عبود مصطفي عبود يكتب : سنترال الحي القديم

profile
عبود مصطفى عبود كاتب وناشر
  • clock 18 يونيو 2021, 1:26:39 ص
  • eye 978
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 السماء ملبدة بالغيوم، آثار مطر أول أمس لم تمح بعد، الطرقات موحلة، الطين دخل البيوت عالقا بالأحذية، السواد الذي يملأ السماء ينذر بمطر جديد إذا كان مثل سابقه فولا شك ستنهار أغلب بيوت قرية ويش الحجر على رءوس أهلها، ويش الحجر قريتي التي نشأت فيها، بينها وبين الجبل ثلاثة كيلو مترات،  أقطعهما ذهابا وإيابا مرتين كل شهر، الأولى أحمل فيها الطعام والأخبار إلى أخي الأكبر عيسوي الهارب من الليمان والمختبئ بالجبل منذ سنة كاملة، والمرة الأخرى أحمل إليه ولده مازن ليراه ويروي ظمأ قلبه منه كما يقول.

   عيسوي أخي رجل طيب، كان ساعد أبي الأول في تربيتنا وتجهيز أخواتي البنات للزواج، تخرج في مدرسة الزراعة سنة الحرب التي أطلقوا عليها النكسة، كانت أمي تنطقها خطأ فتقول الوكسة، فيضحك أبي حتى تتساقط دموعه قائلا: الله يسترك يا أم عيسوي، والله هي وكسة وطالتنا كلنا، يارب نخلص منها لحسن عارها ثقيل جدا على النفس.

  بعد سنوات التلمذة التحق عيسوي بالقوات المسلحة، فرح والدي جدا في ذلك اليوم، رغم ضيق الحال، وأمله في مساندة عيسوي له، لكن يومها أبي قال: روح يا عيسوي حارب وهات تار ولادنا اللي راحوا.

أمي زغرطت وهي تبكي، غاب عيسوي في الحرب، حتى انتصرنا في رمضان وعبرنا القنال، بعدها سرحوه من الجيش وعينوه جنايني في وزارة التربية والتعليم، كان مسئولا عن حديقة المدرسة المجاورة لسنترال الحي القديم بالمركز، اشتغل عيسوي في الحديقة باجتهاد وإخلاص، زرع فيها شجر فواكه وورد، اهتم جدا ببرج الحمام الموجود بحديقة السنترال الخلفية، في هذه الفترة رأى أحلام الموظفة بالسنترال، كان عمرها ١٨ سنة، متعلمة حاصلة على الابتدائية، جميلة نحيفة وطويلة، طول عمره عيسوي يحب النحيفات الطوال، أحبها وتزوجها وأنجب منها ابنه مازن، كانت حياتهما مليئة بالستر والرضا والسعادة حتى جاء اليوم المشئوم، كانت أحلام في طريق عودتها من السنترال، عندما صدمتها سيارة مسرعة يقودها شاب مستهتر سكران، فأرداها قتيلة في الحال، ألقت الشرطة القبض على الشاب، لكن والده الثري استطاع بنفوذه وماله إخراجه من القضية، تعكرت حياة عيسوي وفقدت بهجتها بعد وفاة حبيبته وأم ولده ، قرر الانتقام، عرف أن هذا الشاب يهوى معاكسة الفتيات، اتفق  مع فتاة غجرية على استدراج الشاب إلى حديقة السنترال في الليل، نجحت الفتاة في مهمتها، قتل عيسوي الشاب وألقاه في الحديقة، طعنه في قلبه ثلاث طعنات، واحدة من أجل أحلام والثانية لمازن والثالثة لعيسوي، هكذا يكون العدل، اعترفت الفتاة على عيسوي، زُج به في السجن، لكنه أستطاع الهرب بعد عام واحد قضاه مسجونا.

      عاش هاربا مطاردا في الجبل، ومن وقتذاك وأنا أصعد الجبل كل شهر مرتين، أحيانا أتذمر من ذلك وأرفض، لكن أمي تنهرني من أجل عيسوي، تذكرني بفضل أخي علينا، وكيف أفنى شبابه من أجلنا في الحرب ليحمينا ويمحو عنا عار الوكسة، وبعدها في العمل ليعين أبانا على تربيتنا وشوار البنات، من بعد اليوم لن أتحمل عبء الصعود إلى الجبل، لكن كيف أحمل خبر وفاة عيسوي إلى أمي.

التعليقات (0)