عبدالعزيز عاشوريكتب..ايام من زمن فات

profile
  • clock 2 أبريل 2021, 4:47:42 ص
  • eye 826
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

خمسينات القرن الماضى وفى قريتى الصغيرة كان المتنفس المجانى لكل صبية القرية وفتيانها السباحة والبلبطة فى مياه ترعتها ..

رغم تحذيرات الدولة والأهل من خطورة الإصابة بالبلهارسيا مرض العصر حينها ..

البلهارسيا اللى كانت بتهد حيل كل من تصيبه من كثرة النزف الدموى الذى يتعرض له طوال يومه ..

ومع تحذيرات أبى المتكررة كنت دوما أرقب رفاقى وهم يلهون ويلعبون فى مياه الترعة عصر كل يوم ..

وكنت أحسدهم على قدرتهم العجيبة على السباحة فى الوقت الذى أعجز فيه عن مجرد نزول الترعة ..

مع إلحاح ابن عمى الذى كان فى مثل عمرى نزلت الترعة ومع اول محاولة للعوم وبمجرد ان دخلت الى المنتصف حتى أوشكت على الغرق  ..

ولولا وجود ابن عمى بالقرب منى لكنت فى خبر كان ..

يبدو مع تكرار نزولى للترعة لتعلم السباحة أن أحد الجيران خبص عليا وبلغ ابويا اللى سبق له إنه حذرنى كتير من نزول الترعة ..

وعصر أحد الأيام وأثناء انشغالنا باللعب داخل مياه الترعة اذ بى أرى أبى وهو يقف قريبا منى على شط الترعة وابتسامة عريضة ترتسم على محياه وهو ينادينى ويشير لى بأنه يريدنى ..

ابتسامته أزالت الخوف والرهبة من داخلى وخرجت اليه على الفور ..

نسيت أقول لك بقى اننا كنا دايما بنلعب فى مية الترعة بلابيص .. 

عرايا يعنى كما ولدتنا أمهاتنا منعرفش المايوهات والحاجات الألافرنجة دى ..

تقلع هدومك وتحطها على شط الترعة وتنزل بلبوص ..

المهم طلعت م المية وقبل ما امد ايدى على هدومى عشان ألبس اذ بأبى يأخد إحدى يدى بيده اليسرى ويخرج من تحت البالطو عصا طويلة طرية وينزل بيها لسوعة على جسدى العارى ..

وفين يوجعك .. ومفيش فرصة للفلفصة ..

الراجل ماسكنى بإيد وبيلسوع بالعصاية اللى فى الايد التانية ..

وأنا أتلوى من الألم حتى بدأت الشفقة تدب فى قلبه وتوقف عن الضرب وامرنى بلبس هدومى ..

أتارى الراجل عمل حسابه يخلص شغله وبدل ما يروح ع البيت اتجه للغيط ..

وقبل ما يوصل عندى قطع غصن محترم جامد من شجرة توت على شط الترعة وقطع منه الورق وأخفى الغصن الطرى داخل البالطو وطلعه فى الوقت المناسب .. 

ولما كان بيبتسم كان بس عشان اطمن واروح له بدل ما اهرب ع الشط التانى ..

العلقة علمت فى نفسى ودماغى اكتر ما علمت فى جسمى ..

من بعدها امتنعت نهائيا عن نزول الترعة ورفضت الإستجابة لإغراءات رفاق العمر ..


شهر والتانى وبدأت أحس بألم عند التبول ..

ومع تكرار الألم انتبهت لقطرات من الدم تنزل مع نهاية البول ..

خفت أتكلم واقول ..

ومع الوقت لاحظوا فى البيت بعضا من اصفرار الوجه على محياى ..

فى المدرسة الابتدائية كانوا ياخدونا فصل فصل الى المستشفى الحكومى بالبندر لإجراء التحاليل الطبية مجانا ..

ايشى بلهارسيا وايشى انكلستوما وايشى اسكارس ..

واللى يطلع عنده حاجة المستشفى يصرف له العلاج مجانا ..

أبويا شاف الحكاية قال لازم الواد يتعالج فى البيت قدام عينى ..

كان العلاج الحديث المتاح هو كورس حقن تحقن بالوريد اسمها حقن الطرطير ..

استعان بأحد أبناء عمومتى والذى كان يعمل بمستشفى الشرطة ليأتى فى موعد الحقنة ..

وبمجرد ما آخد الحقنة أفرفر فى ايديهم ..

كانت حقنة الطرطير دى صعبة جدا خصوصا مع طفل ..

واستمر الحال حتى انتهى كورس الحقن وشفيت من البلهارسيا تماما ..

بعد الواقعة دى بأكتر من عشرين سنة أصبت بالتهاب كبدى فيروس ( ب) جراء عدوى بأحد المستشفيات الراقية ..

كان طبيبى المعالج حينها الطبيب على مؤنس أستاذ الكبد الشهير  ..

مع الكشف فوجئت بالدكتور على مؤنس وهو بيقول لى ان فيه آثار بلهارسيا ميتة معالجة بالطرطير ..

ازاى ؟ معرفش طبعا .. 

طبعا حالتى المرضية حينها كانت تستدعى تركيزى فيها دون غيرها ..

كانت البلد كلها تقريبا عندها بلهارسيا لأن الترعة هى مصدر الرى والشرب للسكان وللمواشى وكل حاجة ..

الى ان قامت الدولة بمد القرية بمياه الشرب النقية فامتنع الكثيرون من أهلها عن استخدام مياه الترعة فى الشرب ..

رحم الله الأهل والرفاق ..

ورحم أياما محفورة بأحداثها فى وجدان الصبى ولم تفارقه رغم تبدل الأحوال ..

ورغم مرور ما يقارب الستين عاما ..


التعليقات (0)