عبدالعزيز عاشور يكتب : مش انا عيد ميلادي النهارده

profile
  • clock 10 أبريل 2021, 4:16:58 م
  • eye 919
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

النهارده ووفقا للسجلات الرسمية لمصلحة الأحوال المدنية أتممت  ٦٩ سنة من عمرى....

٦٩ سنة مضت من العمر .. 

تبقى مش عارف تتحسر ع اللى راح ...

واللا تتمنى التعويض ف اللى جاى ....

نسأل الله العفو عما مضى والستر فيما هو آت ..

إن كان هناك آت ..


كل واحد تقريبا عارف تاريخ ميلاده على وجه اليقين ..

الا العبد لله ..

حتى أمى رحمة الله عليها لم تكن تتذكر يوم ميلادى وكأننى ولدت فى عصر ما قبل التدوين ..


ايه الحكاية ؟ 

المكتوب فى شهادة الميلاد وبالتالى فى كل الأوراق الرسمية إنى اتولدت يوم 10 إبريل 1952.. 

وطبعا ما كانش من عاداتنا نعمل عيد ميلاد .. 

سلو بلدنا كده ..

بلدنا دى القرية الصغيرة منية شبين القناطر التى ولدت ونشأت وعشت فيها حتى بلغت مبلغ الرجولة ..

أول مرة يتم الاحتفال بعيد ميلادى كانت من ٥٦ سنة ..

سنة ١٩٦٤ دخلت المدرسة الإعدادية فى البندر .. فى المدينة يعنى .. 

وعندما حل تاريخ الميلاد فى العاشر من ابريل ١٩٦٥ زملائى أصروا انهم يعملوا لى حفل عيد ميلاد زى أهل البندر .... 

وفعلا قطعوا معى المسافة الطويلة على صغار فى مثل أعمارنا حتى وصلنا الى قريتى واحتفلوا بعيد ميلادى للمرة الاولى ..

صديق الطفولة والصبا والجامعة وحتى الكهولة  عصام حامد حسين كساب حكى لوالدته حكاية حفل عيد الميلاد لما رجع البيت ..

واحنا بلديات وجيران فى قرية صغيرة كلها أقارب أو أصهار أو جيران والكل يعرف تفاصيل الكل ....

والدته رحمة الله عليها وعلى أمى وسائر الأمهات والآباء قالت له إزاى يا إبنى ؟

صاحبك ما اتولدش فى ١٠ إبريل ولا فى اى يوم من ابريل .. 

ليه يا أمى وإيش عرفك .. ؟

قالت له عشان أنا رحت باركت لأمه يوم ما اتولد أو تانى يوم وكنت حامل فيك وبعدها بأسبوعين انت اتولدت فى ٢٦ مارس ..

يبقى جبتوا منين بقى ان عبدالعزيز اتولد فى ابريل ؟

شوف التواريخ تقريبية ازاى .. 

ولسه اللى جاى أحسن والصبر طيب ..

عصام تانى يوم قال لى الخبر فى المدرسة ..

هو قال لى من هنا وأنا ما كدبتش خبر رحت جرى بعد المدرسة أسأل صاحبة الشأن أمى .. 

حكيت لها اللى حصل ..

قالت إيه .. ؟

قالت تقريبا يا إبنى كلامها صح بس أنا مش فاكرة التواريخ ..

وفى غمرة دهشتى سمعتها بتقول :

اللى حصل إن فيه قبلك أربعة إخواتك ماتوا ولما إنت جيت قلنا إشمعنى ده هو اللى هايعيش .. 

لسه هنطلع شهادة ميلاد وبعد كام يوم نطلع شهادة وفاة زى إخواتك قلنا ناخدها من قصيرها بلا شهادة بلا بتاع ..

 لكن مشى أسبوع ورا أسبوع وانت عايش ومتبت ف الدنيا وزى الفل .. 

بعد ييجى شهر قلنا خلاص أمرنا لله نسجل الواد قمنا سجلناك  ..

بس .. خلاص .. 

يعنى إيه يا أمى ؟

يعنى تاريخ ميلادى بالضبط إمتى .. ؟

قالت يا ابنى هو أنا عقلى دفتر .. 

طالما أم عصام فاكره يبقى خد على كلامها واهو يا عم يبقى عندك عيدين ميلاد ..!! 

حسبت الحسبة على كلام ام عصام طلع لنا تاريخ ١١ مارس كتاريخ ميلاد مفترض ..


المهم أنى أذكر أنى لم أحتفل بعيد ميلادى بعدها إلا فى ١١ مارس ١٩٧٣ يعنى من ٤٨ سنة .. 

فين بقى .. ؟

فى سجن الإستئناف بباب الخلق ..

وكان بالنسبة لى أحلى وأجمل إحتفال بعيد ميلاد طوال عمرى خصوصا أنى يومها كنت قد بلغت سن الرشد ٢١ سنة  ..

 ليه بقى  وازاى ...

فى نهاية ديسمبر ١٩٧٢ حللت ضيفا على سجن القلعة الرهيب ..

بعد شهرين تقريبا من تشريفنا فى سجن القلعة .. رأت قيادات أمن الدولة أنه من الخطر تجميع كل قيادات الجامعة فى سجن واحد ..

قامت بعزقتنا كل واحد فى سجن بعيد عن التانى .. 

نصيبى وقع فى سجن الإستئناف بباب الخلق ..

كان معايا فى الزنزانة ناس من أصدقائي وحبايبى وناس أول مرة أعرفهم ..

من أصدقائى مثلا كان المهندس محمد سامى أحمد رئيس حزب الكرامة أمد الله فى عمره ..

وكان ممن لم يسبق لى معرفتهم شاعر المنصورة فؤاد حجازى  والصحفى والكاتب بمجلة روز اليوسف فؤاد قاعود رحمهما الله وبالطبع كانا يكبرانى سنا  ..

بعد اسبوعين تقريبا من تشريفى لسجن الاستئناف حل يوم ١١ مارس  اللى هو تاريخ ميلادى المحتمل ..

فى هذا اليوم كان عمنا فؤاد قاعود عنده زيارة .. وفى الزيارة فاجأنا إنه طلب من زوجته تروح بعد الزيارة تشترى شوية جاتوهات وحلويات وتسلمهم لإدارة السجن ..

وفعلا بعد ساعتين تقريبا لقينا عندنا كل لوازم الإحتفال بعيد الميلاد ..

إحنا كنا فى الدور التانى من السجن .. وده كان دور السياسيين ولابسى البدلة الحمراء المحكوم عليهم بالإعدام ..

المهم عمنا فؤاد إتفق مع السجانين إنهم يستعدوا لحفلة تبدأ بعد المغرب وقام بإبلاغ كل المساجين السياسيين فى الدور إن فيه حفل عيد ميلاد .. 

طبعا كل زنزانة مقفولة على اللى فيها .. 

وبدأ الحفل فقام كل سجان بالمشاركة بتوزيع الحلويات بتاعة عمنا فؤاد وإحضار الهدايا من كل زنزانة .. 

تفتكروا الهدايا القيمة اللى ممكن يبعتها المسجون للمسجون ممكن تكون إية .. 

برتقالة محفور عليها بالأظافر عبارة كل سنة وانت طيب ..

أو جزرة محفور عليها التهنئة ..

ثم بدأ الحفل الساهر .. 

وكل زنزانة عليها تقدم نمرة فى الحفلة 

اللى يقدم قصيدة شعر .. 

واللى يقدم أغنية جماعية لأعضاء الزنزانة .. 

ولا أنسى مع طول المدة التى تزيد على ثمانية وأربعين عاما أغنية قالها بعض زمايلنا فى إحدى الزنازين ...

وكانت الأغنية تحويرا لأغنية مشهورة وقتها

 لعبد الحليم حافظ قالوا فيها .. :

                                  عقبالك يوم ميلادك 

                                  يوم ما تروح القلعة تانى ..

                                  يا زيزو .. 

                                                عقبالك يازيزو ..

والحمد لله أن ربنا لم يستجب لدعائهم ولم تكتب لى زيارة القلعة من يومها ولا حتى سياحة .. 

من باب ابعد عن الشر وغنى له ..


وكان إحساس جميل إنك تشوف زمايلك رغم السجن ورغم ضبابية المستقبل أمامنا لحظتها إنهم بيشاركوك يوم ميلادك بكل هذا الحب وكأنهم فى رحلة للقناطر الخيرية ..


شيئ جميل إن الناس تتبادل مشاعر الحب ..

والأجمل لما تكون المشاعر مشاعر حقيقية من القلب تقوم توصل مباشرة بلا وسائط للقلب ..


مشاعر الحب أنبل وأجمل ما فى الحياة ..

لا نسعد فى حياتنا بلا حب وبلا تبادل الحب ..

ولن نحظى برضا ربنا سوى بالحب وتبادل مشاعر الحب مع خلقه  ..

وصدق نبينا صلوات الله عليه حين قال فيما روى عنه  :

 " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ... "


جعل الله أيامنا وأيامكم والناس أجمعين كلها أعيادا وغمرنا وإياكم بفيض محبته حتى يفيض كل منا بالحب على صاحبه فننال محبه ربنا ورضوانه ....

التعليقات (0)