان في البرية. هناك محاولة للاستيلاء على كل مقدرات المسيحيين. وهذا الأمر نحن نرفضه، وهنالك أيضا محاولة للتدخل في الشأن الكنسي. وهذا الشخص ليس له علاقة بالأمر، سواء أتقاعدت أو بقيت في منصبي، هذا الأمر يعود لي شخصيا ويعود للكنيسة. وهنالك أيضا المزاعم العارية من الصحة، والاتهامات التي وجهت لنا بأننا بعنا كنائس قديمة وأملاك المسيحيين، هذا الأمر أيضا لا يخصه. هنالك فرق بين عمل ديوان الوقف المسيحي، الذي هو مؤسسة حكومية وللبرلمان الحق في مراقبة أدائها، وأوقاف الكنيسة وممتلكاتها. نحن كوقف كنسي لدينا أربع عشرة كنيسة، وكل كنيسة تمتلك بعض العقارات مثل المحلات، من أجل توفير الموارد لخدمة الكنائس، وهذا الأمر يعود لنا حصريا وبالقانون».
يبدو أن موضوع الصراع بين كتائب بابليون والكنيسة الكلدانية كان دائم التجدد والتصعيد من طرف الميليشيا، التي تحاول الضغط على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق، والتي يتبعها 80 في المئة من مسيحيي العراق، والغاية التي يمكن أن نقرأها مما يتسرب من تفاصيل الصراع هي، سعي جهات ميليشياوية لتحييد دور الكنيسة لتكون النتيجة سيطرتهم على مقدرات وممتلكات المسيحيين، خصوصا أن هنالك الكثير منهم هاجر، خارج العراق وداخله، نتيجة الضغوط والقتل والتهجير الذي طال سكان المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم الدولة (داعش) الإرهابي في مناطقهم التاريخية في سهل نينوى. وقد وصف الكاردينال ساكو الأزمة التي تمر بها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق بوضوح وبالأسماء عندما صرح للإعلام متهما ريان الكلداني قائلا: «إن كل هذه الأحداث الثقيلة والمصيرية التي لا نعرف بعد نهايتها ولا مآلها، واستقدامي إلى المحكمة مستمر بصفة المتهم، في حين أن المسيء معروف وهو حر طليق ومحمي، وهذا القرار تم اتخاذه ليحقق حامي الدستور وحافظ النسيج العراقي الجميل، رغبة بابليون بإصدار مرسوم تعيين ريان سالم داود (من ميليشيا بابليون) متولياً لأوقاف الكنيسة، وشقيقه أسوان نائباً في البرلمان، وشقيقه سرمد مسؤولاً للمال، وشقيقه أسامة مسؤول الحماية، لأن أمواله تتضخم من إتاوات بلدات سهل نينوى وبيوت المسيحيين في تلكيف، ووزيرة الهجرة والمهجرين المسيحية التي تحمل الصليب فوق ثوبها أمينة عامة للبطريركية، وصهره نوفل بهاء رئيسا لديوان الوقف المسيحي».

الغاية التي يمكن أن نقرأها مما يتسرب من تفاصيل الأزمة هي، سعي جهات ميليشياوية لتحييد دور الكنيسة من أجل السيطرة على مقدرات وممتلكات المسيحيين

وقد دخلت رئاسة الجمهورية على خط الأزمة منحازة لميلشيا بابليون، التي تمثل فصيلا من قوى الإطار التنسيقي الشيعي، إذ أصدر رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد مرسوماً جمهورياً بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013، الخاص بتعيين البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومتولياً على أوقافها. ونشرت الوقائع العراقية في عددها (4727) الصادر في الثالث من تموز/يوليو 2023، المرسوم الجمهوري رقم (31) القاضي بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 الخاص بالكاردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو. فما كان من البطريرك إلى التصريح بحدة واضحة هذه المرة ردا على تصرف عبد اللطيف رشيد، رئيس جمهورية العراق، إذ قال في حوار صحافي: «هذا شيء غريب جدا.. فخامة الرئيس كان كبير مستشاري رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني عندما أصدر هذا المرسوم الذي سحبه رشيد بنفسه اليوم» وأوضح الكاردينال ساكو: :أن هذا المرسوم مجرد عرف معنوي وقديم جداً منذ العصر العباسي والعثماني، مرورا بالعهدين الملكي والجمهوري في العراق، إذ كانت الحكومات تصدر فرمانا من السلطان العثماني أو مرسوما ملكيا أو جمهوريا في ما بعد، وهو إجراء تقليدي معنوي، فأنا لست موظفاً عند رئيس الجمهورية». مضيفاً «هذا العرف، وأعني المرسوم الجمهوري أو الملكي، معمول به في سوريا ولبنان والأردن ومصر». ونبّه الكاردينال لويس ساكو قائلا: «أنا عندي مرسوم من بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، وأنا أكبر شخصية دينية مسيحية تمثل الكلدان في العالم، وليس في العراق أو الشرق الأوسط فحسب، ولست رئيس كنيسة الكلدان الكاثوليك في العالم فقط، بل أنا برتبة كنسية كاثوليكية هي كاردينال، أي أهم شخصية دينية بعد البابا، ويحق لي الترشيح على الكرسي البابوي وخوض الانتخابات لمنصب البابا. أنا كاردينال كل الكلدان في العالم، على الأقل كان على فخامة رئيس الجمهورية احترام مرسوم البابا».
وعلى إثر تصاعد الأزمة قرر الكاردينال ساكو مغادرة المقر البطريركي في بغداد والتوجه إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق، وأعلن ساكو يوم 15 يوليو في بيان أنه «قرر الانسحاب من المقر البطريركي في بغداد إلى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق» وندد بـ»الحملة التي تشنها ضدّه كتائب بابليون وبصمت الحكومة». لم تسكت كتائب بابليون، وجاء الرد على لسان رئيسها ريان الكلداني في بيان رسمي على حسابه في تويتر جاء فيه: «نرفض ما جاء في الرسالة، فنحن حركة سياسية ولسنا كتائب، وحركة سياسية مُشاركة في العملية السياسية، ونحن جُزء من ائتلاف إدارة الدولة، ونؤكد أن قرار سحب المرسوم منه، هو قرار رئاسة الجمهورية، وليس بابليون». وتابع البيان «نحن نرى أن ما يحتاجه غبطة البطريرك اليوم هو أن ينزوي من السياسة، وليس أن ينزوي بعيدا عن عاصمة بطريركية بابل على الكلدان التاريخية والمثبتة، وهذا دليل على ضعف الدائرة البطريركية وخضوعها لأجندة سياسية، ليُستخدم المسيحيون مرة أخرى كورقة ضغط بين حيتان السياسة». هذه الازمة دفعت قوى خارجية للتدخل عبر تصريحات أثارت غضب الحكومة العراقية، ومن أهم هذه التصريحات كان انتقاد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر يوم الثلاثاء 20 يوليو الجاري قرار الرئيس العراقي إلغاء المرسوم الذي يعترف بالكاردينال ساكو بطريركا للكنيسة الكلدانية في العراق والعالم، بقوله: «سأقول إننا منزعجون من مضايقة الكاردينال ساكو، ومنزعجون من نبأ مغادرته بغداد» عقب ذلك، ذكرت رئاسة الجمهورية العراقية، في بيان رسمي، أنه «عقب تصريحات ميلر بشأن القرار الأخير بإلغاء المرسوم الجمهوري القاضي بسحب المرسوم الجمهوري رقم (147) لسنة 2013 الخاص بالكاردينال لويس روفائيل ساكو، يشعر مكتب رئاسة جمهورية العراق بخيبة أمل إزاء الاتهامات الموجهة إلى الحكومة العراقية والرئاسة بشأن القرار المتخذ بإلغاء مرسوم رئاسي لا يتماشى مع دستور البلاد». وقد قرر مكتب رئيس الجمهورية استدعاء السفيرة ألينا رومانوسكي سفيرة الولايات المتحدة في بغداد للتحدث بهذا الشأن وتسليمها مذكرة احتجاج حكومي.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)