عبد الله الأشعل يكتب: حصار غزة: الجريمة المنسية في نظر القانون الدولي

profile
د.عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق استاذ القانون الدولي والعلوم السياسية
  • clock 23 ديسمبر 2021, 10:46:48 ص
  • eye 454
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

استمر حصار غزة منذ عام 2007 بالإضافة إلى العدوان الإسرائيلي المستمر والتضيق وممارسة جريمة إبادة العرق الفلسطيني وقدمت إسرائيل مجموعة من الدفوع التي تبرر بها جريمتها في غزة على النحو التي سنفصله في هذه المقالة والغريب أن الوسط العربي والدولي سلم بحق إسرائيل بإبادة غزة ولذلك فإن هذه المقالة هي بداية حملة لكى يكون العام القادم 2022 هو عام رفع الحصار عن غزة وسوف نقدم في هذه المقالة مقترحات عملية لتحقيق هذا الهدف النبيل ففي أغسطس 2005 نفذت إسرائيل خطة فك الارتباط مع غزة التي أعلنتها عام 2004 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية ضد المستعمرين اليهود فسحبت تسعة ألاف مستوطن وقواتها العسكرية واحتفظت بالسيطرة الكاملة على محطات الكهرباء وشبكات الصرف الصحي والسجل السكاني والمجال الكهرومغنطيسي وتوزيع العائدات الضريبة وشبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية .

بعد انتخابات يناير 2006 التي فازت فيها حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية كان واضحا أن فتح ليست راضية عن النتائج فوقعت صدامات بين فتح وحماس في غزة وقالت حماس أنها اضطرت الي السيطرة الكاملة على غزة تأميناً لها من مكائد فتح وهو ما أطلقت عليه السلطة الفلسطينية انقلاب عسكري وفصل غزة عن بقية فلسطين وعزلها عن السلطة وقامت إسرائيل في يونيو 2007 بفرض حصار شامل وأغلقت المعابر الخمسة مع غزة وفى سبتمبر 2007 أعلنت إسرائيل غزة منطقة معادية وأدعى بيريز رئيس إسرائيل في ذلك الوقت أن غزة تضم أسلحة إيرانية متطورة لتدمير إسرائيل كما فرضت إسرائيل حصارا جويا وبحريا على غزة .

وكانت أثار الحصار مدمرة وتفاقمت هذه الاثار مع العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة وكانت إسرائيل قد احتفظت بخطة فك الارتباط بالسيطرة على المجال الجوي والموانئ البحرية والسيطرة على المعابر الحدودية وزعمت إسرائيل أن هذا الحصار يستند إلى حق إسرائيل في الدفاع الشرعي عن النفس الدفاع التفاعلي والوقائي وزعمت إسرائيل أيضا أنها لا تحتل غزة وبالتالي ليست ملتزمة باتفاقية جينيف الرابعة وادعت إسرائيل ثالثاً أن مجلس الأمن رخص لها باستخدام القوة ضد الأعمال الإرهابية التي تمارسها غزة ضدها وأكدت ذلك المحكمة العليا الإسرائيلية في أحكامها وردا على ذلك نقول, أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لا تنطبق على إسرائيل وقد أكدت ذلك محكمة العدل الدولية في قضية الجدار العازل كما أكدت أن إسرائيل قوة احتلال لغزة ومن ثم فإن الهجمات الإرهابية المبررة للدفاع عن النفس تختلف عن وضع الأراضي المحتلة كما أنه يلزم لتطبيق المادة 51 أن يكون الهجوم مسلحا وصادرا من دولة وليس من حركة مقاومة.

أكدت محاكم نورنبيرج ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين ريتشارد فولك أن إسرائيل سلطة احتلال ففي غزة وأن المعيار هو قدرة إسرائيل على السيطرة الفعالة واخضاع غزة وهو ما احتفظت به إسرائيل في خطة فك الارتباط كما أكدت محاكم نورنبيرج أنه رغم طرد القوات الالمانية من اليونان ويوغوسلافيا فإن ألمانيا تحتل هاتين الدولتين بسبب قدرتها على السيطرة الفعالة عليهما وليس بالضرورة من خلال الاحتلال الحربي. ومعنى أن إسرائيل سلطة احتلال في غزة أن إسرائيل ملتزمة بالتزامات اتفاقية جنيف الرابعة بتوفير كافة مطالب الحياة للسكان كما أكدت محكمة العدل الدولية في قضية الجدار أن إسرائيل ملتزمة اتجاه الفلسطينيين في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها غزة بإلتزامات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

تخلى مجلس الأمن عن دوره في غزة حيث اعتبر الحصار الإسرائيلي لغزة مسألة سياسية وليست قانونية ومعنى ذلك أن المجلس أعطى شرعية لحصار غزة وهذا موقف غريب من مجلس الأمن والأغرب منه أن الجامعة العربية لم تناقش هذا الموضوع بل أنها أدانت المقاومة واعتبرتها ارهابا وهذا القرار يعتبر تبريرا لاستمرار الحصار على غزة.


زعمت إسرائيل أنها ليست سلطة احتلال وأنها تشتبك مع المقاومة وفق قانون الحرب وليس قانون الاحتلال الحربي وقد ردت محاكم نورنبيرج على هذا الزعم.

يتضح مما تقدم أن إسرائيل سلطة احتلال في غزة وانها لا تلتزم بما ورد في الاتفاقية الرابعة من التزامات السلطة المحتلة اتجاه السكان.

زعمت إسرائيل انها تمارس القوة في غزة ضد السكان انفاذا للقانون ولكن الرد على هذه الحجة هو أن الاحتلال الإسرائيلي جريمة عدوان مستمرة يبرر المقاومة وليس هناك منطق لحجة إسرائيل التي تدعمها المحكمة العليا الإسرائيلية لأن جميع أجهزة الدولة الإسرائيلية تعمل وفق المشروع الصهيوني ولا تحترم القانون الدولي.

فإذا أثبتنا أن الحصار مناقض وانتهاك للقانون الدولي وأن العدوان المستمر على غزة وتدمير بنيتها التحتية يوجب تحرك المجتمع الدولي اتجاه هذه الجريمة المستمرة.

أما منطق إسرائيل في محاصرة المقاومة في غزة فإنها أعلنت أن فلسطين كلها لليهود وتمنى بيريز وشارون ذات يوم أن تغرق غزة في البحر حتى يتخلصوا منها.

أما موقف السلطة من الحصار فهو يدل على قصر النظر لأن شعب غزة جزء من الشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية ملتزمة بالدفاع عنه والمطالبة برفع الحصار وتطبيق القانون الدولي على غزة المحتلة ولكن السلطة الفلسطينية تتفق مع إسرائيل في ضرورة القضاء على المقاومة وعودة غزة إلى سيطرة السلطة حتى تكون مسؤولة أمام إسرائيل عن كل ما يتعلق بغزة وهذا ما تخطط له إسرائيل في صفقة القرن.

وتطرح إسرائيل مصطلح السلام الاقتصادي بديلا عن السلام السياسي ويعنى أن إسرائيل تستطيع أن ترفع العنت عن أهل غزة إذا تخلصوا من المقاومة كما أنها تحرض الدول العربية ضد المقاومة على أساس أن إسرائيل أصبحت حليفا للعرب في مواجهة الخطر الجديد من إيران وإيران هي التي تدعم المقاومة وهذا هو السبب الأساسي في أن الجامعة العربية ووصم المقاومة بالإرهاب وتقاطرت دول عربية للتطبيع مع إسرائيل ليس خوفا من إيران ولكن حرصا على مقاعد الحكام وعلى رضا واشنطن.

والملاحظ أن إسرائيل تتعقب المقاومة من جميع الوجوه لأنها السلاح الوحيد لإحياء القضية والمطلوب الآن رفع الحصار عن غزة بعد أن فشلت محاولات كسر الحصار بالنظر إلى احكام إسرائيل قبضتها على هذا الملف من جميع الوجوه بالتواطؤ مع بعض العرب ولذلك أقترح الخطوات الآتية:

أولاً: إعلان العام الجديد عام السعي إلى رفع الحصار عن غزة.

ثانياً: ضرورة دعم المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل بلا خجل أو استحياء أو اعتذار لأن المقاومة حق للشعب المحتل بل أن إسرائيل تحتل فلسطين احتلالا يتجاوز الاحتلال العسكري وهو الاحتلال طويل الأجل الذي لا ينتهي بزوال الاحتلال وإنما ينتهي باستيلاء المحتل على الأرض وطرد السكان.

ثالثاً: ضرورة توعية الشعوب العربية بالجريمة الإسرائيلية لحصار غزة وإبادة الشعب الفلسطيني إبادة جماعية واستغلال محنته لكى يتنازل عن حقوقه السياسية وحقه في المقاومة مقابل ما يحفظ حياته.

رابعاً: ضرورة اقناع الشعب الفلسطيني بما في ذلك السلطة بالإصرار على رفع الحصار والاستعلاء على المكائد الداخلية ولذلك أحث السلطة على أن تتقدم الجهود الرسمية في اثارة هذا الموضوع في كافة المنظمات الدولية بما في ذلك الجامعة العربية.

خامساً: ضرورة عقد جلسة لمجلس الأمن لوضعه أمام مسؤولياته والتخلي عن النظر إلى الحصار على أنه مسألة سياسية ناجمة عن الصراع بين المقاومة وبين إسرائيل فالصراع في الحقيقة بين الشعب الفلسطيني وبين سلطة الاحتلال وأن المقاومة هي أداة الشعب الفلسطيني لمواجهة إسرائيل.

سادساً: لابد أن تلتقي النخب العربية على تبصير الشعوب بهذه الحقائق والتواصل مع المجتمعات الأوروبية لهذا الغرض.

سابعاً: على الفلسطينيين في أوروبا والولايات المتحدة القيام بواجبهم في هذه الحملة التي يجب أن يكون لهم دور بارز فيها.

التعليقات (0)