عبد الناصر سلامة يكتب : وللتعريص مدارس .. (٢)

profile
  • clock 19 يونيو 2021, 2:54:46 م
  • eye 3233
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

  عطفاً على ماذكرنا سابقاً حول مهنة التعريص، فوجئتُ أن البعض في تعليقاتهم يتصورون أننا أمام مهنة عشوائية، يمكن أن يمتهنها أي شخص متطوع، لمجرد أنه يحمل مؤهلاً دراسياً مثلاً، لا، الأمر أكبر من ذلك بكثير، بدليل أن هناك مراكز تحت مسميات مختلفة الآن تقوم بإعداد هؤلاء، خوفاً من الانقراض وسط زحام الأزمات اليومية، أحيانا تحت مسمى إعداد القادة، أحياناً أخرى إعداد الشباب، أحيانا تربية الكوادر، أحياناً مؤتمرات شباب، بخلاف الكتائب واللجان الإلكترونية، وهي عملية ليست جديدة على مصر التي شهدت في الماضي ما يسمى بمنظمة الشباب، والتنظيم الطليعي، والمعسكرات الصيفية وغيرها، وجميعها أفرزت كوادر سيطرت على مجريات الحياة فيما بعد، وربما حتى الآن في بعض المواقع، ذلك أن التوقيت كان يحمل مقومات مختلفة عن الحاضر.

 فقد لعبت شعارات القومية والوطنية والعروبة، وما واكب ذلك من انكسارات وهزائم، دوراً مهماً في هذا الموضوع، بينما ليس مطلوبا من شباب المرحلة الحالية ما يمكن الالتفاف حوله سوى التسبيح بحمد شخص بعينه، فلتة العصر، طبيب الفلاسفة، وخطورة هذا الموضوع، هو أن معظم هؤلاء الشباب يمكن أن يواجهوا نفس مصير الفنان الراحل صلاح جاهين، حين اكتشف الحقيقة المفزعة والوهم الفظيع الذي كان يعيش فيه ويسبح بحمده، ولمن لا يعرف فقد اكتئب صلاح جاهين، ثم انتحر. 

 المهم، وبالتجربة ومن واقع أحداث كنتُ طرفاً فيها، يمكنني القول، أن هناك المعرص برخصة، وهو ذلك الذي يمتهن هذه الآفة مقابل أجر شهري، كالمذيع والصحفي والبرلماني وحتى رجل الدين للأسف، وفي هذه الأوساط بشكل عام هناك مجموعة في كل مؤسسة أو قطاع، معلومون لدى زملائهم إلى حد كبير، هذا يتبع هذا الجهاز، وذاك يتبع ذلك الجهاز، ويمكنك أن تتحدث في أمر ما، عامداً متعمداً، أمام هذا أو ذاك بهدف إيصال المعلومة، ويمكنك أن تلتزم الصمت أمامهم خوفاً وإيثاراً للسلامة. 

 أذكر من نماذج المعرضين برخصة، ذلك المسئول الذي أوقف مقالي بصحيفة المصري اليوم، وأذكر في هذا الصدد هذه الواقعة، التي كانت في منزل إحدى الشخصيات العامة المحترمة، في وجود المهندس صلاح دياب مؤسس المصري اليوم، وهو رجل فاضل أحبه، وكان معه ذلك الشخص الذي أوقف المقال، الشخصية العامة المحترمة سأل المهندس صلاح دياب قائلاً: لماذا أوقفت مقال عبدالناصر سلامة، كان المقال الوحيد المحترم عندكم، رد قائلاً أنا لم أفعل، هذا هو الذي فعل ودون تنسيق معي، مشيراً إلى مرافقه، رد المرافق قائلاً: لأنه كان يكتب في بعض الأمور غير المرغوبة، وأضاف قائلاً: رغم أنه كان المقال الأكثر قراءة!!، المهم أن هذا المعرص تم تعيينه في موقع مرموق بعد ذلك رغم أنه بلغ من العمر أرذله، وبالمناسبة المهندس صلاح دياب قاوم بشرف ورجولة الطلب الرسمي بوقف المقال، أُكرر الرسمي -وعلى أعلى مستوى- على مدى نحو ثلاث سنوات. 

 هناك من المعرصين برخصة، نوع آخر يضيف إلى التعليمات التي حصل عليها، يحاول الإبداع في التنفيذ، أذكر هنا ذلك الرئيس تحرير، الذي صدرت له تعليمات بالرد على سطر ونصف كتبهم العبد لله على الفيسبوك، قام بالرد في صفحة كاملة، أُكرر صفحة كاملة، وكأن الصحيفة من أملاك أهله وليست ملكاً للشعب، رد بافتراءات لا علاقة لها بما جاء في السطر ونصف، وهو لا يعرفني ولا أعرفه، إلا إنه الإتقان في التعريص، علّ وعسى ينال الرضا السامي ويستمر في موقعه، وقد كان، لأنه بصراحة لا يُقصّر أبداً في هذا المجال التعريصي.   

على الجانب الآخر هناك متطوعون للتعريص، وأذكر ذلك الطبيب الذي كان يكتب مقالاً في المصري اليوم، ولا أدري لماذا، فهو لا يجيد الكتابة، ولا هي مهنته، وليست لديه أي قضية موضوعية للطرح أو المناقشة، فقط وجدته يشن هجوماً عنيفاً على كل من ينتقد النظام، لدرجة إنه كان يحرض أجهزة الدولة على الكاتب، وكيف يكتب، ولماذا يكتب، وازاي يكتب، وهكذا في وصلات تعريص أسبوعية، علمت بعدها أنه كان يسعى للتقرب من السلطة، إلى أن تم اعتقال ابن شقيقه، فأخذ يسب ويلعن في النظام، ولكن داخل الغرف المغلقة طبعاً، فهو وأمثاله من النوع الجبان. 

 هناك فئة أخرى من المتطوعين، إلا إنهم ينتظرون التعليمات، وأذكر هنا أحد الصحفيين الذي وجدته يهاجم العبد لله على الفيسبوك بوصلة تعريص مفاجئة، بزعم أنني أنتقد السيد الرئيس، آي والله هكذا كتب، وكيف ينتقد السيد الرئيس، وكيف وكيف، علمت بعدها أن هناك حركة تعيينات وشيكة في الإصدارات الصحفية، وكان يشتاق لأمر ما، وعلى الرغم من إنه لا يصلح لأي أمر، لا شكلاً ولا موضوعاً، إلا أن أحدهم أغراه، وطلب منه أن يكتب ما كتب، وفي نهاية المطاف حصل على الخازوق كسابقه، إلا أنه يختلف عنه في أنه لا يستطيع حتى الكلام في الغرف المغلقة، ذلك إنه تربى في بيئة وضيعة، وتحديداً في زريبة خنازير. 

 فئة خامسة لا تنتظر أوامر وليست لديها أطماع، هي فقط جينات، يعيش الملك، يعيش الملك، حتى لو سقط أو مات الملك، لا يعنيهم وطن، ولا تعنيهم عقيدة، لا ينتفضون لأي شئ، أرى أن دمائهم ليست مصرية خالصة، تستخدمهم الأجهزة كشباشب من النوع الردئ، يُلقى بها في أكوام القمامة بعد حين، لإتاحة الفرصة لآخرين ممن يسايرون التطور التكنولوجي الحاصل في العالم، إلا أن بعضهم استطاع أن يعيش مع الوباء طويلاً كالسلحفاة، يجيدون التعامل مع كل الظروف والوصول لأهدافهم، والغريب أن بعضهم أجاد التعامل حتى مع أنظمة وعواصم مختلفة، وربما متناقضة في آن واحد، هؤلاء معرصو البترودولار.

 هؤلاء هم المحترفون، الذين وصلوا العالمية، يستحقون الترشح لجوائز دولية وسخة!!

 لك الله يامصر، ضاعت أرضك، وعرضك، ومياهك، ونفطك، وآثارك، وحتى كرامتك، على أيدي هؤلاء المعرصين، ولا أحد غيرهم.  

 لتكن البداية من هؤلاء، لنرفع شعار: لا للتعريص.


موضوعات قد تهمك :

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة يكتب : المهنة معرّص !!

عبد الناصر سلامة: مبارك هدد بضرب سد النهضة فور إنشائه

د.يحيى القزاز يكتب : تأثير إيران و اوسلو على المقاومة الفلسطينية

د.يحيى القزاز يكتب : لست وحدك المحبوس ياجمال

د. يحيى القزاز يكتب للرئيس : كل الحياة صارت ممنوعات ومحاذير



موضوعات متعلقة

سامح غنيم يكتب: رحلة التحرر الوطني

سامح غنيم يكتب : فـتــح عـيـنيـك - النيل ما جاشي

رحلة التحرر الوطني و نضال الشعوب

موضوعات متعلقة:

تقرير : بعد مطالبته السيسي بالتنحي ..اعتقال عبد الناصر سلامة بتحريض من لجان إلكترونية

عاجل : أنباء عن اعتقال الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة : افعلها ياريّس

عبدالناصر سلامة : تعريص النخبة

عبدالناصر سلامة :الخيانة بالتعريص

عبدالناصر سلامةيكتب : التعريص القاتل

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة يكتب : المهنة معرّص !!






التعليقات (0)