عبد الحميد صيام يكتب: ممثل الأمم المتحدة في فلسطين المحتلة وتبني الرواية الإسرائيلية

profile
  • clock 14 أبريل 2023, 3:36:30 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أعود إلى موضوع تور وينيسلاند، منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، ممثل الأمم المتحدة لدى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، إذ أجدني أصرخ وحيدا في وجهه في غياب أي احتجاج رسمي للمواقف التي يعبر عنها، والتي لا تنحاز للجانب الإسرائيلي فحسب، بل وتتبنى سردياته. لقد أثرت موضوع انحياز وينيسلاند وتقاريره الخطيرة وبياناته الأخطر مع ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة، للاحتجاج لدى الأمين العام، من دون جدوى بحجة «أنني لا أريد افتعال معركة مع الأمين العام». ثم بعثت مقالاتي وتقاريري لوزارة الخارجية الفلسطينية، التي لقيت المصير نفسه. ذكرتهم بالموقف الشجاع للسفير السابق ناصر القدوة، من تيري رود لارسن، (وكلاهما من النرويج ومن صناع اتفاقية أوسلو الكارثية) عندما انتقده أمام قاعة مجلس الأمن قائلا: «من يستمع لخطاب لارسن سيظن أن فلسطين تحتل إسرائيل». وأقنع السلطة آنذاك أن تعلن أنه شخص غير مرغوب فيه، وهو ما كان.
القانون الدولي ومسؤوليات المبعوثين الدوليين
من نافل القول إن أي مبعوث أممي محكوم بالولاية المناطة له كما تنص عليها القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو مجلس حقوق الإنسان، أو الرأي القانوني الصادر عن محكمة العدل الدولية، أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة. لا يجوز للمبعوث أن يتجاوز صلاحياته المسيجة بتلك القرارات والاتفاقيات، وإذا حدث ذلك فإما أن تطلب الدولة رحيله، وتقرر عدم التعامل معه أو أن المبعوث يصاب بتأنيب الضمير، فيقدم استقالته، كما فعل ألفارو دي سوتو وجيمس ولفينسون، المبعوثان الدوليان، بسبب طريقة التعامل مع الفلسطينيين، خاصة في غزة. وللتوضيح لا يجوز لمبعوث الأمين العام مخالفة بنود اتفاقية جنيف الرابعة (1949) في ما يتعلق بمعاملة سلطة الاحتلال للمدنيين، ولا يجوز مخالفة بنود القرار 2334 (2016) في ما يتعلق بالاستطيان، ولا يجوز مخالفة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 9 يوليو 2004 في ما يتعلق بالجدار العازل وحق تقرير المصير للفلسطينيين والاستيطان، ولا يجوز مخالفة نصوص القرارات العديدة المتعلقة بضم إسرائيل للقدس، خاصة القرارين 476 و478 (1980) اللذين يعتبران كل إجراءات إسرائيل الهادفة لتغيير الوضع الثقافي والديموغرافي والتاريخي، مخالفة للقانون الدولي ولا قيمة قانونية لها. ولا يجوز لا من قريب ولا من بعيد التغاضي عن نص القرار 242 (1967) الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير، وديباجة ذلك القرار التي تنص على عدم جواز ضم الأراضي بالقوة، كذلك لا يجوز لمبعوث دولي أن يخالف قرار اليونسكو الذي يعتبر الحرم الشريف أرضا إسلامية فقط، ولا يجوز لمبعوث دولي أن ينكر حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال بمقاومة هذا الاحتلال بما ينسجم مع ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة، كما نصت على ذلك قرارات الجمعية العامة، خاصة القرار 3236 (1974).

تفاصيل الانحياز للرواية الإسرائيلية

وينيسلاد منحاز للرواية الإسرائيلية نصا وروحا، سواء ما يقدمه من تقارير وإحاطات دورية في مجلس الأمن أو ما يصدره من بيانات، أو ما ينشره من تغريدات على حسابه في تويتر. ولكثرة ما أثرت أسئلة مع المتحدث الرسمي للأمين العام حول هذه المسائل واللغة التي يستخدمها، أصبح يضيق ذرعا بها ويقول لي اتصل بمكتب وينيسلاند مباشرة. وهذا أيضا نوع من الهروب عندما تواجه المسؤولين بالحقيقة الدامغة. ليس المهم فيما يقوله وينيسلاند في تقاريره الدورية فحسب، بل في ما يتجاهل ذكره عامدا متعمدا كذلك، فهو فمثلا لا يأتي على ذكر الأسرى ومعاناتهم وإضراباتهم عن الطعام والإهمال الطبي لحد الموت، كما حصل مع ناصر أبو حميد، ولا يأتي على ذكر الاعتقال الإداري، ولا الأطفال السجناء ولا الجثامين المحجوزة ولا السور العنصري، ولا سرقة المصادر الطبيعية. يأتي فقط على ذكر الأنشطة الاستيطانية العادية وعمليات القتل والإرهاب، والإصابات من الجانبين، وهدم البيوت والتحريض وأوضاع غزة الإنسانية. وهي أمور واضحة تتكرر في كل تقرير، ثم ينتهي بمطالبة الطرفين بضبط النفس والتهدئة، وعدم اتخاذ قرارات أحادية، والعمل على إحياء عملية السلام برؤية حل الدولتين، الخدعة الكبرى التي ما زال يسوق لها الكثيرون تهربا من المسؤولية. ينحاز وينيسلاند للرواية الإسرائيلية في اختيار اللغة فمثلا يستعمل دائما مصطلح الحرم الشريف، ويلحقه فورا بمصطلح (جبل الهيكل) وهذا انتهاك لقرارات اليونسكو، التي نصت على أن الحرم الشريف وقف إسلامي بحت، لا يشارك فيه المسلمين أحد. كما يستعمل لغة الموازنة بين الطرفين دائما كأن يدعو جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وعدم اتخاذ قرارات أحادية من شأنها أن تزيد الوضع تعقيدا. يقول في بيان أخير حول ما جرى في الأقصى يوم 5 أبريل: «إنني أدعو القيادات السياسية والدينية والمجتمعية من الأطراف كافة بوقف التحريض والخطابات التأجيجية والأعمال الاستفزازية». ونحن نسأل من الذي استفز من؟ ومن الذي داهم المصلين الساعة الحادية عشرة مساء؟ ومن الذي ضرب المعتكفين والمعتكفات؟ ومن الذي اعتقل 400 شخص ومن الذي استخدم القوة المفرطة؟ أليس هذا الخطاب تبريرا لأعمال المجرم ومساواته بالضحية؟ ويذهب بعيدا في تبني الرواية الإسرائيلية حرفيا عندما قال: «كما أنني أرفض بقوة تخزين واستخدام الحجارة والمفرقعات النارية داخل المسجد». وقد تحديت المتحدث أن يأتي بمصدر آخر غير المصادر الإسرائيلية التي تشير إلى هذا التخزين، فأحالني المتحدث إلى مكتب وينيسلاند الذي لا يرد على رسائلي. هل يعقل أن يذهب المصلون بالحجارة والمفرقعات لداخل المسجد؟ أليس هذا الإقرار من قبل ممثل الأمم المتحدة «صك غفران ومبررا بليغا للأفعال الإسرائيلية؟». ولم ينس أن يدين إطلاق المقذوفات العشوائية من قطاع غزة قائلا «هذا غير مقبول ويجب أن يتوقف».

يقرر وينيسلاند لوحده أن كل ما يقوم به الفلسطينيون ضد الإسرائيليين من عنف وإرهاب مدان، ولكنه لا يدين إلا عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين فقط

حول العنف والإرهاب

يقرر وينيسلاند لوحده أن كل ما يقوم به الفلسطينيون ضد الإسرائيليين من عنف وإرهاب مدان، ولكنه لا يدين إلا عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين فقط. يقول في بيان بعد ما قام به المستوطنون من تدمير وعنف وإرهاب في بلدة حوارة يوم الأحد 28 فبراير: «أدين عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين. أدين الهجمات الفلسطينية ضد الإسرائيليين». بكل بساطة يعترض فقط على عنف المستوطنين ويسكت عن الجرائم والمذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال وقوات الأمن ما ظهر منها وما خفي بمن فيهم قوات المستعربين. أي رد فعل فلسطيني على جرائم إسرائيل مدان حتى لو كان المستهدف جنديا أو مستوطنا، أليس هذه فتوى تتبنى الرواية الإسرائيلية بحق الجيش والأمن والقوات الخاصة وكل تشكيلات المنظومة الأمنية لممارسة العنف ضد الفلسطينيين، ولكن لا يحق للفلسطينيين الرد حتى على المستوطنين لأنه أدان أي نوع من هجمات الفلسطينيين على الإسرائيليين بشكل مطلق. وللعلم فقد قام وفد من 19 دبلوماسيا غربيا بزيارة حوارة في اليوم التالي لهجمات المستوطنين الوحشية، ولم يكلف مندوب الأمم المتحدة «المحايد والموضوعي» أن يزور حوارة ويتضامن مع أهلها مثل، ممثل اليابان والمكسيك ومالطا وبريطانيا ـ ولا أصدر بيانا يدين تصريحات سموتريتش بضرورة إبادة حوارة. وفي بيان أخير بعد عملية الغور الشمالي وما سمي عملية تل أبيب الخلافية يوم الجمعة 7 أبريل التي تبين أن الفلسطيني يوسف أبو جابر ابن كفر قاسم لم يكن يحمل اي سلاح. ومع هذا أصدر وينيسلاند فورا، وقبل أن تتكشف الحقائق، بيانا يصنف العمليتين بأنهما أعمال إرهابية ويدينهما بأقسى العبارات، ويقدم تعازيه لأهالي الضحايا. وأضاف «لا مبرر للأعمال الإرهابية ويجب أن تدان بوضوح وأن تكون مرفوضة من الجميع». أما إعدام الطبيب محمد خالد العصيبي الحامل لجواز السفر الإسرائيلي أمام عيون الناس في الجمعة الأولى من رمضان لأن نخوته أبت عليه إلا أن ينتصر لفتاة تتعرض للضرب المبرح على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية فلا تستحق الإدانة، وإعدام الطفل محمد فايز بلهان (15 سنة) في عقبة جبر يوم 10 مارس فلا تستحق حتى الذكر وشهيد زعترة، سامح أقطش يوم هيجان المستوطنين فلا ذكر له، وقتل امرأة فلسطينية في جنين لا يستحق الإدانة. 19 طفلا عدد الذين استشهدوا منذ بداية العام لم يصدر أي بيان إدانة منفصل لأي منهم. أهذا هو الحياد الأممي؟ كلما أثرنا هذه القضايا مع المتحدث الرسمي باسم الأمين العام أحالنا لمكتب وينيسلاند. أنا لست الجهة المخولة بالاتصال بمكتب وينيسلاند وتقديم احتجاج أو اعتراض. الجهة المخولة رسميا هي السلطة وتشكيلاتها. أنا عليّ فقط أن أسأل حتى لو لم تكن هناك أجوبة فالسؤال أحيانا أهم من الجواب. أما السلطة فدعها تنام في العسل بانتظار إعلان المجتمع الدولي الحرب على إسرائيل.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بو لاية نيوجرسي

كلمات دليلية
التعليقات (0)